صعود هاريس يجذب ذوي الدخل المنخفض المُحبطين من بايدن

الرئيس الأميركي جو بايدن يلقي خطابه الأول بعد الانسحاب من سباق الانتخابات الرئاسية من المكتب البيضاوي للبيت الأبيض في واشنطن. 24 يوليو 2024 - رويترز
الرئيس الأميركي جو بايدن يلقي خطابه الأول بعد الانسحاب من سباق الانتخابات الرئاسية من المكتب البيضاوي للبيت الأبيض في واشنطن. 24 يوليو 2024 - رويترز
دبي-الشرق

أظهر صعود نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس المُفاجئ إلى قمة قائمة المرشحين الديمقراطيين في انتخابات الرئاسة، مؤشرات واضحة على قدرتها في إنعاش الدعم المتراجع للحزب بين الأميركيين من ذوي الدخل المنخفض، وهي الفئة المحورية التي ساعدت في دفع جو بايدن إلى الوصول للبيت الأبيض قبل أربع سنوات.

وقالت "بلومبرغ" في تقرير نشرته، السبت، إن هؤلاء الناخبين كانوا قد فقدوا حماسهم تجاه الحزب مع ارتفاع تكاليف المعيشة، مضيفة أنه سيكون أمام هاريس حوالي ثلاثة أشهر للتغلب على اللامبالاة بين العديد من الأميركيين الذين يواجهون صعوبات اقتصادية، ولا يعتقدون أن بايدن حقق التغيير الذي كان يأملون في أن يؤدي إلى تحسين حياتهم.

ويشير استطلاع مبكر للرأي في الولايات المتأرجحة إلى أن نائبة الرئيس قد تكون قادرة على تغيير هذا الوضع، إذ يقول الاستراتيجيون السياسيون، وخبراء استطلاعات الرأي إن كامالا هاريس تقدم نفسها للأميركيين باعتبارها امرأة ملونة جديدة ونشيطة، يمكنها تقديم رسالة اقتصادية "أكثر وضوحاً دون أن تطغى عليها المخاوف المتعلقة بالتقدم في العمر، أو تراجع القدرات العقلية التي لاحقت بايدن".

وذكرت الوكالة أن معدلات تأييد هاريس شهدت تحسناً بالفعل، مقارنةً بأداء بايدن بين الناخبين في الأسر التي يقل دخلها عن 50 ألف دولار سنوياً، على الرغم من أنها لم تصل بعد إلى نفس مستوى الدعم الذي فاز به الديمقراطيون في عام 2020.

وأظهر استطلاع رأي أجرته "بلومبرغ/مورنينج كونسلت" في الفترة من 24 إلى 28 يوليو الماضي، تفوقاً لصالح هاريس على المرشح الجمهوري دونالد ترمب بفارق 4 نقاط مئوية بين الناخبين من "ذوي الدخل المنخفض"، فيما كان بايدن قد خسر من هذه الفئة بفارق نقطتين أمام ترمب في نفس الاستطلاع، حينما تم إجراؤه قبل 3 أسابيع.

ونقلت "بلومبرغ" عن سارة لونجويل، وهي المستشارة السياسية التي تدير موقع "بولوارك" المناهض لترمب: "لقد شهدنا تغييراً تاريخياً هائلاً، ولدى هاريس الفرصة لإعادة تقديم نفسها بشكل كامل للشعب الأميركي.. إذا خرجت برسالة اقتصادية قوية ومليئة بالتعاطف والتطلع إلى الأمام ومعرفة كيفية مساعدة الجميع، فإنها ستكون فرصة كبيرة لبدء صفحة جديدة معهم".

وقالت "بلومبرغ" إن الاختيار الاقتصادي بات الآن واضحاً، إذ يخوض ترمب حملته الانتخابية استناداً على تخفيضات الضرائب التي أقرها في ولايته الأولى، والتي كانت موجهة نحو الشركات والأثرياء، إلى جانب زيادة التعريفات الجمركية، وشن حملة صارمة على الهجرة، والتي قد ترفع "أجور العمال من ذوي الدخل المنخفض"، ولكنها قد تؤدي أيضاً إلى زيادة معدلات التضخم.

وأضافت: "هاريس بدأت حملتها متعهدة بالقتال من أجل تقديم المزيد من المساعدات المباشرة للأسر من الطبقة المتوسطة، والفقيرة من خلال مبادرات مثل تقديم دعم أكبر لرعاية الأطفال، وإجازات عائلية مدفوعة الأجر، فضلاً عن المساعدة في الإسكان".

وبينما كانت تتولى منصب المدعية العامة لولاية كاليفورنيا، تبنت نائبة الرئيس أهدافاً اقتصادية شعبوية، إذ قامت برفع دعاوى قضائية ضد البنوك الكبرى بسبب ممارسات الحجز على الرهن العقاري، والكليات الربحية التي تثقل كاهل الطلاب بالديون وشركات الرعاية الصحية؛ بسبب رفع الأسعار، بحسب "بلومبرغ".

ترمب يتفوق اقتصادياً

وذكرت الوكالة أن مشاعر الأميركيين ذوي الدخل المنخفض تغيرت بشكل كبير خلال فترة ولاية بايدن، الذي فاز في عام 2020 بأصوات الناخبين الذين يكسبون أقل من 50 ألف دولار سنوياً، بفارق 11 نقطة مئوية عن منافسه الجمهوري، وفقاً لاستطلاعات الرأي.

وأوضحت الوكالة أن السبب الرئيسي في ذلك هو ارتفاع معدلات التضخم، الذي وصل إلى أعلى مستوى له منذ 40 عاماً بنسبة 9.1% في يونيو 2022، ويؤثر بشكل أكبر على الأشخاص ذوي الدخل المنخفض؛ لأنهم ينفقون جزءاً أكبر من دخلهم على الضروريات مثل الطعام الذي شهد زيادات كبيرة في الأسعار بشكل خاص"، حسبما يقول الخبير الاستراتيجي الديمقراطي دوج سوسنيك.

ووفقاً لـ"بلومبرغ"، فإن هاريس لم تكن متحدثة بارزة في مجال الاقتصاد في إدارة بايدن، إذ أنه غالباً ما كان يتم الاعتماد عليها في تقديم مبادرات مستهدفة مثل "تخفيف قروض الطلاب وتعزيز ريادة الأعمال بين الأقليات"، لكنها على عكس بايدن "غير مرتبطة لدى الناخبين بارتفاع معدلات التضخم" على الرغم من أن الجمهوريين يحاولون الآن بنشاط تحميلها مسؤولية هذه المسألة.

ويرى سوسنيك، الذي كان أحد كبار مستشاري الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، أنه "لا يمكن توقع أن تعكس نائبة الرئيس تفوق ترمب في الاقتصاد بين الناخبين الأميركيين في الوقت المتبقي قبل الانتخابات"، لكنها تستطيع "تضييق الفجوة بينهما، وتحفيز المزيد من الأشخاص الذين لم يكونوا يميلون إلى التصويت، عندما كان بايدن هو مرشح الحزب الديمقراطي".

تضييق الفجوة مع المرشح الجمهوري 

وفي أوائل يوليو الماضي، قال الناخبون في الولايات المتأرجحة إنهم يثقون في ترمب أكثر من بايدن في مجال الاقتصاد، وذلك بنسبة 51% مقابل 37%، لكن هذه الفجوة ضاقت إلى 50% مقابل 42% لصالح هاريس في نهاية الشهر، وفقاً لاستطلاع "بلومبرغ".

كما تراجعت مصداقية ترمب بشأن الاقتصاد بشكل أكبر بين أولئك الذين يعيشون في أسر يقل دخلها عن 50 ألف دولار سنوياً، حيث انحسر تفوق الرئيس السابق في هذه القضية إلى 47%، مقابل 44% لصالح هاريس.

ونقلت "بلومبرغ" عن كارولين ليفات، وهي المتحدثة باسم حملة ترمب، قولها إن "أجندة (هاري- بايدن) الاقتصادية كانت مدمرة للأسر ذات الدخل المنخفض والطبقة المتوسطة، إذ كانت تسلبهم آلاف الدولارات كل عام بسبب التضخم المرتفع بشكل قياسي"، متعهدة بأن المرشح الجمهوري "سيعمل على خفض معدلات التضخم، والضرائب".

وأشارت "بلومبرغ" إلى أن إدارة الرئيس الأميركي وصلت إلى السُلطة بطموحات كبيرة لانتشال ملايين الأميركيين من براثن الفقر، وحققت نجاحاً مبكراً مذهلاً، إذ شملت حزمة الإغاثة من وباء كورونا، البالغة قيمتها 1.9 تريليون دولار، والتي أقرها الديمقراطيون في الكونجرس بعد وقت قصير من تولي جو بايدن منصبه.

بالإضافة إلى مجموعة من المبادرات التي كانت تهدف إلى مساعدة الأميركيين من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط، وأهمها الائتمان الضريبي الموسع للأطفال، حيث أدى هذا التوسع، بشكل مؤقت، إلى رفع قيمة الائتمان الضريبي إلى ما يصل إلى 3600 دولار لكل طفل، وجعل المزيد من الأسر ذات الدخل المنخفض مؤهلة لدخول البرنامج.

ووفقاً لمكتب الإحصاء الأميركي، فقد انتشلت سياسة الائتمان الضريبي الموسع هذه 2.1 مليون طفل من براثن الفقر في عام 2021، كما انخفض معدل الفقر بين الأطفال إلى 5.2% في ذلك العام، وهو أدنى مستوى على الإطلاق في السجلات غير الرسمية التي تعود إلى عام 1967، وفقاً لجامعة كولومبيا.

وتابعت "بلومبرغ": "لكن الأمر لم يدم طويلاً، إذ إنه في ظل المخاوف بشأن الإنفاق الحكومي مع ارتفاع التضخم، لم يتمكن بايدن من إقناع الجمهوريين، أو المعتدلين في مجلس الشيوخ أمثال جو مانشين، بالموافقة على استمرار الائتمان الضريبي الموسع أو المبادرات الأخرى مثل إعانات رعاية الأطفال الأكثر شمولاً، وهو ما أدى إلى ارتفاع معدل الفقر بين الأطفال مرة أخرى في عام 2022، بأكثر من الضِعف مقارنةً بالعام السابق، ليصل إلى 12.4%".

حشد الأميركيين الأشد فقراً

ويصف جين سبيرلينج، المستشار الأبرز لبايدن، والذي كان في الفريق الاقتصادي لكل الرؤساء الديمقراطيين منذ عام 1993، وقف الائتمان الضريبي الموسع بأنه "أكثر شيء مخيب للآمال" طوال مسيرته السياسية.

ويقول بهارات رامامورتي، وهو نائب مدير المجلس الاقتصادي الوطني السابق لبايدن، إن هاريس كانت من أوائل المؤيدين بقوة لإدراج الائتمان الضريبي في حزمة الإغاثة الأولية من الوباء ثم الحفاظ على مزاياه لاحقاً، مشيراً إلى أن الانتعاش الاقتصادي القوي في عهد الرئيس الأميركي الحالي، أدى إلى تعزيز أرباح العمال ذوي الأجور المنخفضة بشكل أكبر من معدل ارتفاع التضخم، وضيَق فجوة الأجور مع أصحاب الدخول الأعلى.

ووفقاً لتحليل أجرته الخبيرة الاقتصادية إليز جولد في معهد السياسة الاقتصادية ذي الميول اليسارية، فإن العمال الأميركيين ذوي الأجور المنخفضة شهدوا زيادة في أجورهم بالساعة بنسبة 12.1% في الفترة بين عامي 2019 و2023، وذلك بعد تعديلها للتماشى مع ارتفاع معدلات التضخم، وكان ذلك أكثر من ضِعف معدل زيادة أجور العمال ذوي الدخل المتوسط، فيما شهد العمال أصحاب الدخول المرتفعة زيادة في الأجور بنسبة 0.9% فقط نفس خلال الفترة.

ويقول بوبي دوريجو جونز، وهو مدير برنامج "يونايتد واي" لمساعدة العمال ذوي الدخل المنخفض في ميشيجان، إن المبادرات الاقتصادية البارزة التي أطلقها بايدن مثل قانون البنية التحتية، وحوافز تصنيع الرقائق، والطاقة النظيفة من المرجح أن تساعد العمال الفقراء في نهاية المطاف، لكن هؤلاء الناخبين لا يلاحظون ذلك بقدر ما لم يلاحظوا برامج الرعاية الاجتماعية المباشرة التي سعى الرئيس الأميركي إلى تنفيذها، لكنه لم يتمكن من ذلك حتى الآن.

وأضاف جونز: "يجب عليهم أن يُظهِروا كيف يجعلون الإسكان، والنقل، ورعاية الأطفال، وهي الأشياء المكلِفة والتي يصعب توفيرها، متوفرة بأسعار معقولة، وبشكل أكثر سهولة".

ورأت "بلومبرغ" أنه على الرغم من تشديد هاريس على التزامها بتلك الأهداف، فإذا كانت ترغب في حشد الأميركيين الأشد فقراً لصالحها، سيتعين عليها التغلب على الشكوك الراسخة لديهم بشأن الاقتصاد.

تصنيفات

قصص قد تهمك