ما الذي يمكن استخلاصه من مناظرات هاريس السابقة؟

جو بايدن وكامالا هاريس خلال مناظرة للمرشحين الديمقراطيين للانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2020، في ديترويت بولاية ميشيجان. 31 يوليو 2019 - Reuters
جو بايدن وكامالا هاريس خلال مناظرة للمرشحين الديمقراطيين للانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2020، في ديترويت بولاية ميشيجان. 31 يوليو 2019 - Reuters
دبي-الشرق

تؤثر العبارات والتصرفات غير المدروسة على مسار المناظرات في انتخابات الرئاسة الأميركية، ما يخلق فرصة سانحة لأحد المرشحين لتوظيف أي هفوة لصالحه، وبينما يتأهب العالم للمناظرة المرتقبة، بين المرشح الجمهوري دونالد ترمب والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، يثبت حضور الأخيرة في مناظرات سابقة قدرتها على تحويل العثرات لنقاط تصب في صالحها، مع اعتمادها على توجيه الأسئلة المباغتة.

وذكرت صحيفة "واشنطن بوست"، أنه في نهاية مناظرتها لمجلس الشيوخ الأميركي في عام 2016 بكاليفورنيا، قامت منافسة هاريس، لوريتا سانشيز، بوصفها على أنها "أداة للمؤسسة السياسية"، وسعت للإشارة إلى مواقفها المثيرة للجدل التي اتخذتها كعضو في الكونجرس، ثم حيرّت سانشيز الجمهور باختتام تصريحاتها بحركة "الداب"، في إشارة إلى الثقة بالنفس، ما دفع هاريس، لاستخدام الإيماءات وتعابير الوجه المتعجبة، ليسود الصمت لعدة ثوان.

وقالت هاريس بعدها بلحظات: "لهذا هناك فرق واضح بين المرشحين في هذا السباق"، ثم التفتت لتشارك الجمهور بالضحك. 

وباستخدام التوقيت وتعبيرات الوجه، نقلت الرسالة الأساسية لحملتها، وهي أن سانشيز كانت مرشحة غير جادة وتحب الدراما، بينما هي "كانت جاهزة للمهمة". لتفوز هاريس بالانتخابات بفارق 23 نقطة. 

ومن المتوقع أن تعتمد هاريس على استخدام استراتيجية مشابهة، في مناظرتها مع ترمب، الذي وصفته بأنه "رجل غير جاد" قد يتسبب في "عواقب خطيرة للغاية" إذا فاز في الانتخابات.

وعند التفكير في تعامل هاريس مع اللحظة التي قامت فيها سانشيز بحركة "الداب" خلال المناظرة، ذكر رئيس موظفيها السابق ناثان بارانكين أن مستشاري هاريس "كانوا جميعاً مذهولين". 

وقال بارانكين، الذي عمل كبيراً لموظفيها في كل من مجلس الشيوخ ومنصب المدعي العام: "رد فعل هاريس كان مثالياً. لا يوجد شخص قابلته أفضل منها في قراءة الشخصيات الفردية، والدوافع ونقاط الضعف المحتملة". 

كما ذكر دان مورين، رئيس التحرير السابق لصفحة الرأي في صحيفة "ساكرامنتو بي"، وأحد المحاورين في مناظرة عام 2010 عندما كانت هاريس تترشح لمنصب المدعي العام: "إنها سريعة جداً في اتخاذ القرارات".

وأضاف: "الصور السلبية لهاريس في السنوات الأخيرة كشخصية فارغة غير مستعدة للمواجهات الصعبة هي معاكسة تماماً للشخصية التي أظهرتها في كاليفورنيا في سباق عام 2010، وانتخابات مجلس الشيوخ لعام 2016". 

فهم كيفية التواصل 

وقال مورين، مؤلف كتاب "طريق كامالا: حياة أميركية": "إنها تفهم كيفية التواصل وإعطاء إجابة منطقية، هذا ما رأيته في عام 2010، وما رأيته في عام 2016. وأتوقع أن نرى ذلك الثلاثاء". 

ولكن هذه المرة ستواجه هاريس خصماً أقوى بكثير في المناظرات، حيث أنهى بشكل فعّال طموحات العديد من المنافسين. 

ولا تزال هاريس بحاجة إلى التغلب على الانتقادات التي تصفها بأنها "سياسية شديدة الحذر"، سواء في المناظرات أو غيرها، حيث تكافح غالباً لتقديم "إجابات واضحة ومختصرة". 

فقد كان أداؤها في المناظرات الرئاسية لعام 2019 غير متكافئ، إذ واجهت صعوبة في تحديد موقفها الأيديولوجي في سباق تمهيدي ديمقراطي مليء بالمرشحين. ثم كنائبة للرئيس، كانت تبدو أحياناً غير مستقرة وغامضة في المقابلات النادرة التي أجرتها.

وقد وصفها المحافظون على أنها شخصية "خفيفة الوزن" سياسياً، وتسائل ترمب عن ذكائها، وادعى أن قادة العالم سيتلاعبون بها مثل "لعبة"، كما أن حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، وضع سقفاً منخفضاً لأدائها في المناظرة مؤخراً، بتوقعه أنها ستكون "90 دقيقة من الحديث غير المتسق المليء بالشعارات".

ولدى هاريس فرصة لتفنيد هذه الانتقادات في المناظرة، إذ كان الكثير من الارتباك الذي أظهرته خلال مناظرات الانتخابات التمهيدية الرئاسية ينبع من صعوبة التنقل بين المواقف السياسية، في انتخابات تمهيدية يقودها جمهور ليبرالي كان يشكك في "مؤهلاتها كمدعية عامة". 

والآن، مع استعداد الديمقراطيين لـ"تصوير السباق على أنه مواجهة بين مدعية عامة وشخص مدان"، ستكون هاريس على أرضية أكثر ثباتاً، وتواجه خصماً تتناقض مواقفه تماماً مع مواقفها.

وعلى عكس سنواتها كنائبة للرئيس، لم تعد هاريس مقيّدة بالتحدث نيابة عن الرئيس جو بايدن وأجندته السياسية، ما يمنحها "حرية أكبر للتركيز على أفكارها الخاصة". 

ويشير المراقبون منذ فترة طويلة إلى أن هاريس كانت أكثر ارتياحاً في المناظرات الفردية السابقة في كاليفورنيا، عندما كانت تتوجه إلى جمهور أوسع يشمل المستقلين والجمهوريين المعتدلين، الذين تأمل أيضاً في إقناعهم.

هاريس.. واستشعار نقاط ضعف الخصم

واستخدمت هاريس قدرتها على استشعار نقاط ضعف خصمها، والاستفادة منها في سباقها لعام 2010 ضد الجمهوري ستيف كولي، المدعي العام لمقاطعة لوس أنجلوس آنذاك، إذ لم تكن هاريس مرشحة مفضلة للفوز في الانتخابات التي حُسمت في النهاية بأقل من نقطة مئوية واحدة. 

لكن كولي ارتكب خطأ كبيراً عندما واجه سؤالاً خلال مناظرتهما في أكتوبر من ذلك العام، عما إذا كان سيأخذ كلا من الراتب الممول من الدولة والبالغ 150 ألف دولار لمنصب المدعي العام، بالإضافة إلى مزايا التقاعد التي حصل عليها خلال أكثر من ثلاثة عقود من الخدمة العامة.

وأجاب كولي قائلا: "لقد استحققتها"، مضيفا أنه "سيستخدم مزايا التقاعد الخاصة به لتغطية الراتب المنخفض بشكل لا يصدق للمدعي العام للولاية". 

ولم تتحدث هاريس، فسألها المحاور إن كانت لديها أي تعليقات إضافية، فقالت مازحة: "امضِ قدماً يا ستيف، لقد استحققتها". 

وقال بيل كاريك، الخبير الاستراتيجي الديمقراطي المخضرم في كاليفورنيا، الذي واجه هاريس كمستشار لسانشيز في سباق مجلس الشيوخ: "لقد كانت سريعة حقاً، وانتهى الأمر بنطقها الجملة المثالية"، مشيراً إلى أن لديها قدرة طبيعية على الرد بسرعة بعبارة قصيرة وقوية. مضيفاً "على ترمب أن يحذر".

استعدادات هاريس 

وتقضي هاريس أيامها الأخيرة في الاستعداد للمناظرة، من خلال جلسات تقودها المحامية كارين دان، التي عملت معها قبل مناظرة نائب الرئيس لعام 2020 ضد مايك بنس.

كما استعان فريقها بمستشار هيلاري كلينتون السابق، فيليب راينس، ليلعب دور ترمب في مناظراتها التجريبية. 

ورغم أن مساعدي حملتها الانتخابية "لم يكشفوا الكثير عن خطتها لمواجهة ترمب، إلا أن العديد من مساعديها السابقين يشيرون إلى أنها "كانت تستعد عبر مجموعة من الخطوات". 

وكانت هذه الخطوات تتمثل في جمع هاريس لموظفيها من أجل إجراء محادثة واسعة حول الموضوعات السياسية التي قد يتم تناولها في مناظرة أو حدث ما. بعد ذلك يعد مساعدوها وثيقة توضح الأفكار أو السياسات التي ترغب في إيصالها، ثم تعمد هاريس على تحرير وصقل تلك الوثيقة.

وتلتقي هاريس مجدداً بمساعديها ومستشاريها للعمل على طريقة تقديم رسالتها، وتجمع الملاحظات، ما يساعدها في تحديد وجهة النظر التي تريد إيصالها بشأن القضية المحددة. 

هذه العملية أنتجت واحدة من لحظاتها البارزة، عندما استجوبت القاضي بريت كافانو، بعد تعيينه من قبل ترمب للمحكمة العليا. 

وفي المرحلة النهائية من استعدادها لجلسات استماع كافانو، دعت هاريس مجموعة من موظفي المحكمة العليا السابقين للمساعدة في توقع كيفية تملص كافانو من الأسئلة، وهو ما يفعله المرشحون القضائيون عادة.

واستمعت هاريس بعناية أثناء قيام مساعديها بوضع أسئلة محتملة حول موضوع الإجهاض. ثم طرحت على هؤلاء الموظفين السابقين سؤالاً مشابهاً جداً للسؤال الذي وجهته لاحقاً إلى كافانو: "هل يمكنك التفكير في أي قوانين تمنح الحكومة السلطة لاتخاذ قرارات بشأن الجسم الذكري؟". 

وقال مساعدها السابق بارانكين: "الغرفة أصبحت صامتة تماماً". 

في تلك التبادلات الدقيقة مع كافانو ثم مع المدعي العام جيف سيشنز، الذي اعترض على سرعة استجوابات هاريس قائلاً: "إنه لم يكن قادراً على الرد بهذه السرعة، لأنها جعلته متوتراً"، عادت هاريس إلى دورها المريح كمستجوب، لكنها واجهت صعوبة أكبر في توصيل رسائلها كواحدة من المرشحين الديمقراطيين على مسرح المناظرات في الحملة الرئاسية لعام 2020.

وتتجلى أبرز لحظات هاريس في حملة رئاسيات 2020 في الحزب الديمقراطي، عندما استخدمت سيرتها الذاتية لانتقاد بايدن؛ بسبب معارضته لإجبارية النقل بالحافلات كوسيلة لدمج المدارس العامة في السبعينيات، عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي، قائلة: "كانت هناك فتاة صغيرة في كاليفورنيا، كانت في الصف الثاني، وكانت تُنقل بالحافلة إلى المدرسة كل يوم. وتلك الفتاة الصغيرة كانت أنا". 

لكن في الأيام التي تلت ذلك، قدمت إجابات غير واضحة بشأن دور الحكومة الفيدرالية في دمج المدارس، ما دفع مدير اتصالات بايدن إلى اتهامها بـ"اللف والدوران"، في محاولة لشرح موقفها من هذه القضية.

ومع مواجهة الحاجة لجذب الناخبين الليبراليين الذين يرون أن نظام العدالة الجنائية يعزز عدم المساواة العرقية، بدت هاريس غير مرتاحة في عام 2019 عند التطرق إلى جوانب من سجلها كمدعية عامة ونائبة عامة، والتي كانت قد عرضتها سابقاً كإنجازات، وفقاً للصحيفة. 

وواجهت كامالا هاريس صعوبة في الرد بالتفصيل على الهجمات التي شنتها النائبة الديمقراطية السابقة تولسي جابارد، خلال مناظرة في يوليو 2019، والتي كانت تتعلق بمواقف هاريس السابقة حول الكفالة، وعدد الأشخاص الذين تم إرسالهم إلى السجن بسبب "إدانات بالماريجوانا أثناء فترة عملها كمدعية عامة".

ومع ذلك، ردّت هاريس بقوة خلال مناظرة في أتالانتا، حيث تساءلت عن قدرة جابارد على أن تكون ممثلة للديمقراطيين بعد قضائها أربع سنوات كاملة على قناة "فوكس نيوز" منتقدة الرئيس أوباما، والبحث عن فرصة للظهور مع ترمب والتقرب من مستشاره ستيفن بانون، ومن حينها غادرت جابارد الحزب الديمقراطي وأيدت ترمب.

هاريس وبنس 

وعندما واجهت هاريس مايك بنس في المناظرة الوحيدة بينهما في عام 2020، قال مستشار بنس، مارك شورت، إن فريق نائب الرئيس كان قد أعدّه للرد على ما توقعوه من هجمات "أكثر تفصيلاً".

كما شعر فريق بنس أن محاولة هاريس الإيحاء بأن نائب الرئيس كان يُفسر الأمور عندما كان يتدخل بعبارة "أنا أتحدث"، بدت وكأنها خطبة محفوظة ولم تنجح. 

وبشأن المواجهة مع ترمب، قال شورت: "ليس لدى هاريس ما تخسره أكثر".

وأضاف: "الرئيس السابق، كما هو معروف الآن، سيكون من الصعب حقاً تغيير آراء الناس عنه، لذا هناك احتمال أكبر للنجاح، ولكن أيضاً احتمال أكبر للفشل". 

وقالت عمدة لوس أنجلوس كارين باس، إن "الناخبين سيراقبون عن كثب كيفية تعامل هاريس مع ترمب". وأضافت: "أعتقد أن تركيزها، ومعرفتها بالقضايا، وقدرتها على التعبير ووضوحها.. سيكون تحدياً كبيراً لترمب". 

وتوقّعت باس أن ترمب سيحاول زعزعة توازن هاريس من خلال الهجوم على مؤهلاتها والتساؤل عن عرقها، كما فعل في حملته الانتخابية، مضيفة: "يجب أن لا تنزل إلى مستواه". 

وتابعت باس: "عندما يكون شخص ما في الحضيض، لماذا تنضم إليه؟".

وأضافت: "سيكون من المهم للناخبين رؤية كيف يمكنها التعامل مع الصعوبات. ووقوفها على المسرح. إذا استطاعت التعامل معه، فهي بالتأكيد قادرة على التعامل مع أي خصم دولي معادٍ". 

تصنيفات

قصص قد تهمك