البرازيل.. هل تنجح خطة الطوارئ المناخية في حل أزمة حرائق الغابات؟

رجل يراقب حريقاً في مزرعة لقصب السكر بالقرب من مدينة دومون بالبرازيل. 24 أغسطس 2024 - Reuters
رجل يراقب حريقاً في مزرعة لقصب السكر بالقرب من مدينة دومون بالبرازيل. 24 أغسطس 2024 - Reuters
ساو باولو-هاني الدرساني

غطت سحب الدخان الأسود حوالى 60% من سماء البرازيل، وحولت نهار مدن كثيرة إلى ظلام دامس، جرّاء انتشار الحرائق التي تلتهم غابات الأمازون، والغابات الأطلسية (البانتانال) وعدد من المحميات الوطنية، حيث تعيش البلاد تحت وطأة كارثة بيئية، مصحوبة بموجة جفاف غير مسبوقة، فيما تسعى برازيليا للتغلب على تلك الأزمة عبر ما يسمى بـ"خطة الطوارئ المناخية".

ووفقاً لوزارة البيئة، سجلت الحرائق زيادة بنسبة 120% عن العام الماضي، فمنذ بداية العام حتى سبتمبر الجاري، تم إحصاء قرابة 180 ألف حريق، والتهمت النيران قرابة 12 مليون هكتار (أي ما يعادل مساحة كل من الدنمارك، وهولندا، وسويسرا مجتمعين).

كيف اندلعت هذه الحرائق؟

روبليدو مينديز، أستاذ العلوم البيئية في جامعة ريو دي جانيرو، قال في حديث لـ"الشرق": "عادةً ما يكون شهري أغسطس وسبتمبر الأكثر تسجيلاً للحرائق على مدار العام، وذلك لقلة هطول الأمطار". لكن البداية المبكرة لموسم الجفاف فاقمت المشكلة، حيث تشهد البرازيل أسوأ موسم جفاف منذ عام 1950، وفقاً للمركز الوطني لرصد الكوارث الطبيعية.

ومرت قرابة 110 أيام دون تسجيل هطول للأمطار في العديد من المناطق، ومنها مناطق واسعة من غابات الأمازون، وتراجعت مستويات معظم الأنهار مسجلةً مستويات أقل من المتوسط التاريخي، مع عدم توقع حدوث انتعاش على المدى القصير. ووصل منسوب نهر "نيجرو" إلى 16.75 متر، أي أقل بمقدار 3.7 متر عن المعدل الطبيعي لهذه الفترة. وينخفض منسوب النهر بمعدل 24 سم يومياً.

منظر للدمار الذي أحدثته حرائق الغابات في الأمازون في منطقة الطريق السريع عبر الأمازون BR230 في لابريا، ولاية أمازوناس، البرازيل، 4 سبتمبر 2024
حريق اندلع في منطقة قرب طريق سريع عبر الأمازون BR230 في لابريا بولاية أمازوناس البرازيلية. 4 سبتمبر 2024 - Reuters

وأضاف مينديز لـ"الشرق"، أن "الجفاف وحده غير كافٍ لإشعال النيران"، وتابع: "المسؤول المباشر عن ذلك هو طمع وجشع بعض المزارعين والأشخاص الذين يديرون عمليات التعدين غير الشرعية في الأمازون، حيث يعمد المزارعون إلى حرق تلك الأراضي بهدف الاستيلاء عليها واستخدامها لاحقاً في الزراعة، غير مهتمين بخطر انتقال النيران إلى مناطق أخرى وفقدان السيطرة عليها.. للأسف، هم يستغلون بعض الثغرات القانونية التي تساعدهم على امتلاك تلك المساحات لاحقاً".

وأوضح: "من دون أدنى شك، جميع دول العالم تواجه أزمة نتيجة تغير المناخ، ونحن هنا في البرازيل نشاهد الأثر الخطير لارتفاع درجات الحرارة على كوكبنا، والتي جعلت من الظواهر الطبيعية أكثر تطرفاً، لكن في الوقت نفسه، نتعرض لمذبحة بيولوجية يرتكبها أولئك الذين يضرمون النيران عمداً، على الرغم من معرفتهم بأن هذا الأمر قد يتسبب بعواقب لا يمكن إصلاحها أبداً".

وشدد على "هذه المشكلة على مشارف نقطة اللاعودة، خاصةً ضمن غابات الأمازون التي قد تتحول مما يسمى برئة الأرض إلى أكبر منتج للغازات الدفيئة، وهذا الأمر سيكون كارثياً على الجميع."

حجم الأضرار

وأشار تقرير أصدرته الحكومة البرازيلية، إلى أنه منذ بداية العام وحتى سبتمبر الجاري، تسببت الحرائق بضرر مباشر أو غير مباشر لقرابة 11 مليون شخص.

وعلق الخبير الاقتصادي ودكتور العلوم الاجتماعية، في حديث مع "الشرق"، قائلاً إن الاقتصاد البرازيلي يعتمد بنسبة 25% إلى 30% على قطاع الزراعة، كما أنه يؤمن قرابة 8 ملايين وظيفة. مضيفاً أن هذا القطاع تحديداً من أكثر المتضررين نتيجةً للحرائق، فالنيران دمرت مئات آلاف الهكتارات من محاصيل فول الصويا والسكر والبن وغيرها، بالإضافة إلى حرق مراعي الماشية. والتقديرات الأولية تشير إلى تجاوز الأضرار 7 مليارات دولار أميركي.

كما حذّر خبراء الأسواق المالية من أن الحرائق والجفاف يمكن أن يؤثرا بشكل كبير على تدفق رؤوس الأموال إلى البرازيل، خاصة في قطاعي الأعمال الزراعية والطاقة.

كما تهدد الحرائق الاستثمارات الخارجية، وخاصة الشركات التي تسترشد بمبادئ الاستثمار المستدام ESG، ومن الممكن أيضاً أن يؤدي تراجع الصادرات وزيادة تكاليف الإنتاج إلى تقليص جاذبية البرازيل كوجهة للاستثمارات الطويلة الأجل"، وفق الخبراء.

أما الأضرار البيئية والصحية، فقد تجاوزت حدود البرازيل، حيث وصل دخان الحرائق إلى دول مجاورة مثل تشيلي، وأوروجواي، وباراجواي، والأرجنتين. وتسبب تلوث الهواء في بعض المناطق بحجب الرؤية وإلحاق الضرر بحركة الطيران، وسجلت العديد من حالات الاختناق والمشاكل التنفسية لدى السكان.

وبحسب نظام بيانات الفضاء التابع لبرنامج "كوبرنيكوس"، وهو النظام الأوروبي الذي يوفر بيانات رصد الأرض، تم تصنيف منطقة جنوب غرب الأمازون على أنها الأعلى من حيث انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم.

ووفقاً لمرصد المناخ، أدت حرائق الأمازون في أغسطس الماضي، إلى زيادة انبعاثات الغازات بنسبة 60% عما كانت عليه في الفترة نفسها من العام الماضي، متسببةً بانبعاث 31.5 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وهو حجم قريب من الكمية المنبعثة من النرويج في عام واحد.

خطة الطوارئ المناخية

وفي محاولة للسيطرة على هذه الأزمة، اجتمع الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، الاثنين الماضي، بعدد من الوزراء، بالإضافة إلى رئيس البرلمان ومجلس الشيوخ، لمناقشة فرض ما يسمى بـ"خطة الطوارئ المناخية" التي تسعى الحكومة من خلالها إلى توحيد كافة الجهود لمواجهة هذه الأزمة.

وفور انتهاء الاجتماع، تم الإيعاز بدعم فرق الإطفاء بالمزيد من العاملين والمتخصصين في هذا المجال، بالإضافة إلى استخدام مروحيات قوى الأمن والجيش في عمليات الإطفاء الجوية، وتمت الموافقة على صرف مبلغ أولي بقيمة 100 مليون دولار لتسريع هذه الجهود.

ويسعى عدد من النواب في البرلمان إلى تقديم اقتراح يهدف إلى تشديد عقوبة المتسببين بالحرائق لتصل إلى 10 سنوات بالإضافة إلى غرامة مالية كبيرة، فالتحقيقات الأولية تشير إلى وجود عمل إجرامي منظم وراء هذه الحرائق.

كما طلبت البرازيل المساعدة الدولية من الولايات المتحدة، وكندا، وكولومبيا، وتشيلي، وبيرو، وباراجواي والمكسيك وأوروجواي، بدورها استجابة الأورغواي مباشرة، وقامت بإرسال طائرة تابعة للقوات الجوية و40 ألف لتر من سائل إطفاء الحرائق لمساعدة جارتها البرازيل لتصدي لهذه الأزمة.

تصنيفات

قصص قد تهمك