سوريا.. شكاوى من تأخر استخراج جوازات السفر أمام ارتفاع التكاليف

سوريون يتشحون بالأعلام السورية في صالة الوصول بمطار دمشق. 7 يناير 2025 - Reuters
سوريون يتشحون بالأعلام السورية في صالة الوصول بمطار دمشق. 7 يناير 2025 - Reuters
دمشق-الشرق

تصطدم آمال السوريين في الحصول على جواز سفر يمكنهم من البحث عن فرصة عمل، أو الانتقال للعيش في الخارج، بضعف الإمكانيات الفنية والإقبال الكبير، رغم إصدار أفرع الهجرة والجوازات عشرات الآلاف من جوازات السفر في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد في أوائل ديسمبر.

أمام مركز فرع الهجرة والجوازات لمدينة دمشق بمنطقة البرامكة، يتجمع عدد ليس بالقليل من طالبي جوازات السفر، معظمهم من الشباب، في طابورين لاستصدار جواز سفر جديد، كأول إجراء لا بد منه باتجاه البحث عن فرصة عمل أو حياة أفضل في بلاد الاغتراب، وهرباً من الوضع الاقتصادي المزري.

وبحسب ما عاينته "الشرق"، يبدو أن الحصول على جواز سفر بالنسبة لكثير من السوريين لا يزال صعب المنال، إذ لم تتغير بعد الآلية التي كانت متبعة في عهد النظام السابق، وكذلك الرسوم المفروضة.

وأوضح مصدر مسؤول في إدارة الهجرة والجوازات لـ"الشرق" أن عملية الحصول على جواز السفر "تبدأ بالتسجيل من على منصة (السورية للمدفوعات الإلكترونية) بهدف حجز الدور، ومن ثم تقديم الوثائق المطلوبة إلكترونياً، ويتطلب الأمر وجود حساب بنكي إلكتروني لتسديد الرسوم".

أصعب مرحلة

وقال المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه: "عند النجاح في تسجيل الدور، وهي أصعب مرحلة، يتم رفع صورة الهوية الشخصية لطالب جواز السفر الجديد على الموقع الإلكتروني، إضافة إلى رفع صورة من جواز السفر القديم لطالب التجديد، ورفع صورة من التوقيع والبصمة والصورة الشخصية، على أن يتم استكمال عملية التسجيل بالحضور شخصياً إلى فرع الهجرة، الذي قام صاحب الطلب بالتسجيل فيه إلكترونياً، ومن ثم استلام جوازه خلال يومين".

ووفقاً للمصدر، أصدرت السلطات نحو 140 ألف جواز سفر منذ عودة العمل في أفرع الإدارة في 28 يناير.

وبيّن المصدر أن "ما سبق ينطبق على طالبي جوازات السفر من داخل البلاد، أما المغتربون فعليهم الحضور شخصياً وبدون تسجيل مسبق إلى سفارة بلادهم حيث يقيمون، للتسجيل المباشر، أو أن يقوم أحد أقاربهم حتى الدرجة الرابعة، داخل سوريا، بالتسجيل المباشر لهم في أحد فروع الهجرة والجوازات في المحافظات السورية، باستثناء فروع القنيطرة والسويداء والرقة والحسكة، بسبب تضرر البنية التحتية لهذه الأفرع وسرقة المعدات اللازمة".

وفي مطلع فبراير، أعلنت "إدارة الهجرة والجوازات" في وزارة الداخلية التابعة لحكومة تسيير الأعمال السورية أن ثبات رسوم استصدار جواز جديد أو تجديد جواز قديم للمواطنين المقيمين داخل البلاد لتبقى عند 312.7 ألف ليرة (30 دولاراً بحسب سعر السوق السوداء) لاستصدار جواز بالخدمة العادية خلال مدة تتراوح بين 30 و45 يوماً.

وثبتت الإدارة كذلك رسوم الدور المستعجل لاستصدار الجواز خلال 15 يوماً لتبقى عند 432.7 ألف ليرة (41.6 دولار) ورسوم الإصدار الفوري (خلال يومين) عند 2.01 مليون ليرة (193.3 دولار).

أما جوازات المقيمين في الخارج أو تجديدها فتبلغ الرسوم 300 دولار للدور العادي الذي يحتاج صدور الجواز فيه إلى ما يتراوح بين 30 إلى 45 يوماً، وحُددت بمبلغ 800 دولار للطلب العاجل لإصدار الجواز في يومين فقط.

وأوضح المصدر أيضاً أن مدة صلاحية جواز السفر باتت 6 سنوات لكافة المواطنين والأعمار، بعد أن كانت تمنح للمغتربين ممن بحقهم ملاحقات أمنية أو مطلوبين للخدمة الإلزامية أو الاحتياطية أو غادروا البلاد بشكل غير شرعي، لمدة سنتين ونصف السنة فقط.

الكمية محدودة

بسبب الاقبال الكبير على طلب جوازات السفر، مع تراجع الإمكانات الفنية لـ"الهجرة والجوازات"، لا يتعدى ما يتم طباعته يومياً داخل وخارج البلاد 2500 جواز، بحسب ما كشفه المصدر لـ"الشرق"، موضحاً أن "1200 من هذه الجوازات تُطبع في الإدارة المركزية وفرعي دمشق وريفها، وتُطبع باقي الكمية في المحافظات الأخرى والخارج".

وقال المصدر إن "عدد الراغبين في الحصول على الجواز يفوق بأضعاف عدة الكمية المعطاة يومياً، ولهذا السبب تم حصر منح الجوازات للمقيمين داخل البلاد بحسب الدور الفوري (أكثر من 193 دولار)، وللمغتربين بحسب الدور العادي (300 دولار) والدور الفوري (800 دولار)، وما إن يتم حجز الكمية المحددة يومياً يتم وقف التسجيل وإغلاق المنصة الإلكترونية".

واعتبر المصدر أن "أحد أبرز الأسباب وراء الازدحام على المنصة الإلكترونية يعود إلى أن كثيراً من السوريين الذين يرغبون في الحصول على جواز السفر ليست لهم حاجة عاجلة فيه، والدليل وجود أعداد لا بأس بها من الجوازات تمت طباعتها منذ فترات سابقة ولم يستلمها أصحابها حتى الآن".

وكشف أن "عدد الجوازات التي طُبعت بعد فتح باب الإصدار مجدداً منذ 28 يناير وحتى الآن وصل إلى نحو 140 ألف جواز سفر، بالإضافة إلى توزيع كميات كبيرة كانت طُبعت سابقا وتوقف توزيعها منذ سقوط النظام في 8 ديسمبر وحتى منتصف فبراير".

وأكد المصدر أن "منح الجوازات للمغتربين السوريين لم يتوقف، وجميع السفارات السورية العاملة، تقوم بطباعة الجوازات ضمن إمكانياتها المحدود وتمنحها للمتقدمين إليها وفق الرسوم السابقة، باستثناء سفارات سوريا في روسيا ولبنان والعراق والإمارات"، ودون أن يكشف المصدر عن أسباب عدم منح الجوازات في هذه الدول.

وأشار إلى صدور قرار من وزير الداخلية "بعدم منح جوازات السفر لمن كانوا ضمن صفوف القوات المسلحة وتم تسريحهم بعد بداية الثورة السورية، أو كانوا في الخدمة عند سقوط النظام"، لكنه قال إنه "يمكن منح العسكريين الذين سرحوا منذ عام 2013 وما قبل".

سماسرة الجوازات

لطالما شكل جواز السفر مشكلة لمعظم السوريين الراغبين في الحصول عليه طيلة السنوات الماضية رغبة في الهرب من الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي ومن الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية، ما دفع كثيرا من الشباب للسفر بطرق غير شرعية وعبر ما يطلق عليها "زوارق الموت" الأمر الذي عقد لاحقاً حصولهم على جواز السفر.

وسط تلك الظروف انتشرت ظاهرة سماسرة الجوازات حتى أصبحت لهم مكاتب خاصة، وبات توسطهم لحجز دور على المنصة الإلكترونية لاستصدار جواز سفر، أحد أبرز أبواب التكسب غير المشروع وابتزاز المواطنين، وبمبالغ يمكن أن تصل إلى 100 دولار، بينما كانت فترة الانتظار للحصول على جواز السفر "العادي" يمكن أن تتخطى سنة كاملة.

وكانت تكلفة استخراج جواز سفر بتلك الطريقة باهظة للغاية، بالنظر إلى رواتب موظفي الدولة التي لم تكن تزيد عما يعادل 20 دولاراً، مع الأخذ في الاعتبار أن أكثر من 80% من السوريين يعيشون حالة فقر مدقع بحسب مؤشرات أممية.

وبعد سقوط النظام تجددت الآمال في زوال صعوبات استصدار جواز السفر، لكن الوضع لم يشهد أي تحسن وجاء احتراق المبنى الرئيسي والجديد لإدارة الهجرة والجوازات، ومقره في منطقة الزبلطاني في دمشق، بطوابقه الخمسة يوم سقوط النظام في الثامن من ديسمبر، ليدفع الوضع إلى الوراء.

كذلك خلق الطلب المرتفع لحجز الدور على المنصة مع محدودية الكمية التي يمكن منحها، أزمة من الصعب تجاوزها إلا عبر مكاتب الوسطاء المختصة التي تتقاضى اليوم ما يوازي 20 دولاراً للتسجيل.

وعلى مسافة ليست بالبعيدة من فرع هجرة دمشق، كان محمد، وهو شاب في الخامسة والعشرين من عمره، يقف أمام أحد المكاتب التي علقت على واجهتها لافتة تعلن من خلالها تقديم خدمة الحجز على المنصة الإلكترونية.

وفي تصريحه لـ"الشرق"، قال الشاب: "أحمل إجازة في الرياضيات من جامعة دمشق، وأريد جواز السفر لمغادرة البلاد، وحاولت كثيراً وفي أوقات مختلفة الحجز على المنصة لكني لم أفلح، ولم يعد أمامي إلا اللجوء إلى أحد المكاتب ليحجز لي دوراً على المنصة".

وبين محمد أن "العديد من أصدقائه حاولوا أيضاً الدخول للمنصة من دون اللجوء إلى المكاتب، إلا أنهم لم ينجحوا في ذلك، فحتى الآن ما زال الحصول على الجواز صعب المنال".

علاء، وهو طالب في كلية المعلوماتية، أكد بدوره أن "المشكلة لم تتغير، وما زالت كما هي من زمن النظام السابق، فالراغبون في الحصول على جواز السفر لا يستطيعون الدخول إلى المنصة لتسجيل الدور لأنها تفتح لفترة قصيرة ثم يتم إغلاقها".

التكلفة لا تزال مرتفعة

وأضاف علاء: "حتى الوعود التي سمعناها بتحسن الأوضاع لم نشعر بها، وعلى الرغم من أن الكثير من المواد انخفضت أسعارها بشكل لافت، مثل السيارات وأجهزة الهاتف الخلوي، ظلت تكلفة الحصول على جواز السفر مرتفعة بالنسبة لنا، وتم إغلاق باب التسجيل على الجواز العادي أو الاستثنائي برسوم مقبولة، وليس متاحاً إلا الجواز الفوري بتكلفته التي تصل إلى نحو 200 دولار".

ولا يجد أصحاب المكاتب، من جهتهم، حرجاً في الحديث عما يتقاضونه لقاء الحجز على المنصة، بل يعتبرون أنفسهم يقدمون خدمة للمضطرين وبأسعار جيدة، فما يتقاضونه اليوم لا يشكل سوى 20% مما كانوا يتقاضونه في زمن النظام السابق، والفرق بين الأمس واليوم هو أنهم كانوا يعملون سابقاً بمعرفة الجهات المختصة، التي كانت تغض الطرف عنهم لقاء مبالغ كانوا يدفعونها لتلك الجهات.

أما اليوم فهم يقدمون خدماتهم علناً، مع التأكيد على أن آلية التسجيل على المنصة بالأساليب الخاصة بهم، تظل ضمن ما يمكن وصفه بـ"سر المهنة" ولا يمكن البوح بها لأنهم بذلك سيخسرون مصدر رزقهم.

تصنيفات

قصص قد تهمك