سد تشرين.. "ورقة تفاوض" في سوريا لا تحتمل اللعب بالنار

منظر عام يظهر جزءاً من سد تشرين 2015 - REUTERS
منظر عام يظهر جزءاً من سد تشرين 2015 - REUTERS
دمشق-الشرق

عاد سد تشرين شمالي سوريا إلى الواجهة كورقة في المفاوضات بين الحكومة الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وسط تحذيرات من خطورة خروجه عن الخدمة في ظل حاجته إلى استكمال عمليات الصيانة.

وقال مسؤولون وخبراء لـ"الشرق" إن تشغيل السد بكامل كفاءته يتطلب "تحييده" عن العمليات العسكرية، وعدم التعامل معه كورقة ضغط سياسية، مشيرين إلى ضرورة التواصل مع الجانب التركي للالتزام بتمرير كميات المياه المتفق عليها لضمان قدرته على توليد الكهرباء.

ويغذي السد الواقع تحت سيطرة "قسد" مناطق واسعة من ريف حلب والرقة بالمياه والكهرباء، وسبق أن تحول بعد سقوط نظام الأسد إلى منطقةٍ ساخنة تُقصف بالقذائف والصواريخ.

ويعتبر سد تشرين أحد الأصول الحيوية التي تعكس الأهمية الاستراتيجية للموارد الطبيعية السورية، فهو ليس مجرد منشأة مائية لتخزين المياه أو توليد الكهرباء فقط، بل نقطة محورية في التوازنات السياسية والإستراتيجية داخل سوريا.

تحييد عن العمليات العسكرية

وذكرت أمل خزيم الرئيسة المشتركة لهيئة الطاقة في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال شرق سوريا، في تصريحات خاصة لـ"الشرق"، أن أهم النقاط المتفق عليها بين الإدارة الذاتية "قسد" والحكومة السورية تتضمن تحييد سد تشرين عن العمليات العسكرية، وأي عمل يهدد السد من كافة الأطراف.

وأشارت خزيم إلى أن تم الاتفاق على تسهيل حركة موظفي السد للوصول إلى مواقع العمل بكافة الأوقات، وإتاحة الفرصة للخبراء من أجل الكشف على البنية المدنية لجسم السد من قبل مختصين بسبب ما تعرض له من أضرار في الأشهر الأخيرة.

وذكرت خزيم أن الحفاظ على السد أمنياً يلزمه إعادة تفعيل نظام أمن المحطة الذي كان موجوداً في السابق، والذي يعتمد على موظفي السد، إلى جانب إعادة تأهيل المدينة السكنية وإعادة عوائل الموظفين إليها.

وحذرت خزيم من مخاطر خروج سد تشرين عن الخدمة بشكل كامل وتبعات ذلك الكارثية على كامل المنطقة، ومختلف نواحي الحياة سواء مياه، كهرباء، زراعة، ثروة سمكية.

منظر عام لسد تشرين، سوريا، 27 ديسمبر 2015
منظر عام لسد تشرين، سوريا، 27 ديسمبر 2015- REUTERS

وفيما يتعلق بإدارة سد تشرين الحالية، أوضحت خزيم أن "إدارة السد ذاتية من هيئة الطاقة وإدارة السدود لشمال شرق سوريا"، مشيرةً إلى أن السد تضرر كثيراً، والآن تجري صيانته بشكل مبدئي، موضحة أن "يحتاج إلى صيانات تستمر لفترة طويلة لم يعلن عن موعد انتهائها".

وذكرت خزيم "أن نقاط الاتفاق بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية تتضمن العمل بجدية للحفاظ على المخزون المائي في بحيرات السدود، خاصة بحيرة سد الفرات، كون المخزون المائي الاستراتيجي معرض للاستنزاف حالياً، لعدم توفر مصدر بديل لتوليد الطاقة الكهربائية".

ونبهت أن التوليد الكهربائي يعمل بأدنى قدراته، لافتة إلى أن الأمر يستلزم التواصل بكافة الوسائل مع الجانب التركي لتمرير كميات مناسبة من المياه، بما لا يقل عن 500 متر مكعب بالثانية، وهي الكمية المتفق عليها، وفقاً لاتفاقيات سابقة بين سوريا وتركيا والعراق.

جزء من الاتفاق

واعتبر محمد نادر العمري الكاتب والباحث في العلاقات الدولية لـ "الشرق" أن "إدخال ورش الصيانة لسد تشرين يمكن قراءته بأكثر من بعد، الأول أنه جزء من الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الرئيس أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، خاصةً أنه جاء بعد يومين من بدء تطبيق الاتفاق في حيي الأشرفية، والشيخ مقصود في حلب".

وأضاف: "وفق المعلومات المتوفرة أصبح السد جاهزاً من الناحية الفنية، وفقاً للعديد من التصريحات، ولكن نتيجة ما تعرض له من ضربات واهتزازات بحاجة لاستكمال الإصلاحات، فيما يتعلق بأمور الحماية وإنتاج الكهرباء، وبحال استكمل الاتفاق نحن أمام أيام قليلة لاستعادة السد لحالته الطبيعية بحال كانت المعلومات المسربة حقيقية".

وأشار العمري إلى أن سد تشرين "خطوة في إطار خارطة الطريق التي تضمنت عودة العلاقات، والدخول بالمباحثات، وإيجاد نواة الانتقال من مرحلة لأخرى، وصولاً للمرحلة الأهم، وهي إدماج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري".

ولفت العمري إلى أن الخطوة ستكون لصالح سوريا بشكل عام، مرجعاً السبب إلى أن إصلاح سد تشرين، يعني عودة إنتاج الكهرباء في هذه المنطقة، كما يمكن رؤيته من ناحية أخرى على أنه "يوقف العدوان التركي على سوريا، خاصةً أن القوات الحليفة لتركيا كانت متمركزة على أطراف هذا السد، وجسر كركوس، فضلاً عن عودة أهالي تل أبيض، ومناطق أخرى إلى سكنهم ومناطقهم".

وبحسب العمري، فإن الأهمية الاقتصادية للسد "تبرز بتوفير الوقود، وإنتاج الكهرباء، وتأمين الري للزراعة، أما بالنسبة لإدارة السد، فهي تحتاج إلى خبرات تقنية، وفنية، وأفضل الحلول هي إيجاد توافق في إدارة وتوزيع هذا السد من المياه والكهرباء".

ورقة ضغط

ورأى المحلل والكاتب السياسي زكريا شحود في حديثه لـ "الشرق" أن سد تشرين يعتبر "ورقة رابحة" في يد من يسيطر عليه، ويشكل العمود الفقري للمفاوضات بين قسد والحكومة السورية، لما له من أهمية استراتيجية، كونه يشكل شريان الحياة لمدينة حلب وضواحيها وللعديد من المناطق المحيطة بها، ويزودها بالمياه والكهرباء، ولدوره الهام على الصعيد الزراعي، إذ يروي مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في حلب.

وأشار شحود إلى أن "السد ورقة قوية بالمفاوضات، التي تؤرق حياة المواطنين، وسط تخوفهم من حالة الضغوطات التي كانت تمر ببعض الأيام، بسبب قطع المياه عن أهالي مدينة حلب". 

واعتبر شحود أن إدارة السد حالياً بيد "قسد"، وأنه في السابق، عند حدوث أي مشكلة في المناطق التي تسيطر عليها قسد في مدينة حلب مثل الشيخ مقصود والأشرفية، كان يتم اللجوء إلى قطع المياه عن النظام السابق كوسيلة للضغط عليه، بهدف تحقيق بعض المكاسب.

وأضاف أن "قسد" تتبع نفس الاستراتيجية الآن، فيما يتعلق بإدارة السد، مما يجعلها تمتلك ورقة ضغط قوية بيدها.

وأكد شحود أن "العامل التركي مؤثر بكل هذه المفاوضات، ولكن هناك إجماع بأن الدور التركي هو مطلبي، ومحاولة إملاء أكثر من كونه مشاركة، حيث يعمل على وضع الجميع تحت عباءته بشكل أصبح يمثل حساسية حتى على الحكومة السورية". وأضاف: "يجب على تركيا أن تتعامل مع سوريا كدولة، حتى يكون لها علاقة جيدة معها، علماً بأن السوريين لا يريدون أي عداء مع تركيا، خاصةً أن الحدود السورية التركية المشتركة تتجاوز الـ850 كم".

وشدد شحود على ضرورة أن تكون العلاقة مع تركيا إيجابية وجيدة، ولكن الأتراك يدخلون في كل التفاصيل، وحتى في المفاوضات على سد تشرين، ما يشكل عامل خوف للأكراد بأن "يكون التركي هو صاحب القرار، وضغط على الحكومة السورية، الذي ينعتها الأكراد بأنها ليست صاحبة قرار".

وعن واقع المفاوضات بين "قسد" والحكومة السورية، وصفها شحود بأنها "جيدة وإيجابية حتى اللحظة، والخط البياني لها مرتفع، متمنياً أن يستمر على هذا النحو المبني على الثقة، لأن اهتزازها سيؤثر على الاتفاق، وهي مطلوبة جداً بهذا الاتجاه".

تجاذب سياسي

بدوره قال معاون مدير الموارد المائية في الحسكة سابقاً عزيز ميخائيل لـ "الشرق" أن التخزين الحالي للسد يبلغ 1.5 مليار متر مكعب، من أصل التخزين الأقصى 1.9 مليار، إذ يعتبر حالياً خارج الخدمة، وخاصةً من حيث توليد الطاقة الكهربائية"، لافتاً إلى "وجود ورشات فنية متخصصة تجري عمليات الصيانة وإعادة تأهيله".

وذكر ميخائيل أنه بعد الانتهاء من أعمال الإصلاح والصيانة وإعادة التأهيل، وفي حال تم الاتفاق على تحييد السد سيوضع بالاستثمار، ولتوليد الطاقة الكهربائية، نظراً لتوفر مخزون مائي بحدود 1.5 مليار متر مكعب، كما يمكن تشغيل عدد من العنفات (المراوح) على الأقل من أصل ست عنفات، أي ما يعادل 420 ميجا واط من أصل 630 ميجا واط، وتوزيع الكهرباء للمحافظات المستفيدة، وخاصة حلب والحسكة.

منظر عام لسد تشرين، سوريا، 27 ديسمبر 2015
منظر عام لسد تشرين، بعد أن سيطرت عليه قوات سوريا الديمقراطية، سوريا، 27 ديسمبر 2015 - REUTERS

وأشار الخبير في الموارد المائية الدكتور محمد الزعبي لـ "الشرق" أنه خلال السنوات السابقة عانى حوض الفرات من عجز مائي، حيث أدت زيادة المساحات المروية باضطراد سنوياً دون الأخذ بعين الاعتبار الموارد المائية المتاحة للزراعة في كل سنة مائية إلى حدوث عجز مائي، وقد كان لقلة الهطولات المطرية الأثر السلبي على تخزين السد نتيجة للتغيرات المناخية التي تعاني منها المنطقة.

إدارة السد 

وكانت وسائل إعلام محلية قد تحدثت عن توصل "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) والحكومة السورية إلى اتفاق بتسلم إدارة سد تشرين للحكومة المركزية ضمن تفاهمات تركية - أميركية بالتنسيق مع الحكومة السورية لوقف المعارك شمالي البلاد، على أن تتولى فرق فنية من موظفي الحكومة السورية إدارة السد وتشغيله وإجراء الصيانة لضمان أمن المنشأة واستقرار عملية توليد الكهرباء وتحسينها في الفترة المقبلة.

يأتي ذلك بعد أن أعلنت وكالة الأنباء الرسمية "سانا" مباشرة الفرق الفنية عمليات الصيانة والتأهيل في سد تشرين بريف مدينة منبج في محافظة حلب، تمهيداً لعودة خدماته وتوليد الكهرباء فيه، وهي الفرق القادمة من منبج وسد الفرات، بهدف إعادة تشغيل محطة التحويل بشكل كامل وآمن.

وأكدت أن السد أصبح جاهزاً من الناحية الفنية، في حين تتواصل أعمال الصيانة في محطة التحويل التابعة له لضمان جاهزيتها الكاملة.

وكان مدير الأمن العام في حلب، محمد عبد الغني، أكد أن اتفاق خروج "قسد" من حيي الشيخ مقصود والأشرفية، يسري على جميع جغرافية المحافظة.

هذا، ودخل اتفاق حيي الشيخ مقصود والأشرفية بحلب حيز التنفيذ وتطبيق أولى مراحله بتبادل 250 أسيراً أفرج عنهم قبل أيام، تطبيقاً لبنود الاتفاق الذي جرى توقيعه في الأول من الشهر الحالي، والذي يتضمن 14 بنداً.

تصنيفات

قصص قد تهمك