كيف أسهم الجيش الصيني في ابتكار لقاح كورونا المنتظر؟

جنود صينيون يسيرون خلال عرض عسكري بمناسبة الذكرى الـ 75 للانتصار على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية في 24 يونيو 2020 - AFP
جنود صينيون يسيرون خلال عرض عسكري بمناسبة الذكرى الـ 75 للانتصار على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية في 24 يونيو 2020 - AFP
القاهرة- محمد منصور

أفاد تقرير منشور في الموقع الإلكتروني لدورية "نيتشر" البريطانية، بأن "جيش التحرير الشعبي الصيني" الذي يعد أكبر قوة مسلحة في العالم، أسهم بقوة في ابتكار لقاح كورونا، الذي بلغ المرحلة الثالثة والأخيرة من الاختبارات السريرية.

وعلى الرغم من أن الجيش الصيني لم يكن معروفاً بنشاطاته في مجال العلوم الطبية، إلا أن القادة قرروا منذ عام 2015 "تجنيد" مجموعة كبيرة من العلماء، والاستثمار في هذا المجال كجزء من استراتيجية هادفة لتحديث المؤسسة العسكرية.

وقد تشير النتائج الحالية إلى نجاح تلك الاستراتيجية، بعدما نجح هذا الجيش في تطوير لقاح لفيروس كورونا المستجد يُعدّ الأول في العالم الذي تمت الموافقة عليه من قبل الحكومة الصينية في الاستخدام المقيد، إذ اقتصرت الموافقة على ثلاثة قطاعات هي الجيش، والعاملون بالرعاية الصحية، وموظفو الدولة.

وتقول أبيغايل كوبلين التي تدرس صناعة التكنولوجيا الحيوية الصينية في كلية "فاسار" بنيويورك، إن الصين "تحاول الاستفادة من الأزمة الحالية من منظور العلاقات العامة".

تحالف رائد

وقاد الباحث الطبي الميجور جنرال تشين وي تحالفاً ضم مجموعة من الوكالات الحكومية والجامعات والشركات، بهدف تطوير اللقاح في معهد بكين للتكنولوجيا الحيوية، وهو جزء من أكاديمية العلوم الطبية العسكرية. 

وفي يوليو، أصبح الفريق واحداً من أوائل الفرق البحثية في العالم التي تنشر نتائج متعلقة باللقاح في مجلة تمت مراجعتها من قبل الأقران (الباحثين في ذات المجال).

وأظهرت تلك النتائج أن لقاح فيروس كورونا المستجد آمن وقادر على إثارة استجابة مناعية. وبحلول ذلك الوقت، كانت الحكومة الصينية وافقت بالفعل على اللقاح.

وكان "وي" أعلن قبل أسابيع أن "الاستخدام العاجل" للقاحات التجريبية التي أنتجها الجيش بالتعاون مع الشركات والمؤسسات العلمية بدأ في 22 يوليو، مع الاستخدام الأول للعاملين الطبيين وبعض الشركات المملوكة للدولة، وذلك بعد شهر من بدء الجيش الصيني تلقيح قواته بالنسخة التجريبية.

جنود صينييون خلال عرض عسكري بمناسبة الذكرى 75 لانتصار الاتحاد السوفيتي على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية في 24 يونيو 2020 - AFP
جنود صينييون خلال عرض عسكري بمناسبة الذكرى الـ 75 للانتصار على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية - AFP

يتكون ذلك اللقاح من فيروس غدي بارد شائع (Adenovirus) يسمى Ad5-nCoV ، استخدمته الحكومة الصينية بشكل محدود في تجارب علـى العسكريين قبل إجراء اختبارات على نطاق واسع لإثبات فعاليته.  وكان وي وأعضاء فريقه من بين الأوائل- من بين آلاف العسكريين حتى الآن- الذين تلقوا اللقاح. 

وإذا نال ذلك اللقاح الموافقة على استخدامه قبل اللقاحات التي تدعمها أو تنتجها الدول الأخرى، خصوصاً الولايات المتحدة، “فسيكون ذلك نصراً دعائياً كبيراً جداً" لبكين، وفق ما يقول محلل الشؤون الصينية آدم ني، الذي يعمل في الجامعة الوطنية الأسترالية في كانبيرا ويجري دراسات عن الجيش الصيني.

دور دولي 

وإضافة إلى مساهماته في تطوير لقاح لفيروس كورونا، أدى الجيش الصيني دوراً بارزاً في السيطرة على الوباء في بلاده، وأرسل لمجموعة من الدول مساعدات أسهمت في الاستجابة للجائحة، واستخدم اللقاح أيضاً لإقامة روابط جديدة مع العالم.

وتعمل جيوش أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، على اللقاحات والبحوث الطبية. لكن يبدو أن الحجم الهائل للجيش الصيني والسرعة التي تجري بها الإصلاحات داخله، تجعل تحوّله العلمي جديراً بالملاحظة، ومدعاةً للقلق بالنسبة للبعض، لا سيما في ظل التوترات السياسية المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين.

وفي الأشهر القليلة الماضية، كشف مسؤولو الأمن الأميركيين أن الصين حاولت التجسس وسرقة المعلومات من شركات الأدوية الأميركية ومجموعات الأبحاث الجامعية العاملة على لقاحات كورونا. وأثار العلماء أيضاً مخاوف بشأن أخلاقيات الموافقة على لقاح لا يزال قيد التجربة للاستخدام في الجيش الصيني.

جنود من جيش التحرير الشعبي الصيني خلال عرض عسكري بمناسبة الذكرى 75 للانتصار على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية في 24 يونيو 2020 - AFP
جنود من الجيش الصيني خلال عرض عسكري للاحتفال بالذكرى الـ75 للانتصار على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية- AFP

العلم أولوية

في عام 2015، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ إطلاق إصلاحات جعلت العلم والابتكار عنصرين أساسيين في تحديث القوات المسلحة الصينية، وفق ما تقول إلسا كانيا، التي تحلل الاستراتيجية العسكرية الصينية في مركز الأمن الأميركي الجديد في واشنطن العاصمة.

وأنشأ الجيش الصيني فروعاً للحرب الإلكترونية والفضائية، جنباً إلى جنب مع فروعه التقليدية المكوّنة من قوات المشاة والدفاع الجوي والبحري. 

وفي عام 2016، أصبحت لجنة العلوم والتكنولوجيا التي تقرر الأبحاث المموّلة، واحدة من 15 قسماً عسكرياً تم تشكيلها داخل هذا الجيش، الذي تحوّل من "متخلّف تكنولوجياً و غير محترف في السبعينيات والثمانينيات، إلى جيش أكثر قوة"، وفق ما يقول ني.

مجنّدون مدنيون

قبل الإصلاحات، جنّد الجيش الصيني العلماء إما داخلياً أو من الجامعات العسكرية. ويعود ذلك جزئياً إلى أن العلماء المدنيين لم يجدوا أن المناصب البحثية في الجيش جذابة، وفق ما يقول "ني"، خصوصاً أن على الجنود الذين يرتدون الزي العسكري الوفاء بالتزامات اللياقة البدنية، وأن ظروف العمل كانت أقل مرونة من المؤسسات المدنية.

لكن منذ عام 2018، يعمل الجيش على تجنيد المزيد من العلماء المدرّبين من المدنيين، بعدما تمكن من جعل الوظائف البحثية داخله أكثر جاذبية.

وزاد على وجه الخصوص تجنيده لعلماء الطب. فمنذ ذلك العام، جنّدت أكاديمية العلوم الطبية العسكرية 213 مدنياً لشغل مناصب البحث العلمي، ما يجعلها ثاني أعلى مجنِّد للمواهب العلمية في مؤسسات البحث الـ10 التابعة لأكاديمية العلوم العسكرية.

ووفقاً لتحليل نشره كاي لين تاي من معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن، فإن أكاديمية العلوم العسكرية الصينية "تعتمد الآن على المدنيين أكثر من الكوادر العسكرية لتلبية احتياجاتها البحثية العلمية".

صورة من العرض العسكري الصيني في الذكرى 75 للانتصار على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية-  في 24 يونيو 2020 - AFP
جانب من العرض العسكري الصيني في الذكرى الـ75 للانتصار على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية- AFP

ويعمل الجيش أيضاً على زيادة علاقاته مع الجامعات المدنية في الصين، كجزء من سياسة تُعرف باسم الاندماج العسكري-المدني، التي أعلنتها الحكومة الصينية أيضاً في عام 2015. وأصبح من الطبيعي رؤية مئات من طلاب الدراسات العليا منتسبين إلى الجيش وجامعة مدنية في الوقت نفسه.

وتسلط استراتيجية الاندماج العسكري-المدني الضوء على علم الأحياء كمجال بحثي ذي أولوية. كما عزز الجيش خبرته العلمية عن طريق إرسال باحثين إلى الخارج.

وخلال فترة الوباء، تسارعت وتيرة الشراكات بين الجيش الصيني وشركات العلوم الطبية في شتى المجالات، بداية من تطوير معدات التطهير، وابتكار الأجهزة الطبية، وصولاً إلى تطوير لقاح فعال ضد كورونا المستجد.

دبلوماسية الوباء

وأتاح الوباء للصين فرصة لتسليط الضوء على الإنجازات العلمية لجيشها على الصعيدين المحلي والدولي.

وأدى علماء الأوبئة والعاملون الطبيون في جيش التحرير الشعبي دوراً مهماً في علاج المصابين ومراقبة تفشي الجائحة والإشراف على توزيع الإمدادات الطبية في مدينة ووهان، حيث ظهر الفيروس في ديسمبر 2019. 

كما ساعد الجيش في الاستجابة للوباء في باكستان وإيران والعراق ولبنان وفيتنام ولاوس وميانمار وكمبوديا وإيطاليا، من خلال نشر الوحدات والإمدادات.

باحث في البرازيل يعمل على تطوير اللقاح الصيني المضاد لكورونا- 26 مارس 2020  - AFP
باحث في البرازيل يعمل على تطوير اللقاح الصيني المضاد لكورونا، 26 مارس 2020 - AFP

ويقول إيان مكاسلين، المحلل العسكري الصيني التابع لمعهد دراسات الفضاء الجوي الصيني في واشنطن، إن اللقاح الذي طوّره الجيش الصيني يمكن أن يمنح الصين تأثيراً جيوسياسياً إضافياً مع إعطاء الدول الحليفة لها أولوية الوصول إلى اللقاح. 

وبالفعل، هناك العديد من الاتفاقيات لإجراء تجارب المرحلة الثالثة للقاح في كل من المملكة العربية السعودية وروسيا والمكسيك وباكستان.

كما أن تركيز الجيش الصيني على العلوم الطبية، يساعد في تطوير مشاريع البحث العسكرية الحالية، خصوصاً في علم الدماغ. وفي عام 2018، نشر علماء الأعصاب في الجيش الصيني دراسات توضح كيف يمكن لعلوم الدماغ العسكرية أن تؤثر في الحروب المستقبلية، عن طريق استخدام واجهات الدماغ والحاسوب لتعزيز قدرات الجنود ونشر الحرب النفسية ضد الدول المعادية، على سبيل المثال.

رؤية محدودة

ونظراً إلى أن المحللين الذين يدرسون الجيش الصيني لم يركزوا على عمله البحثي، فإن تأثيره الحقيقي يظل غير معروف، وفق ما يقول الخبراء والباحثون الذين يؤكدون أن العالم "لا يزال يحاول التعرف إلى كيفية فهم نطاق وحجم أنشطته، وجودة أبحاثه وقدرته التنافسية".

وهناك بعض الأبحاث المشابهة للأبحاث الصينية أجرتها القوات العسكرية الأخرى، إذ يقوم الجيش الأميركي على سبيل المثال، بتطوير لقاح خاص به لفيروس كورونا وإجراء البحوث الأساسية في الصدمات والأمراض المعدية.

ويقول مكاسلين إن بعض الأبحاث الطبية لجيش التحرير الشعبي مصممٌ للحفاظ على قوة مسلحة سلمية، موضحاً: "لديك حاجة طبية لرعاية جنودك في أوقات السلم"، والاستعداد للإصابات التي قد تحدث أثناء الحرب.

ويلفت إلى أن "من المهم أيضاً إدراك أن الجهود العلمية لجيش التحرير الشعبي لا تمثل سوى أقلية صغيرة من العمل الذي يتم إنجازه في مجال التكنولوجيا الحيوية، سواء داخل الصين أو على مستوى العالم".

مدعاة للقلق

ولا يزال بعض الخبراء في الشأن الصيني والحكومات الأجنبية قلقين بشأن مشاركة باحثي جيش التحرير الشعبي في البحوث الطبية.

وفي يوليو الماضي، وجهت وزارة العدل الأميركية لائحة اتهام إلى مواطنين صينيين بتهمة التجسس على 3 كيانات مقرّها الولايات المتحدة، تشارك في أبحاث طبية لمكافحة فيروس كورونا. 

وفي وقت سابق، أبلغت شركة التكنولوجيا الحيوية الأميركية "موديرنا" التي تختبر أحد أبرز اللقاحات المضادة لفيروس كورونا في العالم، وكالة "رويترز"، بأنها كانت إحدى الشركات التي استهدفها مقرصنون عبر الإنترنت؛ لكن المسؤولين الصينيين نفوا بشكل قاطع ونهائي أي تورط لهم في عمليات التجسس.

وتقول كانيا: "من الواضح أن نقل التكنولوجيا يمثل سياسة وأولوية للحكومة الصينية على أعلى المستويات، واشتمل حالات فظيعة إلى حد ما من القرصنة، لأغراض سرقة البيانات"، معتبراً أن "هذا النمط السلوكي فريد من نوعه بالنسبة للصين من حيث الحجم والنطاق، وكذلك شدة هذه الحوادث ومدى انتهاكها لمعايير المشاركة العلمية والتجارية".

وترى كانيا أن العلماء قلقون أيضاً بشأن افتقار الصين إلى ضمانات إجراء البحوث على الأشخاص بشكل أخلاقي، إذ ليس واضحاً إن كان الأفراد العسكريون مُنحوا "خيار" الحصول على لقاح فيروس كورونا المدعوم من الجيش.

أما أبيغايل كوبلين فترى أن هذه مخاوف مشروعة، لكنها في الوقت نفسه تحذّر الولايات المتحدة من استخدامها كسبب لإحباط التعاون المثمر مع الصين.