هنا غزة.. شهادات حيّة بين "بتر اضطراري" و"إنقاذ مؤجل" (صور)

صورة مأخوذة من مقطع فيديو لطفل فلسطيني فقد يده جرّاء الغارات الإسرائيلية العنيفة على قطاع غزة. 10 سبتمبر 2025 - Reuters
صورة مأخوذة من مقطع فيديو لطفل فلسطيني فقد يده جرّاء الغارات الإسرائيلية العنيفة على قطاع غزة. 10 سبتمبر 2025 - Reuters
غزة-الشرق

قبل نحو أربعة أشهر، أصيبت "غدير" الرضيع في غارة إسرائيلية على منزلها في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، ولحقت بها كسور في ساقيها، لكن مع النقص الشديد في المستلزمات الطبية والمضادات الحيوية اضطر الأطباء إلى اتخاذ قرار ببتر ساقها اليسرى.

وتخشى السيدة الثلاثينية، وهي أم لثلاثة أطفال، أن يضطر الأطباء لبتر ساقها اليمنى كذلك، وتصبح عاجزة تماماً عن الحركة في ظل عدم توافر الأدوية والعلاج المناسب.

و"غدير" واحدة من آلاف تعرضوا لبتر أطرافهم في قطاع غزة، بسبب عجز الأطباء عن علاج إصاباتهم، جراء تهالك المنظومة الصحية، وشح المستلزمات الطبية والدوائية، إلى جانب النقص الحاد في الأطراف الاصطناعية، فضلاً عن عدم وجود تأهيل نفسي لما يعانونه إثر فقد أطرافهم.

 نقص الإمكانيات وراء تفاقم المعاناة

وفيما تواصل إسرائيل منع دخول مساعدات طبية وغذائية، بكميات كافية، إلى غزة، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في مارس، أن التقديرات تشير إلى وجود 4500 حالة بتر جديدة تحتاج إلى تركيب أطراف اصطناعية في جميع أنحاء غزة، إضافة إلى 2000 حالة سابقة تحتاج إلى متابعة ورعاية.

وتقول وزارة الصحة في غزة إنها وثقت وجود نحو 800 طفل من مبتوري الأطراف بنسبة تصل إلى 18% من إجمالي حالات البتر المسجلة.

الفتاة الفلسطينية حنان الدقي التي فقدت ساقيها في غارة إسرائيلية تجلس على كرسي متحرك في مستشفى بدير البلح، وسط قطاع غزة. 16 سبتمبر 2024
الفتاة الفلسطينية حنان الدقي التي فقدت ساقيها في غارة إسرائيلية تجلس على كرسي متحرك في مستشفى بدير البلح، وسط قطاع غزة. 16 سبتمبر 2024 - Reuters

ويؤكد أطباء ومسؤولون أن كثيراً من حالات الإصابة كان يمكن معالجتها، لكنهم يضطرون لبتر الأطراف نتيجة نقص الإمكانيات والعلاجات والتجهيزات المناسبة واللازمة لمنع تدهور هذه الحالات.

وتوضح "غدير" لـ"الشرق" أن أطباء مستشفى شهداء الأقصى ركبوا لها شرائح من البلاتين في ساقها اليمنى، ولكن نقص المضادات الحيوية تسبب في حدوث التهابات خطيرة بها، مما اضطرهم إلى إزالتها، واستبدالها بجبيرة، أملاً في التئام الكسر.

الطبيب صلاح السالمي يضع طرفاً اصطناعيا
الطبيب صلاح سلمي يضع طرفاً اصطناعياً بدائياً للفلسطيني محمد أبو موسى الذي فقد ساقه في غارة إسرائيلية، في مخيم البريج، وسط قطاع غزة. 18 أغسطس 2024

وتضيف: "كان عندي (شرائح) بلاتين (تسببت) في التهاب حاد لدرجة أنهم أزالوه (من ساقي) ووضعوا لي (جبيرة) جبس لفترة معينة حتى ترتاح ساقي من البلاتين، لأنه كان عندي قلة في المضادات الحيوية".

أزمة الدواء في غزة

وتتابع: "بقيت شهراً وأنا أتألم وأتوجع (..) لا يوجد سرير في المستشفيات نبيت فيها، وإذا احتجت إلى العلاج تحصل عليه بصعوبة. من الصعب أن تجد المضاد والعلاج الذي تريده، وإذا كتب الطبيب الروشتة وذهبت لصرفها، فلا تجدها متوفرة".

وتابعت قائلة: "المضادات الحيوية عندنا في غزة قليلة، والمريض إذا احتاج مضاداً حيوياً يتعذب.. (المصاب) إذا لم يجد المضاد الحيوي اللازم له فمن المؤكد سيتم بتر ساقه".

الفتاة الفلسطينية سيلا أبو عقلين التي فقدت ساقها اليمنى في هجوم إسرائيلي على غزة. 17 مارس 2025
الفتاة الفلسطينية سيلا أبو عقلين التي فقدت ساقها اليمنى في هجوم إسرائيلي على غزة. 17 مارس 2025

وتقول وزارة الصحة في غزة إن أكثر من سبعة آلاف شخص فقدوا أطرافهم بسبب الغارات الإسرائيلية المتواصلة على القطاع منذ ما يقرب من عامين. وأوضحت الوزارة أن نسبة البتر في الأطراف العلوية 76%، وتصل في الأطراف السفلية إلى 24%، وأضافت أن نسبة الأطفال من حالات البتر تصل إلى 18%، بينما تبلغ 8% للنساء.

انعدام الخدمات الطبية

وأصيب عدي أبو شباب هو الآخر بشظايا خلال قصف إسرائيلي على شمال قطاع غزة منذ 4 أشهر، وخضع لعملية جراحية لعلاج جراحه في ساقه اليمنى، لكن حالته تدهورت سريعاً ليضطر الأطباء إلى بترها بعد ذلك.

وقال الشاب، البالغ من العمر 21 عاماً، وهو راقد على سريره في المستشفى، لا يقوى على الحراك بمفرده: "رجلي لم تكن تعاني من شيء، كان وضعها جيداً، بعد ذلك صارت تنزف، وبعدما كتبوا لي على خروج (من المستشفى) وأن أذهب إلى البيت، صارت هناك التهابات (في رجلي)، (الأطباء) ركبوا لي (شريحة) بلاتين وبعدها صار لون رجلي أصفر، ولم أكن أشعر بها".

الشابة عهد بسيسو بعد بتر ساقها جرّاء قصف إسرائيلي استهدف منزلها في غزة.
الشابة عهد بسيسو بعد بتر ساقها جرّاء قصف إسرائيلي استهدف منزلها في غزة. - CNN

ويلفت الأطباء إلى أن تزامن نقص الأدوية، وانعدام الخدمات الطبية، مع أزمة الجوع وسوء التغذية التي تضرب القطاع، منذ أشهر عدّة، يضاعف من معاناة المصابين، ويقلل من فرصة الشفاء والتعافي، ويزيد من حالات بتر الأطراف.

وقال رئيس قسم الاستقبال والطوارئ بمستشفى شهداء الأقصى محمد ريان: "الأمور وصلت إلى ذروتها، هناك نقص شديد في المستلزمات، والمضادات الحيوية التي هي عمود أساسي في الشفاء وعلاج المصابين في مستشفياتنا، أصبح هناك عجز كبير جداً، يصل النقص من 60 -70% من هذه الأدوية والمضادات الحيوية".

وأضاف: "نتعامل الآن مع كثير من المصابين في قطاع غزة، وداخل المستشفيات، دون تقديم المضاد الحيوي المناسب والملائم لهؤلاء الجرحى والمصابين، وإذا توفر تكون الأنواع ضعيفة جداً، ولا تفي بالحد الأدنى لعلاج هؤلاء المرضى والمصابين".

تصنيفات

قصص قد تهمك