الهجرة والجريمة.. أوراق ضغط في سباق الانتخابات النصفية الأميركية

منظر عام لمبنى الكابيتول الأميركي بينما يتولى مجلس النواب مناقشة خطة الرئيس جو بايدن الإغاثية ضد فيروس كورونا، الولايات المتحدة. 8 مارس 2021 - REUTERS
منظر عام لمبنى الكابيتول الأميركي بينما يتولى مجلس النواب مناقشة خطة الرئيس جو بايدن الإغاثية ضد فيروس كورونا، الولايات المتحدة. 8 مارس 2021 - REUTERS
واشنطن-رشا جدة

بعد تراجع أسهمهم إثر قرار المحكمة الأميركية العليا إلغاء تدابير الحماية الوطنية للإجهاض، يحاول الجمهوريون استعادة زخم انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، من خلال الدفع بقضايا الهجرة والجريمة إلى الصدارة.

ويتوعد الجمهوريون بتشريع قوانين للتعامل مع قضايا الهجرة إذا خرجوا منتصرين في الانتخابات المقرر عقدها في 8 نوفمبر المقبل، ومحاسبة المسؤولين عن فتح الحدود مع المكسيك، وإكمال بناء الجدار الحدودي الذي أقره الرئيس السابق دونالد ترمب.

في نفس الوقت، يلقي الجمهوريون باللوم على الديمقراطيين في زيادة معدلات الجريمة، ويستخدمون تلك القضايا كأوراق ضغط ذات قبول شعبي في الانتخابات.

وترى مايلز كولمان، المحررة المشاركة في نشرة "Sabato’s Crystal Ball" الصادرة عن مركز السياسة في "جامعة فيرجينيا" حول الحملات الأميركية والانتخابات، ومنسقة العلاقات الإعلامية في المركز، أن ما يفعله الجمهوريون "ليس تكتيكاً جديداً بالنسبة لهم".

وقالت كولمان في تصريحات لـ"الشرق"، إنه في الانتخابات الرئاسية لعام 1988، نجح جورج دبليو بوش (يمين) في تأطير الحاكم مايك دوكاكيس (ديمقراطي) باعتباره "ليناً" في التعامل مع الجريمة، و"قد أعطى ذلك للجمهوريين مكسباً في إدارة قواعد اللعبة التي لا تزال مستمرة".

وأشارت كولمان إلى أن ما يحدث في ولاية بنسلفانيا خير مثال على ذلك، إذ يحاول المرشح الجمهوري المتراجع في استطلاعات الرأي د. أوز، أن يصور الديمقراطي جون فيترمان على أنه "متعاطف مع المجرمين"، قائلة: "إذا تسبب أوز في إحداث اضطراب، فقد يكون هذا عاملاً لصالحه".

وأعربت كولمان عن اعتقادها بأن الجمهوريين حاولوا تصوير إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على أنها "غير كفوءة" في ما يتعلق بقضية الهجرة، لكن قيام بعض الحكام الجمهوريين أخيراً، بنقل المهاجرين إلى الولايات الديمقراطية، تسبب في ردود أفعال مختلطة، ولم يحصلوا على التأييد الكامل الذي كانوا يأملون به".

ومن جانبه، رأى خبير الشؤون السياسية والحكومية والمحلل الاستراتيجي الجمهوري جيم دورنان في تصريح لـ"الشرق"، أن الهجرة والجريمة قضيتين رئيسيتين بالنسبة للناخبين المستقلين في الضواحي، مؤكداً أن الجمهوريين سيسلطون الضوء عليهما خلال الأسابيع التي تسبق الانتخابات، لمحاولة دفع هؤلاء الناخبين نحو المرشحين الجمهوريين.

وأضاف دورنان أن الديمقراطيين يحتاجون إلى "فصل أنفسهم عن أقصى اليسار، والتعبير عن دعمهم لفرض القانون".

ويتفق الباحث السياسي ومستطلع الآراء الديمقراطي زاك مكريي مع دورنان في أن الجمهوريين يعتقدون أن لديهم الأفضلية في هذين الملفين، ويقول لـ"الشرق" إن الجمهوريين سيحاولون تسليط الضوء على الجريمة والهجرة مع اقتراب الانتخابات"، موضحاً: "ببساطة، يريد الجمهوريون أن تكون الانتخابات النصفية استفتاء على الجريمة والهجرة".

لكنه في نفس الوقت يرى أن الديمقراطيين قد يواجهون ذلك الضغط من خلال جعل سياسات الجمهوريين، مثل حظر الإجهاض والولاء لدونالد ترمب، نقاطاً محورية للحملة الانتخابية. 

ويقول مكيري: "سيحاول الديمقراطيون في الغالب الرد على الهجمات على قضايا مثل الجريمة والهجرة، بينما يركزون بعد ذلك على قضايا مثل التطرف الجمهوري بشأن الإجهاض".

تصور خاطئ

وفي محاولة للفت الانتباه إلى ما يعتبرونه "سياسات الحدود الفاشلة" لإدارة بايدن، أرسل حكام ولايات جمهوريين عدة آلاف من المهاجرين إلى ولايات يسيطر عليها ديمقراطيون، على غرار ما قام به حاكم فلوريدا رون دي سانتيس.

ورأت نائبة مدير قسم الأميركتين وأوروبا في "منظمة اللاجئين الدولية" يائيل شاشر، أن هذه الرحلات "استخدمت المهاجرين كبيادق لانتخابات التجديد النصفي".

وأضافت في تصريح لـ"الشرق"، أن "تلك الرحلات صُممت لتصوير ولايات ديمقراطية مثل ماساتشوستس على أنها ترحب بالمهاجرين شكلياً، وليس على أرض الواقع". ولكنها نبّهت إلى أن "الحاكم لم يحصد التقدير المرجو لفعله، بل أثارت حركته معارضة كبيرة"، حتى أن الرئيس ندد بهذه الخطوة.

انقسام في الكونجرس

يتراوح أعداد المهاجرين غير الشرعيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة الأميركية ما بين 10.5 مليون إلى 12 مليون شخص. ويتبع الجمهوريون نهجاً صارماً في ملف الهجرة وأمن الحدود، متهمين إدارة بايدن بالتساهل في هذه الملفات.

وأشارت شاشر إلى أن نظام الهجرة لم يتم تحديثه منذ سنوات عديدة، إذ لا يوجد تأشيرات كافية متاحة للأشخاص الذين يرغبون في الهجرة لتسوية أوضاعهم قانونياً. 

وأضافت أن معيار اللجوء لا يفي بالأسباب التي تدفع الكثير من الناس على مغادرة منازلهم، مشيرة إلى أن طالبي اللجوء ليس لديهم محامين لمساعدتهم على الفوز بقضاياهم، والتي إما يمكن أن تطول لسنوات أو تكون سريعة، مع إمكانية أن تكون غير عادلة.

ولفتت إلى أن نظام الهجرة القانوني يحتاج إلى التحديث من قبل الكونجرس، لكن الأخير منقسم للغاية. وتضيف: "عندما يحاول الرئيس بايدن إجراء إصلاحات من شأنها تحسين الأمور، يتم مقاضاته من قبل ولايات مثل فلوريدا وتكساس (ولايات جمهورية) التي تعارض الإصلاحات"، وفق تعبيرها.

إشكالية الجريمة والسلاح

يستخدم الجمهوريون ورقة "الجريمة" أيضاً كسلاح ضغط آخر في محاولة للفت الانتباه بعيداً عن القضايا الأقل تفضيلاً لهم مثل الإجهاض. ويستندون في تبريرهم إلى زيادة معدلات الجريمة في عهد إدارة بايدن، حيث زادت معدلات جرائم العنف في عام 2020 بأكثر من 5% مع ارتفاع معدل القتل بنسبة 29% مقارنة بعام 2019.

وارتفعت جرائم القتل داخل المدن بنحو 30%، بينما زادت جرائم القتل في الضواحي والمناطق الريفية بنحو 20%، وفقاً لبيانات "مركز برينان للعدالة".

ورغم أن الجمهوريين يحاولون إلصاق هذا الأمر بالديمقراطيين، إلا أن بيانات المركز تشير إلى ارتفاع جرائم القتل بالتساوي تقريباً في المدن التي يديرها الجمهوريون والمدن التي يديرها الديمقراطيون. بل وشهدت ما يسمى بالولايات "الحمراء" نسبة إلى الحزب الجمهوري، بعضاً من أعلى معدلات القتل على الإطلاق.

في نفس الوقت، يحاول الرئيس بايدن مواجهة اتهامات الجمهوريين بـ"تساهله مع الجريمة"، عن طريق فرض قيود على حيازة بعض أنواع الأسلحة. ففي خطابه، الشهر الماضي من ولاية بنسلفانيا، تحدث بايدن بحماسة عن نزع الأسلحة الهجومية من شوارع أميركا. وقال: "اسمحوا لي أن أقول هذا لأصدقائي الجمهوريين في الكونجرس. لا تقل لي إنك تدعم تطبيق القانون إذا لم تُدن ما حدث في يوم السادس من يناير (أحداث الكابيتول)".

وأعرب زاك مكريي في تصريحه لـ"الشرق"، عن اعتقاده أن إصلاح قانون السلاح الذي أقره بايدن، وحظي بتأييد الكثيرين، سيحسن فرص الديمقراطيين في الانتخابات المقبلة، موضحاً أن لدى الديمقراطيين "قصة جيدة لروايتها عن اتخاذ خطوات جادة لنزع الأسلحة من أيدي المجرمين".

وأضاف أن هذا الفعل يمكن أن يمنح الديمقراطيين رداً جيداً عند اتهامهم بأنهم "متساهلون مع الجريمة"، ويظهر منطقة قوة يتفوقون فيها على غالبية الجمهوريين الذي يقفون إلى جانب مجموعات الضغط في قطاع الأسلحة مثل "NRA"، والتي غالباً ما تعارض أي حديث عن قيود على مبيعات الأسلحة.

واتفقت كولمان مع مكريي، موضحة أن قانون الأسلحة الذي صدر هذا العام، يعد أول تشريع رئيسي يتعلق بالأسلحة النارية منذ عام 1994، لذلك كان ذلك بمثابة "فوز تاريخي" للرئيس الأميركي، على حد قولها.

وأضافت أنه "ومن المثير للاهتمام، أن الديمقراطيين أصيبوا في انتخابات 1994 بسبب قضية السلاح، لأن الكثير من أعضائهم كانوا يشغلون مقاعد ريفية محافظة ثارت ضد بيل كلينتون. هذا العام، تقع العديد من المناطق المتأرجحة الرئيسية في الضواحي، حيث يبدو أن هناك رغبة أكبر في فرض قيود على الأسلحة".

لكن دورنان رفض تلك النظرية، مؤكداً أن الناخبين الذين يؤيدون حقوق حمل السلاح، "هم أكثر حماساً للتصويت من أولئك الذين يدعمون قوانين إصلاح الأسلحة".

تحديد الملفات

وافتق الباحث السياسي ومستطلع الآراء الديمقراطي مكيري مع الباحث الاستراتيجي الجمهوري دورنان في أن تفاعل الناخبين مع الهجرة غير الشرعية ضئيل، مع وجود شعور أوسع بأن سياسات الولايات المتحدة تجاه الهجرة والحدود لا تعمل، وعلى أن الجريمة تعد مصدر قلق شخصي، لا سيما في مناطق الضواحي الكبرى حيث هناك تصوراً بأن جرائم العنف ارتفعت خلال السنوات القليلة الماضية.

ولكنه يشير إلى أن الجمهوريين سيحاولون بالتأكيد تعظيم هذه القضايا في الانتخابات، في حين سيحاول الديمقراطيون التأكيد على قضايا أخرى تتعلق بـ"التطرف الجمهوري، وفي النهاية ستحسم الصناديق الجدل".

ومن جانبها، ترى منسقة العلاقات الإعلامية في مركز السياسة في "جامعة فيرجينيا" مايلز كولمان أن الهجرة والجريمة مجرد "أوراق ضغط غير حاسمة" في الانتخابات المقبلة.

وقالت إن المخاوف بشأن الاقتصاد، وعلى وجه التحديد التضخم، والوصول إلى الإجهاض، هما القضيتان الرئيسيتان اللتان تدفعان الناخبين هذا العام، مشيرة إلى أن "الأولى تعمل لصالح الحزب الجمهوري، بينما تعمل القضية الثانية على تنشيط الديمقراطيين".

اقرأ ايضاً:

تصنيفات