الدبابات الغربية لأوكرانيا.. حسم للحرب أم إطالة للصراع؟

دبابة أميركية من طراز "أبرامز M1A1" خلال تدريبات لحلف شمال الأطلسي "الناتو" في لاتفيا- 26 مارس 2021 - REUTERS
دبابة أميركية من طراز "أبرامز M1A1" خلال تدريبات لحلف شمال الأطلسي "الناتو" في لاتفيا- 26 مارس 2021 - REUTERS
دبي-رامي زين الدين

حسم الغرب أخيراً الجدل بشأن إرسال معدات عسكرية متطورة إلى أوكرانيا، فبعد محادثات وخلافات استمرت أسابيع، وافقت ألمانيا على تزويد الحليف الشرقي بدبابات من نوع "ليوبارد 2"، ثم سرعان ما تبعتها الولايات المتحدة بإعلانها إرسال دبابات من طراز "أبرامز M1".

لكن، رغم أهمية هذا التغيّر المفاجئ في موقف دول حلف شمال الأطلسي "ناتو" من إمداد أوكرانيا بالأسلحة النوعية من ناحية، وموقف روسيا التي قلّلت من أهمية الدبابات من ناحيةٍ أخرى، تبقى أسئلة عديدة تُثار بشأن الفارق الذي يمكن أن يشكله هذا السلاح على أرض المعركة، وقدرة القوات الروسية، التي تُعاني أساساً، على مواجهته، وما إذا كان هناك عقبات قد تحول دون فعالية الدبابات الأميركية والألمانية؟

خلال الفترة الأخيرة، كثفت أوكرانيا مطالباتها لحلفائها في الغرب بتقديم الدبابات الثقيلة والمتطورة، وسط توقعات باستئناف القتال بقوة بعد انتهاء الشتاء، وهو ما يفتح الباب لإرسال دبابات ثقيلة إلى أوكرانيا لمساعدتها على صد الغزو الروسي، في وقت يؤكد المسؤولون الأميركيون والألمان أن عملية إرسال الأسلحة ستستغرق وقتاً.

مزايا الدبابات

في وقت سابق، الأربعاء، أفادت وكالة "بلومبرغ" بأن الولايات المتحدة ستمنح أوكرانيا 31 دبابة من طراز "أبرامز M1"، في صفقة تبلغ قيمتها 400 مليون دولار.

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلت عن مسؤولين أميركيين، قولهم إن واشنطن ستمنح أوكرانيا دبابات "أبرامز"، وأن ذلك يأتي كجزء من تفاهم دبلوماسي أوسع مع ألمانيا.

وبحسب موقع "ميليتاري فاكتوري"، تُصنف دبابات "أبرامز" التي يستخدمها الجيش الأميركي منذ ثمانينات القرن الماضي، كآليات قتالية رئيسة، إذ شاركت في العديد من الحروب السابقة، سواء في العراق أو أفغانستان.

وهناك نسخ عديدة من هذه الدبابة، منها "أبرامز M1A1" التي طُورت في ما بعد إلى "M1A2"، وجُهزت بتقنيات متطورة، بما في ذلك تزويدها بدرع لحمايتها من القذائف المضادة للدروع.

ويُمكن لدبابة "أبرامز" التزود بذخائر تشمل 40 طلقة من عيار 120 ملم للمدفع الرئيسي، و1000 طلقة من عيار 12.7 ملم للمدفع الرشاش الثقيل، و12 ألفاً و400 طلقة للرشاش الثقيل من عيار 7.62 ملم، إضافة إلى 12 قنبلة دخان.

وأفادت وكالة "سبوتنيك"، بأن دبابات "أبرامز" صُممت لتكون بمثابة رأس حربة في المعارك البرية للجيش الأميركي خلال المهام الهجومية.

وتملك دول عدة نسخة أقل تطوراً من الدبابة الأميركية، من بينها أستراليا والعراق ومصر والكويت والمغرب، وكانت بولندا طلبت نحو 250 منها، من المتوقع أن تبدأ في الوصول بحلول 2024، وفقاً لمجلة "بوليتيكو".

وقبل يوم من إعلان الولايات المتحدة تزويد أوكرانيا بدبابات متطورة، وافقت ألمانيا على إرسال ما يصل إلى 14 دبابة "ليوبارد 2" من مخزونها الخاص، وسمحت كذلك بإعادة تصدير الدبابات من الشركاء، وهو ما سيمنح كييف قوة تستطيع تسخيرها في صد الهجمات الروسية.

وقال المستشار الألماني أولاف شولتز، في بيان، إن الدبابات سترسل إلى أوكرانيا من مخزون الجيش الألماني، مشيراً إلى أن الدبابات الـ14 ستكون مرحلة أولية، في محاولة لبناء كتبيتين من الدبابات.

ومنحت برلين الشركاء الضوء الأخضر لتصدير الدبابات إلى أوكرانيا، مشيرة إلى أنها ستبدأ تدريب الجنود الأوكرانيين قريباً، كما ستقدم مواد لوجستية وذخيرة. 

وأوضح شولتز أن القرار يأتي في إطار دعم أوكرانيا "قدر إمكاننا"، مشيراً إلى أن بلاده تتصرف بطريقة "متفق عليها عن كثب ومنسقة دولياً".

وفي تقرير لوكالة "فرانس برس" الفرنسية، قال خبراء إن دبابات "ليوبارد 2" التي صممتها الشركة الألمانية "كراوس مافي"، هي سلاح ذو سمعة عالمية حسنة، ويمكن أن يكون له تأثير "كبير" في ساحة المعركة. 

وتجمع الدبابة القتالية التي تم تصنيعها على نطاق واسع نهاية السبعينات لتحل محل دبابات "إم48" الأميركية ثم دبابة "ليوبارد1"، بين القوة النارية وسهولة الحركة والأمان.

ويُناهز وزن "ليوبارد 2" 60 طناً، وهي مجهزة بمدفع من عيار 120 ملم يسمح لها باستهداف العدو أثناء التحرك بفضل قوتها البالغة 1500 حصان، وبإمكانها أيضاً السير بسرعة تصل إلى 70 كيلومتراً في الساعة.

كما أنها مجهزة، وفق الشركة المصنعة، بـ"حماية متكاملة" فعالة ضد الألغام وقاذفات الصواريخ. ويستفيد طاقمها المكون من 4 أفراد من أدوات تكنولوجية تسمح له بتحديد موقع العدو واستهدافه من مسافة بعيدة.

وللدبابة ميزة رئيسة أخرى تتمثل في توافرها على نطاق واسع في أوروبا، ما يُسهل على كييف الوصول إلى الذخيرة وقطع الغيار والصيانة التي يتطلبها هذا النوع المعقد من المعدات.

تحديات

قرار الحلفاء الغربيين إرسال أسلحة حديثة إلى أوكرانيا، لا يعني أن معركة كييف ضد القوات الروسية حُسمت، إذ أن هناك العديد من التحديات التي قد تعيق دخول الدبابات إلى الميدان، بما في ذلك عمليات النقل والتدريب والاستخدام.

والأسبوع الماضي، وصف نائب وزير الدفاع الأميركي لشؤون السياسة الدفاعية الأميركية كولن كال، دبابات "أبرامز" بأنها مُعقدة، وباهظة الثمن، وصعبة الصيانة، ويصعب التدريب عليها.

وأوضح مسؤول أميركي آخر أن تردد البيت الأبيض في منح الدبابات لأوكرانيا، كان بسبب مخاوف بشأن التدريب اللازم، ومدى قدرة الأوكرانيين على الحفاظ والتعامل مع الدبابات.

وذكرت مجلة "بوليتيكو" أنه في حالة إرسال الولايات المتحدة دبابات تعمل في الجيش الأميركي، فإنه يجب إزالة معدات الاتصالات الحساسة منها أولاً، قبل إرسالها إلى أوكرانيا، ما يجعلها عملية مكلفة مادياً، وتستهلك الكثير من الوقت.

فارق ليس كبيراً

الخبير العسكري ومدير إدارة الشؤون المعنوية في الجيش المصري سابقاً سمير فرج، قال لـ"الشرق"، إن الدبابات الألمانية والأميركية تُعد أسلحة هجومية متطورة، لكنه اعتبر أن الأعداد التي سيتم تزويد أوكرانيا بها قليلة لإحداث فارق في المعركة، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن روسيا تملك أسلحة حديثة مضادة للدبابات.

وأشار إلى أن "من بين العقبات التي قد تُعيق فاعلية الدبابات الغربية، أنها تحتاج وقتاً طويلاً لتدريب القوات الأوكرانية عليها، إذ أنها تمتاز بتكنولوجيا متطورة جداً".

واعتبر فرج أن الجدوى من إرسال الأسلحة قد تكون رفع الروح المعنوية لأوكرانيا، لا سيما في ظل مناشدتها الحلفاء الغربيين تقديم مزيد من الدعم، إلى جانب استنزاف روسيا لأطول فترة ممكنة.

في المقابل، قال مارك كيميت مساعد وزير الدفاع الأميركي الأسبق، إن الجيش الروسي يمتلك قدرات كبيرة في صد هجمات الدبابات المحدودة باستخدام المسيّرات والأسلحة المضادة للدبابات الشبيهة بأسلحة "جافلين" الغربية، إضافة إلى مئات من الذخائر الأخرى وأنظمة الصواريخ.

ورأى كيميت في تصريح لـ"الشرق"، أن أبرز العقبات التي قد تواجه القوات الأوكرانية هي الوقت الذي سيتطلبه إخراج الدبابات الألمانية والأميركية من المخازن، وتدريب الطواقم، مرجحاً أن يراقب الروس هذه الدبابات لاستهدافها عبر أعمال التخريب والقصف، وصولاً إلى وضع كمائن لها قبل أن تصل إلى وجهتها.

روسيا: سنحرقها

ما أن أعلنت ألمانيا والولايات المتحدة موافقتهما على إرسال الدبابات إلى أوكرانيا، حتى ردت موسكو بالتقليل من شأن هذه الأسلحة، متوعدةً بـ"تدميرها وحرقها" في المعارك.

واعتبرت السفارة الروسية لدى برلين أن القرار الألماني "خطير جداً"، ومن شأنه أن "ينقل النزاع إلى مستوى آخر"، مشيرةً إلى أن برلين "تخلت عن مسؤوليات تاريخية تجاه روسيا"، من خلال الموافقة على إرسال الدبابات إلى أوكرانيا.

وتعهّد سفير روسيا لدى الولايات المتحدة أناتولي أنتونوف، بأن تُدمر بلاده الدبابات الأميركية المقرر إرسالها إلى أوكرانيا، مشدداً على أنها لا تندرج تحت حجة "الأسلحة الدفاعية"، في وقت أكد الكرملين أن هذه الدبابات "ستُحرق مثل سواها".

ونقلت وكالة "سبوتنيك" عن أنتونوف، قوله إن تسليم واشنطن هذه الدبابات لكييف، يُعتبر "استفزازاً صارخاً" ضد روسيا، محذراً من أن الجيش الروسي سيدمر هذه المعدات "كما فعل مع المعدات العسكرية التي أرسلها حلف شمال الأطلسي".

وأضاف أنتونوف أن الولايات المتحدة "تُحاول عمداً إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، وتعطي الضوء الأخضر لاستخدام المساعدات الأميركية لشن هجمات على شبه جزيرة القرم" التي ضمتها روسيا في 2014.

وشدد على أن ما يحدث في أوكرانيا هو "حرب بالوكالة ضد بلادنا، باعتراف الكثير من الخبراء والمسؤولين الأميركيين"، مشيراً إلى أن "الأميركيين يواصلون رفع مستوى المساعدات التي يقدمونها لحكومتهم العميلة".

ورأى الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، أن "الخطة من الناحية التكنولوجية فاشلة"، وقال: "هذه الدبابات ستحترق مثل سواها. إنها باهظة الثمن فحسب".

سيناريوهات الفاعلية

اللواء المتقاعد والمحلل العسكري الأردني محمد الثلجي أشار في تصريح لـ"الشرق" إلى أن قدرة الدبابات الأميركية والألمانية على تغيير موازين الحرب، تعتمد على عوامل عدة، منها الطراز الذي ستحصل عليه أوكرانيا.

ورأى أن "عدد الدبابات ومناطق انتشارها وكيفية توظيفها في الخطط القتالية الأوكرانية سيؤثر في مدى فعاليتها، لا سيما أن هذه الطرازات مخصصة للمناطق المكشوفة والمفتوحة، والتي تحتاج إلى غطاء جوي وقدرة على التخفي.

ويعتقد الثلجي أن المناطق الأوكرانية ذات الغابات الكثيفة ستكون مناسبة لحركة الدبابات، أما المدن فستكون "مقبرة لها"، بحسب وصفه، مشيراً إلى أنها تحتاج مرافقة قوات الهندسة المكيانيكية حتى تتمكن من فتح الثغرات التي ستُنصب لهذه الدبابات إذ "على الأرجح وضعت روسيا موانع على طول خطوط المواجهة، بما في ذلك الحواجز الخرسانية".

وأوضح الثلجي لـ"الشرق" أن دبابات "أبرامز" و"ليوبارد" تُوفر قابلية حركة عالية في ميدان المعركة، وتواكب حركة المركبات الأخرى وتتواصل معها، وهي مجهزة بدروع لمقاومة القذائف، بما فيها المضادة للدبابات، إلى جانب الحمايات الخاصة للأفراد، بحيث إذا انفجرت إحدى غرف الذخائر لا تتضرر الطواقم.

بدوره، قال الخبير العسكري المصري محمود محي الدين، إن هناك مؤشرات على أن عناصر من الجيش الأوكراني تلقت تدريبات على دبابات "ليوبارد" في بولندا خلال الشهور الماضية، معتبراً أن الغرض من الدبابات في الوقت الحالي هو "التمسك بالأرض وعدم السماح للقوات الروسية بالتمدد في فصل الشتاء".

واعتبر محي الدين، خلال مشاركته  في برنامج "دائرة الشرق" على شاشة "الشرق"، أنه لو تم دفع الدبابات الغربية في الميدان، فستنجح في إيقاف التقدم الروسي على المحاور كافة، خصوصاً أن مناخ المناطق التي تشهد معارك حالياً وتضاريسها، تصب في صالح أوكرانيا باعتبارها في موقع الدفاع.

وفي ما يتعلق بسيناريوهات الرد المتوقع من موسكو، قال محي الدين إن "القوات الروسية ستنشط على خط الجبهة الممتد بطول 1200 كيلومتر، لتحقيق أهداف تكتيكية على الأرض، بما في ذلك تكثيف العمليات في دونيتسك، ومحاولة كسب أراضي مثل سوليدار ثم الانتقال إلى باخموت، وتدعيم الدفاعات في خيرسون جنوباً، وتوسيع دائرة نشاط القوات في زابوروجيا، ومحاولة تحرير المحطات النووية هناك".

وعلى عكس ما يُروج الكرملين، يرى محي الدين أن الأسلحة الغربية أثبتت كفاءة في أوكرانيا واستطاعت أن تُطيل أمد المعركة، الأمر الذي أنهك الاقتصاد الروسي وأوقعه في مخاطر لم تكن متوقعة.

أما نقطة الضعف الأساسية في إمداد القوات الأوكرانية بالدبابات، فتتمثّل كما يعتقد الخبير العسكري المصري، في مرحلة التسليم، سواء وصولها من الأراضي البولندية أو الرومانية، وهذا ما أشار إليه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عندما حذّر من أن قوات بلاده ستستهدف هذه الإمدادات أثناء دفعها إلى الأراضي الأوكرانية.

وتابع: "هناك معلومات تذكر أن الجيش الروسي دفع بدبابات جديدة طُورت في مصانع سيبيريا من طراز (تي 80) الشهيرة، ويجهز أيضاً دبابات (تي 90) التي تُناظر بقدراتها مثيلاتها الأميركية والألمانية والبريطانية، فضلاً عن تجهيز فرقة مدرعة بدبابات (أرماتا) الأحدث في روسيا".

في المقابل، قال الباحث الروسي في الشؤون العسكرية والاستراتيجية بافل فيلنكهاور إن الغرب لم يقدم الدبابات فحسب إلى أوكرانيا، بل أيضاً زود قواتها بالكثير من الأنظمة العسكرية، على غرار الأسلحة غير المتوفرة لدى روسيا، مثل منظومات صواريخ ذات رؤوس ذاتية التوجيه.

واعتبر فيلنكهاور خلال مشاركته في برنامج "دائرة الشرق" أن"هذه الدبابات ستُمثل مشكلة لروسيا، فقد تُغير الموازين على أرض المعركة، ما يعني أن الغرب يريد إطالة أمد الحرب".

وعما إذا كانت روسيا قد تستخدم سلاحاً نووياً في حال واجهت مصاعب استراتيجية بعد دفع الغرب بهذه الدبابات المتطورة إلى أوكرانيا، لم يستبعد فيلنكهاور هذا الخيار، خصوصاً أن "هناك حرباً ضد روسيا"، بحسب رأيه، لكنه اعتبر في الوقت ذاته أن استخدام السلاح النووي في أوكرانيا سيكون "قراراً غبياً" ولن يجلب لروسيا أي نتائج.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات