يواصل العراق جهوده ومناشداته لدول العالم للمساعدة في تفكيك مخيم الهول، الواقع في شمال شرقي سوريا على مقربة من الحدود العراقية، ويضم عائلات مقاتلي تنظيم "داعش" من العراقيين والسوريين وعشرات الجنسيات الأخرى.
ويأوي المخيم أكثر من 51 ألف شخص غالبيتهم من النساء والأطفال، تم إدخالهم في مخيم الهول في مارس 2019 عقب هزيمة تنظيم "داعش" في سوريا.
وحذرت منظمات دولية وإقليمية من مخاطر استمرار ملف مخيم الهول، خاصة مع وجود أنصار لأفكار وتوجهات تنظيم "داعش" داخله، زادت من مخاوف تصدير أيديولوجية التنظيم المتطرف إلى الأطفال عبر أمهاتهم، وانبثاق جيل جديد لمقاتلي التنظيم من المخيم.
مؤتمر دولي
مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، عقد اجتماعاً موسعاً لبحث القضية في بغداد، الاثنين، مع سفراء الاتحاد الأوروبي والدول العربية والأجنبية وأعضاء التحالف الدولي وبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي"، فضلاً عن وزارة الخارجية العراقية ومديري الأجهزة الأمنية في العراق.
وخلال الاجتماع قال الأعرجي إن الحكومة العراقية أكدت مراراً أن مخيم الهول يشكل تهديداً وخطراً على العراق والعالم ويجب تفكيكه، مشدداً على أهمية تماسك المجتمع الدولي والعمل على حض الدول على سحب رعاياها من المخيم.
كما اقترح عقد مؤتمر دولي على مستوى وزراء الخارجية، لإيجاد حل لإغلاق المخيم وتقديم الدعم لوزارة الهجرة والمهجرين العراقية في برامج التأهيل والصحة النفسية، والتدريب المهني للعائدين من الهول في مخيم الجدعة بمحافظة نينوى شمال العراق.
وأشار الأعرجي إلى أن الحكومة العراقية نقلت 1369 عائلة من المخيم إلى العراق، وأخضعتها لعمليات تأهيل تمهيداً لدمجها بالمجتمع، لافتاً إلى عودة 800 عائلة لمناطق سكنها بعد عمليات التأهيل، محذراً من "ولادة جيل إرهابي جديد من خلال نشر الحقد والإجرام بين الأطفال المتواجدين داخل مخيم الهول السوري".
المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية احمد الصحاف، قال لـ"الشرق" إن العراق أعاد أكثر من 5500 شخص من مخيم الهول إلى البلاد، مقسمين على عشر دفعات، مؤكداً أن الحكومة العراقية تعمل ضمن منهجية واضحة من باب المسؤولية الملقاة على عاتقها تجاه هؤلاء الاشخاص لإعادة دمجهم في المجتمع من جديد.
وأوضح الصحاف أن المصلحة الأمنية العليا للعراق والمنطقة تقتضي إنهاء ملف مخيم الهول السوري نهائياً، إذ "يشكل تهديداً لأمن واستقرار البلاد، وعلى الدول سحب رعاياها المتواجدين في المخيم منذ سنوات".
ورغم استجابة عدد من الدول للمناشدات العراقية المتكررة لسحب رعاياها من مخيم الهول، إلا أن دولاً أخرى أغلبها أوروبية رفضت عودة مواطنيها الذين انضموا لتنظيم "داعش" إبان احتلاله لمساحات واسعة من أراضي العراق وسوريا عام 2014.
إعادة التأهيل
وذكرت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في بيان الأسبوع الماضي، أن 50 من مسلحي تنظيم داعش ممن يحملون الجنسية العراقية و170 شخصاً آخرين من عائلات مسلحي التنظيم وكانوا من بين المقيمين في مخيم الهول، تم تسليمهم إلى الحكومة العراقية.
وقال الخبير في الشأن الأمني سرمد البياتي لـ"الشرق" إن استراتيجية الحكومة العراقية بشأن مخيم الهول تتمثل بالتدقيق الأمني وسحب العائلات التي ليس لديها مؤشرات للتطرف منذ البداية، وادخالهم إلى مخيم الجدعة لإعادة التأهيل ومن ثم دمجهم في مناطقهم الأصلية، غير أن ضعف الإمكانيات يقف عائقاً أمام خطط الحكومة العراقية بإعادة تأهيل ودمج هؤلاء.
وأضاف أن التخوف من عودة عائلات "داعش" يتمثل بالأساس في رفض المجتمع العراقي لاندماج أسر مسلحي التنظيم، فضلاً عن وجود بعض الأصوات المحرضة على نبذ تلك العائلات، رغم أن غالبيتها بريئة من جرائم التنظيم.
وأوضح البياتي أن تفكيك مخيم الهول ربما يقلل من الخطورة والتهديد الأمني لكن تأثير ذلك "لن يكون كبيراً"، لأن فكر "داعش" لا يزال موجوداً ويحتاج إلى عمل عقائدي مضاد للقضاء على أيديولوجية التنظيم المتطرف.
25 ألف عراقي
وفي السياق، أحصت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية أعداد المواطنين العراقيين الذين لا يزالون مقيمين في مخيم الهول، إذ ذكرت الوزارة في تصريحات صحافية، أن نحو 25 ألف عراقي من أسر مسلحي "داعش" أغلبهم أطفال ونساء يشكلون سبعة آلاف عائلة لا يزالون داخل المخيم، وقرار عودتهم مرهون باستكمال مراحل تأهيل وإعادة العائلات المتواجدة حالياً في مخيم الجدعة شمال العراق.
وكشف وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، الخميس الماضي، عن إعادة ثلاثة آلاف مقاتل لتنظيم "داعش" من ذوي الجنسية العراقية من سوريا ومحاكمة غالبيتهم، وذلك خلال كلمة العراق التي ألقاها في الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي لمحاربة داعش الذي استضافته العاصمة السعودية الرياض.
وأوضح حسين أن الحكومة العراقية أعادت قرابة 1400 عائلة، أي ما يزيد عن خمسة آلاف شخص إلى مركز جدعة للتأهيل النفسي والمجتمعي، ودمج 680 أسرة في مناطقها الأصلية بعد خضوعها إلى برامج إعادة التأهيل، مشيراً إلى أن القوات الأمنية العراقية تتابع العمليات الاستباقية والاستخبارية لملاحقـة بقايا عناصر داعش وخلاياها النائمة.
تسوية الأوضاع
ويقع المخيم بمحافظة الحسكة شمالي شرق سوريا على بعد أقل من 10 كيلومترات من الحدود العراقية، ويشكل العراقيون نصف المحتجزين في المخيم تقريباً، أما البقية فهم مواطنون من دول أخرى، بينهم أطفال وأقارب آخرون لمقاتلين من تنظيم "داعش".
وتشكل قضية الأشخاص الذين انضموا إلى "داعش" معضلة أمام دولهم الأم بشأن كيفية تسوية أوضاعهم، في وقت ترفض دول عدة عودتهم إليها وتسحب جنسياتهم.
وبينما تصاعدت دعوات الأمم المتحدة بإعادة آلاف النازحين المحتجزين في مخيم "الهول" إلى بلدانهم نظراً للظروف المزرية للاعتقال، فإن العراق كان ضمن الدول القليلة التي استجابت لهذه الدعوة، فيما رفضت دول أخرى إعادتهم خوفاً من أي تهديدات إرهابية مستقبلية.
وأعلن العراق في أغسطس 2022 بدء عمل دولي مشترك لإغلاق مخيم الهول تحت رعاية الحكومة العراقية والأمم المتحدة، عبر تشكيل 4 مجموعات فرعية عراقية ودولية، في مجالات "الحماية القانونية للأطفال"، "الأمن والمساءلة للبالغين"، "إعادة التأهيل"، "إعادة الاندماج والخدمات الانتقالية".
من مخيم لاجئين إلى سجن
تم بناء مخيم الهول للمرة الأولى في عام 1991 من قبل المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالتعاون مع الحكومة السوريّة، لاستقبال النازحين الفارين من الكويت خلال حرب الخليج الأولى، ثم تم إغلاقه بعد فترة قصيرة من انتهاء الحرب.
وأعادت مفوضية اللاجئين فتح المخيم للمرة الثانية في عام 2003، بهدف استقبال النازحين من الغزو الأميركي للعراق، ثم أُغلق مرة أخرى في 2007.
وفي 2012، سيطر تنظيم "داعش" على مناطق بمحافظة الحسكة، وحول مخيم الهول إلى مقر سكن لعائلات مقاتليه الأجانب، قبل أن تعيد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وهي ائتلاف يضم فصائل كردية وعربية مدعوم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، السيطرة على المخيم.
وفي مايو 2016 أعادت قوات "قسد" فتح المخيم من أجل استقبال النازحين من مناطق سيطرة تنظيم داعش.
وتوسّع المخيم بسرعة مع وصول أكثر من 63 ألف امرأة وطفل نزحوا بسبب الهجوم على تنظيم "داعش" في الباغوز بين ديسمبر 2018 وأبريل 2019.
وخلال سقوط الباغوز، المعقل الأخير لداعش في سوريا، اعتقل عناصر "قسد"، بدعم من التحالف الدولي، عشرات الآلاف من المشتبه في انتمائهم لـ"داعش" وأفراد عائلاتهم. واستمرت المعركة وقتها لأسابيع وانتهت في 23 مارس 2019.
وبحلول توقيت إعلان هزيمة داعش في سوريا في أواخر مارس 2019، كان عدد المحتجزين في المخيم يقدر بأكثر من 60 ألف شخص، من دون اتباع الإجراءات الواجبة تجاههم، بحسب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.
وقالت المفوضية إن المحتجزين لديهم درجات متفاوتة من الانتماء إلى "داعش"، لكن ضمنهم أيضاً آلاف الأشخاص الذين ليس لهم أي ارتباط بالتنظيم، ممن توافدوا إلى المخيم هرباً من النزاع.
ويخضع مخيم الهول لسيطرة "الأسايش"، وهي قوات الشرطة التابعة لـ"الإدارة الذاتية"، بالإضافة إلى قوات "قسد" الجناح العسكري لـ"الإدارة الذاتية" التي تسيطر على أقاليم الكردية في شمال شرق سوريا.
أوضاع كارثية
ورغم نداءات الأمم المتحدة المتكررة، وتحذير منظمات دولية من أوضاع "كارثية" في مخيم الهول، إلا أن غالبية الدول تصرّ على عدم استعادة مواطنيها، ولم تستجب لدعوة الإدارة الذاتية إلى إنشاء محكمة دولية لمحاكمة عناصر "داعش" القابعين في سجون قواتها.
وتسلمت دول قليلة أفراداً من عائلات عناصر داعش المحتجزين في شمال شرق سوريا، منها بأعداد كبيرة مثل أوزبكستان وكازاخستان وكوسوفو.
واكتفت أخرى، خصوصاً الأوروبية، باستعادة عدد محدود من النساء والأطفال لا سيما اليتامى من أبناء عناصر "داعش".
وتواجه الحكومات الأوروبية ضغوطاً متزايدة لإعادة البالغين وتقديمهم إلى المحاكمة، وسط تأكيدات بأن تقاعس هذه الدول يمثل انتهاكاً لالتزامها بحقوق الإنسان، لكن معظم الدول الأوروبية قالت إنها غير ملتزمة قانوناً بمساعدة مواطنيها القابعين في المخيمات، وإن البالغين الذين انضموا إلى "داعش" يجب محاكمتهم في العراق وسوريا.
وحذرت الأمم المتحدة في يونيو 2022، من تزايد أعمال العنف داخل مخيم الهول، إذ قال منسق الأمم المتحدة في سوريا عمران رضا، إن المخيم يعاني انعدام أمن متزايداً ويحكم على الأطفال المحتجزين فيه بحياة بلا مستقبل.
وقالت الأمم المتحدة في تقرير أواخر يونيو الماضي، إن أكثر من 100 شخص، بينهم الكثير من النساء، لقوا مصرعهم في مخيم الهول، وطلبت من الدول إعادة مواطنيها.
وقُتل العديد في الهول ممَن ظلوا موالين لداعش على يد المعتقلين، بينما قُتل آخرون في تبادل لإطلاق النار بين الحراس والمعتقلين، أو جرّاء نقص الرعاية الطبية، والظروف غير الصحية، أو في حوادث مثل حرائق الخيام.