كيف تغيّرت حياة اللبنانيين بسبب انقطاع الكهرباء؟

انقطاع الكهرباء في وسط العاصمة اللبنانية بيروت.27 نوفمبر 2022 - REUTERS
انقطاع الكهرباء في وسط العاصمة اللبنانية بيروت.27 نوفمبر 2022 - REUTERS
دبي-الشرق

من اختفاء عادة تخزين الخضروات والفواكه الموسمية الصيفية وحفظها في الثلاجات لفصل الشتاء، إلى تكثيف ساعات عمل المكاتب والشركات في وسط العاصمة بيروت، كان لانقطاع الكهرباء المتكرر تأثير بالغ على مختلف مناحي الحياة في لبنان.

تتعايش جانيت داغر (65 عاماً) مع الظلام بسبب انقطاع التيار الكهربي المتكرر الذي بدّل أسلوب حياتها وعائلتها، إذ توقفت عن تخزين وتجميد الخضروات والفواكه في ما يعرف باسم "المونة"، التي ستفسد قطعاً إن داومت على تخزينها، واختفت من حياتها عادة اجتماعية كانت تتشارك فيها العديد من العائلات من حولها.

قالت جانيت لوكالة أنباء العالم العربي (AWP)، إن التيار الكهربائي يصل إلى منزلها إما عبر مؤسسة الكهرباء الرسمية أو اشتراكها مع مولد للكهرباء يملكه أفراد، وفي كلتا الحالتين لا تحصل على تيار متواصل للكهرباء.

وتابعت: "حصتنا من كهرباء الدولة في اليوم مدتها بين ساعتين و3 ساعات، وهي ضعيفة بحيث لا تستطيع تشغيل ثلاجة وغسالة في الوقت نفسه، وإذا اعتمدنا على كهرباء المولدات، فزيادة الاستهلاك تعني ارتفاع الفاتورة في نهاية الشهر، ولهذا يتم قطع المولد من الساعة الثانية عشرة ليلاً حتى السابعة صباحاً".

أما فارس جعفر، وهو موظف بشركة خاصة بمنطقة وسط بيروت التجارية، فبات عمله ينتهي في السادسة مساء بدلاً من الخامسة، مع تكثيف ساعات العمل بسبب انقطاعات الكهرباء المتكررة.

وقال جعفر إن تداعيات الأزمة الاقتصادية مقترنة بآثار انفجار مرفأ بيروت في 2020، أثرت على النشاط في منطقة من المفترض ألا تنقطع عنها الكهرباء، إذ بات الظلام يلف الكثير من أبنيتها ومكاتبها بعد السادسة.

وأضاف: "كانت الكهرباء لا تنقطع مطلقاً في هذه المنطقة التي كان يُعتبر المالكون والمستأجرون فيها من المتمكنين مادياً"، نظراً لارتفاع أسعار العقارات فيها، موضحاً أن "إيجار الشقة السكنية متوسطة المساحة يصل إلى حوالي 80 ألف دولار في السنة، في حين لا يتجاوز إيجار شقة في الأحياء الشعبية 4 آلاف و800 دولار سنوياً".

وتابع جعفر: "بدأ أصحاب الشركات بضبط مصاريف الكهرباء كون تكلفتها مرتفعة نسبة لتراجع أعمالهم خلال الفترة الحالية. سابقاً، كان مولد الكهرباء في البناء يُترك ليعمل طوال الليل رغم عدم وجود الموظفين، أما في السنة الماضية فظهرت مشاكل بين أصحاب الشركات".

وأشار إلى أن بعض الشركات تضطر لإبقاء موظفيها لساعات متأخرة وهو ما يتطلب إبقاء عمل المولدات الكهربائية، في حين ترفض هذا شركات أخرى لا تعمل لساعات متأخرة، وترى أن تكلفة الكهرباء ستشملها وهي لا تستفيد منها.

وكانت وزارة الطاقة والمياه اللبنانية قد أعلنت الشهر الماضي عن تعرفة المولدات الكهربائية الخاصة، بقيمة تبلغ نحو 32 ليرة لبنانية عن كل كيلو وات/ساعة.

وبالنسبة لفاتورة مؤسسة الكهرباء، صدر تعميم في مايو الماضي زادت بموجبه رسوم وبدلات الاشتراك بـ10 أمثالها، لُتحتسب على أساس قيمة 15 ألف ليرة للدولار بعد أن كانت تُحتسب على أساس أن الدولار الواحد يساوي 1500 ليرة لبنانية.

وتعاني مؤسسة كهرباء لبنان من أزمة سيولة حادة، وهي الشركة المسؤولة عن إنتاج 90% من كهرباء البلاد.

وفي تفاصيل فاتورة استهلاك الكهرباء لأحد المنازل بمحافظة جبل لبنان عن الشهر الماضي، بلغ رسم الاشتراك الشهري 640 ألف ليرة لبنانية (7.3 دولار)، واستهلاك العداد حوالي 300 كيلو وات للساعة، لتكون قيمة استهلاكه قرابة 9 ملايين ليرة (102.3 دولار).

وتجاوز إجمالي الفاتورة الشهرية 10 ملايين ليرة بعد إضافة الرسوم، بينما يبلغ متوسط راتب موظف القطاع العام حوالي 250 دولار شهرياً.

وبالمقارنة مع الأسعار السابقة، كانت تكلفة استهلاك الكهرباء بين 100 و300 كيلو وات للساعة تبلغ 80 ألف ليرة شهرياً، خلال الفترة من عام 1994 حتى عام 2021.

حلول بديلة

دفع ذلك اللبنانيين إلى البحث عن حلول بديلة للحصول على الكهرباء من خلال المؤسسة الرسمية أو المولدات الخاصة، فوجدوا ضالتهم في تركيب ألواح الطاقة الشمسية على المباني السكنية والتي ازداد استخدامها كثيراً في الآونة الأخيرة.

ومن هؤلاء مايكل خوري (40 عاماً) من سكان حي الأشرفية الراقي بشرق بيروت، فمنذ حوالي السنة تخلى عن اشتراك المولد الكهربائي واستعاض عنه بالطاقة الشمسية.

وأفاد خوري بأنه "حتى أستطيع تشغيل بعض الأجهزة الكهربائية ركّبت ألواحاً تولد 10 أمبير، وكانت التكلفة 6 آلاف دولار. المبلغ قد يبدو كبيراً لكنه يدفع لمرة واحدة ولا أكون تحت رحمة أصحاب المولدات في التسعير وفي الإطفاء حينما يرغبون".

وفي مايو 2022، قرّر مجلس الوزراء اللبناني الموافقة على منح 11 ترخيصاً لإنتاج الكهرباء حصراً من الطاقة الشمسية بقدرة إنتاجية تصل إلى 165 ميجاوات، على أن يبدأ الإنتاج في غضون 3 أعوام.

غير أنه قبل أيام قليلة، حذرت مؤسسة كهرباء لبنان من العتمة الشاملة في البلاد، ولم يكن هذا التحذير الأول من نوعه، ففي عام 2021 أعلنت مؤسسة كهرباء لبنان عن احتمال أن يؤدي نفاد مخزون المحروقات بحلول نهاية سبتمبر من ذلك العام إلى انقطاع التيار الكهربائي في البلاد.

وفي 16 أغسطس الحالي، أعلنت المؤسسة انقطاع التغذية الكهربائية عن محطتي دير عمار والزهراني جراء توقف شركة (برايم ساوث) المشغلة لهما عن العمل، بسبب عدم حصولها على مستحقاتها المالية البالغة 10 ملايين دولار، لتفيد الشركة في اليوم التالي بأنها تلقت تعهداً شفهياً من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بتأمين 7 ملايين دولار.

الكهرباء.. ورقة ضغط سياسي

أوضح مصدر سياسي لـ"وكالة أنباء العالم العربي"، أن أزمة الكهرباء بدأت قبل عام 2019، ولكن سكان عدد من المناطق وخاصة في المدن شعروا بها خلال السنتين الماضيتين لأنها وصلت إلى منازلهم، في حين أن هناك لبنانيين يعانون منها منذ سنوات عديدة.

ونوه المصدر إلى "عدم عدالة" في تعاطي الدولة اللبنانية مع هذا الملف على مر عقود، وهو ما تجسد في تنمية غير متوازنة بين المناطق، مضيفاً: "العديد من مناطق شمال لبنان (قبل 2019)، كانت تغذية الكهرباء تنقطع لمدة تزيد 15 ساعة في اليوم، في حين كانت في بيروت تنقطع أقل من 10 ساعات".

وأعرب المصدر عن عدم ثقته بوجود من يرغب في إيجاد حل لأزمة الكهرباء في لبنان، قائلاً إنها تدخل ضمن أدوات الضغط السياسي بين الأحزاب.

وأضاف: "أصحاب المولدات في كل منطقة من أحياء بيروت أو طرابلس تابعون لقوى سياسية وطائفية في الحي السكني، فهناك اتفاق ضمني وغير معلن بين أصحاب المولدات على أنه إذا طلب مواطن يسكن في منطقة معينة ببيروت مد خط مولد من منطقة أخرى إليه، يُواجه طلبه بالرفض من صاحب المولد تحت ذريعة أن المنطقتين من مذهبين مختلفين".

وتابع: "بعد الحرب الأهلية تعاقب على وزارة الطاقة والمياه أفراد من مختلف القوى السياسية، بعضهم من (حركة أمل) وبعضهم من (التيار الوطني الحر)، ولم نصل إلى حل نهائي نتيجة الصراعات التي وصلت إلى اتهام كل طرف للآخر بمنعه من تنفيذ خطته لتحسين وضع الكهرباء".

ويوضح المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن (التيار الوطني) يعتبر أن (حركة أمل) عرقلت خطته لأن الجهة المسؤولة عن إعطاء الموافقة بصرف الأموال هي وزارة المالية والتي يتولاها وزير تابع للحركة، بينما الطرف المقابل يعتبر أن التيار يعمل على تمرير صفقات لحسابه الخاص من خلال المناقصات.

ولا ينفي المصدر انعكاس الصراعات الإقليمية على الداخل اللبناني، كما حدث مع اتفاق استيراد الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر سوريا العام الماضي، والذي واجهته عقبة مرور هذه الإمدادات في الأراضي السورية كون الولايات المتحدة تفرض عقوبات (قانون قيصر) على كل شركة تتعامل مع الحكومة في دمشق، وهو ما دفع حكومتي القاهرة وعمان إلى طلب توضيح من واشنطن يؤكد أن البلدين لن تطالهما هذه العقوبات.

واختتم المصدر حديثه بالقول: "الأزمة المحيطة لا تُبعد المسؤولية عن الحكومة في هدر الأموال. فالبنك الدولي تعهد بتقديم قرض بحوالي 240 مليون دولار لتأمين الكهرباء من الأردن ومصر، ولكنه ربط القرض بتنفيذ إصلاحات اقتصادية لم تنفذ حتى الآن".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات