فلسطينيون نازحون من شمال غزة إلى جنوبها يروون حكايات "الموت" الذي يطاردهم

"من لم يقتله القصف مات جوعاً".. النزوح في غزة لا يعني النجاة

أطفال فلسطينيون مع أسرهم داخل عربة بدائية في رحلة النزوح من شمال غزة إلى جنوبها، 12 نوفمبر 2023 - Reuters
أطفال فلسطينيون مع أسرهم داخل عربة بدائية في رحلة النزوح من شمال غزة إلى جنوبها، 12 نوفمبر 2023 - Reuters
دبي-الشرق

من شمال غزة إلى جنوب القطاع المحاصر، خاض مئات الآلاف من الفلسطينيين رحلة نزوح قاسية، في ساحة حرب مستعرة على وقع دوي الرصاص، وأصداء الانفجارات.

خرج محمد سكيك (32 عاماً)، بين أولئك الفارين من جحيم ضربات إسرائيل للقطاع، رفقة عائلته المكونة من 7 أفراد، بحثاً عن ملاذ موعود في الجنوب، لكن ما لقيه الشاب الفلسطيني في طريق النزوح القسري أحبط آماله.

يقول سكيك: "خرجت من منزلي في شارع الشهداء، مع عائلتي، وسط خوفٍ وتيهٍ لم أشعر به في حياتي".

"التغريبة الفلسطينية الجديدة"

ويتابع: "علِقنا وسط الاشتباكات عند مفترق العباس (في غرب مدينة غزة)، وهناك أدركت أنني لن أخرج حيّاً، وأن حياتي ستنتهي على هذا المفترق... لكن أمل النجاة جعلني أهرول بعائلتي مسرعاً في شوارع فرعية لم أعرفها إلا في ذلك اليوم".

وأمام بحثه عن وسيلة للانتقال، عثر سكيك بالصدفة على عربة "كارّو"، يجرها الخيل، تحمل مجموعة من الفارين من جحيم الحرب.

وعندما أوصلت العربة البدائية العائلة إلى أقرب مكان يمكنها أن تتجه منه إلى الجنوب، شعر الفارّون أن الأقدار منحتهم "أعماراً جديدة"، كما يقول في حديث مع "وكالة أنباء العالم العربي" (AWP).

وبصوت مختنق، يصف سكيك المأساة الراهنة بأنها تمثل "التغريبة الفلسطينية الجديدة".

عندما وصلوا إلى الجنوب، لم تجد عائلة الشاب الفلسطيني، متسعاً في "الأماكن الآمنة". وهنا يقول سكيك: "لم نعرف إلى أين نتجه. لم نكن نملك سوى ما نحمله من متاعٍ قليل، ولم يكن أمامنا أماكن للإقامة. تجمعنا مع عائلات أخرى في ملاجئ مؤقتة فالأوضاع صعبة جداً".

وأضاف: "نعاني انعدام المقومات الأساسية للحياة، فلا ماء، ولا غذاء، ولا رعاية صحية، كما أن فصل الشتاء على الأبواب، ولن نجد ما يقينا البرد"، لافتاً إلى أن المساعدات التي تُقدم للنازحين "شحيحة للغاية".

ومضى قائلاً: "الحرب الحالية هي الأصعب على سكان القطاع. فقدنا فيها الكثير من عائلاتنا، ورحلة النزوح التي عشناها في غاية الصعوبة، لكن مخاوفنا مما ينتظرنا بعد انتهاء الحرب أكبر، فمنازلنا هُدّمت، ولن نجد مأوى".

نزوح جماعي

غيّرت الحرب مصير جميع سكان قطاع غزة، خاصة مع استخدام الجيش الإسرائيلي قوة تدميرية هائلة في الرد على الهجوم الذي شنته "حماس" في السابع من أكتوبر الماضي، كما أن الحصار الذي فرضته إسرائيل حرم القطاع الفلسطيني، الذي يقطنه أكثر من مليوني إنسان، من الوقود، والطعام، والماء، وانعدمت كل مصادر الطاقة، وغابت معالم الحياة الصحية.

ومن بين طوابير طويلة من قوافل المساعدات التي تنتظر على الجانب المصري من معبر رفح، لم يُسمح بدخول إلا القليل منها، فيما وصفه مسؤولون طبيون فلسطينيون بأنه يمثل "نقطة في بحر" الاحتياجات العاجلة المطلوبة.

وخلال الحرب طلبت إسرائيل من جميع سكان شمال القطاع، وسكان مدينة غزة، النزوح إلى مناطق أكثر أماناً، إلا أنها استهدفتهم في تلك المناطق، وقتلت عدداً كبيراً منهم، وأصابت الآلاف بجروح ما بين الخطيرة والمتوسطة.

وفوجئ العالم بمشاهد رصدتها وسائل الإعلام المحلية والدولية لنزوح آلاف السكان من مناطق سكنهم هرباً من الحرب، في لقطات أعادت إلى الأذهان ما حدث في "النكبة"، عام 1948.

كانت ليلى مع صغارها من بين الذين اضطرهم تصاعد الأحداث إلى النزوح.

قالت: "لم يكن لدينا خيار سوى النزوح. كنا نخشى على حياة أطفالنا. لكن بمجرد وصولنا إلى الجنوب، تعرضنا لهجمات مستمرة من الطيران الإسرائيلي".

ومن داخل أحد مراكز الإيواء، حيث تعاني أسرتها قسوة الظروف المعيشية، أضافت: "كنا نأمل أن نجد الأمان والمأوى في الجنوب، لكن ذلك لم يحدث، والجيش الإسرائيلي كذب علينا عندما طلب منا النزوح للجنوب".

وتقول: "نجد صعوبة في جميع مناحي الحياة، ونخاف أن تستهدفنا الطائرات الإسرائيلية في أي لحظة، خاصة وأن الطيران الإسرائيلي قصف العديد من أماكن ومناطق النزوح ومراكز الإيواء بقطاع غزة".

الموت قصفاً.. أو جوعاً

أما مريم (15 عاماً)، فقالت: "مشينا نحو 10 كيلومترات على الأقدام، ووصلنا إلى الممر الآمن. لم يكن آمناً، هو فقط لعبورنا وترويعنا وإطلاق النار فوق رؤوسنا... تعمَّد الجنود الإسرائيليون ترهيبنا، وكنا محاطين بالدبابات، والطائرات المسيرة".

وأضافت: "لم يكن لدينا خيار سوى أن ننزح من غزة. القصف صعب جداً والمعيشة أصعب. وكنا بين خيارين إما الموت بالقصف الإسرائيلي أو الموت جوعاً. غزة لم يبقَ فيها حجر على حجر، الدمار كبير". 

واستطردت: "لم يكن الوضع في الجنوب أفضل حالاً؛ نحن الآن بالشارع بسبب اكتظاظ المدارس، ومراكز الإيواء بالنازحين. لا نجد لنا مأوى".

وبينما تتعالى الأصوات العربية والدولية المنادية بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، تشير تقديرات أممية إلى أن الحرب على القطاع المحاصر، أدت إلى نزوح نحو نصف مليون فلسطيني من أصل 2.3 مليون نسمة، ما تسبب بكوارث غذائية، وصحية، وبيئية.

تصنيفات

قصص قد تهمك