على مدار الـ50 عاماً الماضية، تسببت الأحوال الجوية القاسية في خسائر اقتصادية تزيد عن 4.3 تريليون دولار ووفاة 2 مليون شخص كان يعيش 90% منهم في الدول النامية، بحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية.
هذه الأرقام مستمرة في الارتفاع، وتؤثر بشكل غير متناسب على البلدان الأكثر فقراً والأكثر ضعفاً، وتشير الخسائر والأضرار إلى التأثيرات التي لا يمكن تجنبها لتغير المناخ، والتي تكون البلدان الأكثر فقراً وضعفاً غير مجهزة لمواجهتها، فعلى الرغم من أن تأثيرات تغير المناخ عالمية، إلا أنها ليست متساوية بأي حال من الأحوال.
وبينما تكافح خدمات الطوارئ في جميع أنحاء أوروبا وأميركا للتكيف، يتم إصلاح الأضرار الناجمة عن الفيضانات بشكل عام، ويتم إخماد الحرائق وإجلاء المحتاجين. لكن القصة مختلفة تماماً في المناطق البعيدة والدول النامية؛ حيث تدمر الظواهر الجوية القاسية سبل العيش وتمحو قرى بأكملها.
هذه التأثيرات الكارثية على أولئك الذين لم يتسببوا من الأساس في تغير المناخ، هي التي جعلت الحاجة الملحة إلى تأسيس صندوق للخسائر والأضرار واضحة للغاية.
صندوق الخسائر والأضرار
ونجح مؤتمر الأمم المتحدة بشأن التغير المناخي (COP 28) في دبي، وخلال يومه الأول، في الاتفاق على ترتيبات تشغيل صندوق الخسائر والأضرار، الذي كان قد تم الاتفاق عليه بشكل مبدأي في قمة المناخ السابقة، التي استضافتها مصر في مدينة شرم الشيخ (COP 27).
وأعلنت مجموعة من الدول عن حجم مساهماتها في ترتيبات الصندوق، وقالت الولايات المتحدة إنها ستسهم بمبلغ 17.5 مليون دولار، فيما تعهدت اليابان بتقديم 10 ملايين دولار، وأعلنت بريطانيا أنها ستسهم بما يصل إلى 60 مليون جنيه إسترليني (أي ما يقرب من 76 مليون دولار)، بينما قالت ألمانيا إنها ستسهم بـ100 مليون دولار، وهو المبلغ نفسه الذي أعلنت الإمارات المساهمة به.
تعريف الخسائر والأضرار
وبحسب إفادة صادرة عن البرلمان الأوروبي، لا يوجد تعريف واضح ومحدد ورسمي للخسائر والأضرار ضمن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن المناخ، غير أن المصطلح يشير عادة إلى الآثار الناجمة عن تغير المناخ التي لا يمكن تخفيفها من خلال جهود التخفيف أو التكيف.
وتعتبر الإفادة أن التمييز بين "الخسائر" و"الأضرار" أمر بالغ الأهمية، فالخسائر تشير إلى ضرر لا يمكن إصلاحه، مثل خسارة الأراضي بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر، في حين أن الأضرار تنطوي على آثار قابلة للإصلاح، مثل الأضرار التي تلحق بالبنية التحتية المرتبطة بالتغيرات المناخية.
ويمتد نطاق الخسائر والأضرار إلى الخسائر الاقتصادية وغير الاقتصادية. إذ تشمل الخسائر الاقتصادية الأصول الملموسة، في حين تشمل الخسائر غير الاقتصادية الأصول غير الملموسة، بما في ذلك التراث الثقافي والتنوع البيولوجي وسبل العيش.
ويسلط التقرير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) بشأن التأثيرات والتكيف والقابلية للتأثر، (يسلط) الضوء على التهديدات الوشيكة التي يشكلها تغير المناخ، ويرى في الوقت ذاته أن الجهود الرامية إلى الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري لن تمنع وقوع خسائر كبرى على المجتمعات في جميع أنحاء العالم.
ولأن قابلية التأثر بتغير المناخ تختلف من منطقة إلى أخرى، إذ يقيم ما يقرب من 3.6 مليار شخص في مناطق شديدة الضعف، لا سيما في غرب ووسط وشرق إفريقيا وجنوب آسيا والدول الجزرية الصغيرة النامية؛ نشأ مفهوم الخسائر والأضرار قبل عقود مدفوعاً بدعم من هذه المناطق، التي غالباً ما تتميز بالتنمية غير المستدامة، وعدم المساواة، وسبل العيش الحساسة للمناخ، وتواجه تحديات كبرى في إدارة خسائرها والأضرار الواقعة عليها نتيجة ذلك الأمر.
مسار طويل من التحديات
في أوائل التسعينيات، بينما كانت الأمم المتحدة تستعد لما يعرف الآن باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ؛ ضغطت مجموعة من الدول الجزرية الصغيرة، التي أدركت ضعفها في مواجهة ارتفاع منسوب مياه البحار، من أجل أن تتضمن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ صندوقاً تموله الدول الغنية - المسؤولة أكثر عن تغير المناخ - لتعويض الدول الأكثر تضرراً عن "الخسائر والأضرار" الناجمة عن ارتفاع مستوى سطح البحر.
ومنذ ذلك الوقت، أثبتت الدول ذات الدخل المنخفض بالفعل أنها معرضة بشكل خاص للكوارث المرتبطة بتغير المناخ. ففي صيف عام 2022، على سبيل المثال، عندما غمرت الأمطار الغزيرة ثلث باكستان، تفاقمت الأزمة بسبب حدوثها في بلد لا يملك سوى القليل من الموارد الفائضة لتوفير الغذاء والماء والمأوى والرعاية الصحية لملايين النازحين.
وفي عام 2009، خلال انعقاد مؤتمر "كوب 16" في المكسيك، تم وضع برنامج عمل للنظر في النهج المتبع لتفسير الخسائر والأضرار. وبعد 4 سنوات تأسست آلية وارسو الدولية للخسائر والأضرار بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ خلال "كوب 19" الذي عقد بوارسو في بولندا عام 2013.
وكان الغرض الأساسي من آلية وارسو الدولية -والتي تُعد الخطوة الرسمية الأولى تجاه إلزام الدول الصناعية الكبرى بتأسيس الصندوق- هو معالجة مسألة الخسائر والأضرار المرتبطة بتأثيرات تغير المناخ، لا سيما في البلدان الضعيفة والنامية التي تواجه أضراراً جسيمة وغير قابلة للإصلاح تتجاوز قدرتها على التكيف أو التعافي.
اعترفت تلك الآلية -ولأول مرة- بأن بعض الآثار السلبية لتغير المناخ قد تؤدي إلى خسائر وأضرار، بغض النظر عن جهود التخفيف والتكيف.
اتفاقية باريس
في ديسمبر 2015، تبنت 197 دولة اتفاقية باريس خلال مؤتمر "كوب 21" الذي عقد في العاصمة الفرنسية، وتشير المادة 8 من اتفاق باريس صراحةً إلى الخسائر والأضرار باعتبارها جانباً منفصلاً من سياسة المناخ، يختلف عن جهود التخفيف والتكيف. ومع ذلك، لا ينشئ ذلك البند إلزاماً قانونياً على الموقعين لاتخاذ إجراءات محددة في ما يتعلق بهذه المشكلة، فاللغة المستخدمة في المادة تنص على أنه "ينبغي للأطراف تعزيز التفاهم والعمل والدعم".
واستخدام كلمة "ينبغي" بدلاً من "يجب" يعني أن هذه الإجراءات ليست ملزمة قانوناً، لكنها أقرب إلى التشجيع أو الاقتراح للأطراف على التعاون والتعاون في مجال الخسائر والأضرار.
وأدى عدم وجود التزامات قانونية واضحة في اتفاقية باريس إلى جعل التقدم في القضية أمراً صعباً أثناء المفاوضات. بالإضافة إلى ذلك، فإن غياب الأساس القانوني المباشر للمساهمات المالية المخصصة خصيصاً للتعليم والتطوير يزيد التعقيد.
وخلال مؤتمر "كوب 25" الذي عقد في العاصمة الإسبانية مدريد عام 2019، تأسست "شبكة سانتياجو" بهدف تقديم المساعدة الفنية إلى البلدان النامية التي تتعامل مع الخسائر والأضرار، وكان الغرض الأساسي منها هو ربط مختلف المنظمات والهيئات والخبراء والشبكات لتسهيل تنفيذ الأساليب التي تعالج الخسائر والأضرار في المناطق المعرضة للخطر.
وانتقدت العديد من الدول النامية عدم وجود صندوق مخصص داخل "آلية وارسو الدولية" لمعالجة الخسائر والأضرار باعتباره أحد القيود المحتملة، وعلى الرغم من أن اللجنة التنفيذية للآلية اجتمعت بانتظام لمراجعة التقدم وتبادل المعلومات والخبرات وتقديم توصيات بشأن أفضل السبل لمعالجة الخسائر والأضرار المرتبطة بتأثيرات تغير المناخ، إلا أن الأمر استغرق 9 سنوات كاملة لتأسيس صندوق بغرض تمويل خسائر الدول النامية الناجمة عن تغير المناخ خلال مؤتمر "كوب 27" الذي عقد في مدينة شرم الشيخ المصرية، وانتهى إلى الالتزام بتأسيس "صندوق الخسائر والأضرار" لدعم المتأثرين بشكل غير متناسب بأزمة المناخ، على أن تدفع تكاليفه الدول الأكثر ثراء.
تحديات صندوق "الخسائر والأضرار"
لكن وعلى الرغم من تبني فكرة وترتيبات تشغيل صندوق "الخسائر والأضرار"، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه تمويل "الخسائر والأضرار"، فمن وجهة نظر البلدان المتقدمة، يدور الاهتمام الرئيسي في ما يتعلق بالخسائر والأضرار بشأن أوجه عدم اليقين المتعلقة بالتأثيرات والمخاطر المرتبطة بتغير المناخ.
وفي هذا الإطار، يتم التركيز على إدارة المخاطر وجهود بناء القدرة على الصمود. وكثيراً ما ترى الدول المتقدمة أن دورها يقتصر على تقديم المساعدات المالية ودعم بناء القدرات، في حين تؤكد أهمية الجهود التي تبذلها البلدان النامية لتقليل نقاط ضعفها.
وعلى النقيض من ذلك، كثيراً ما تدعو البلدان النامية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني إلى وضع إطار مختلف يركز على المسؤولية والتعويض.
ويسعى هذا المنظور إلى إسناد المسؤولية عن تغير المناخ وما ينجم عنه من خسائر وأضرار إلى البلدان المتقدمة.
ومع التركيز على مساءلة الدول المتقدمة عن الآثار السلبية الناجمة عن انبعاثاتها التاريخية من غازات الدفيئة، ووفقاً لهذه الرواية، فإن الدول المتقدمة لديها التزام أخلاقي بتعويض الدول النامية عن الضرر الناجم عنها.
ومع ذلك، فإن إطار المسؤولية والتعويض هذا يشكل تحديات بالنسبة للبلدان المتقدمة؛ لأنه يبدو أنه يضع المسؤولية الحصرية والمسؤولية القانونية المحتملة عن الخسائر والأضرار المتعلقة بتغير المناخ على عاتقها بشكل مباشر. وهذا يخلق قضية مثيرة للجدل بشأن تحديد المسؤوليات والسعي للحصول على التعويض، الأمر الذي تنظر إليه البلدان المتقدمة غالباً على أنه غير عادل أو مرهق بشكل غير متناسب.
ويظل سد هذه الفجوة وإيجاد أرضية مشتركة بين وجهات النظر المتباينة تحدياً كبيراً في مفاوضات المناخ الدولية وصنع السياسات. ويتطلب حل هذه المشكلة إجراء حوار بناء وتعاون ونهج متوازن يأخذ في الاعتبار مسؤوليات كل من الدول المتقدمة والنامية في معالجة التعلم والتطوير ضمن السياق الأوسع للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه.
وخلق هذا التضارب في وجهات نظر الدول المتقدمة والنامية صراعاً خفياً نجم عنه غياب ملحوظ لآليات مالية مخصصة ومحددة لمعالجة المشكلة. وأدت الخلافات بشأن تعريف الخسائر والأضرار والمخاوف المتعلقة بالمسؤولية والتعويض إلى إعاقة التقدم في إعداد مخططات مالية جديدة مخصصة لهذا الغرض.
وعلى الرغم من وجود اتجاه تصاعدي في تمويل المناخ في السنوات الماضية، إلا أن الوعود المالية المنصوص عليها، مثل الالتزام بتوفير 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2020 لدعم البلدان النامية في الإجراءات المناخية، لم يتم الوفاء بها.
وفي عام 2019، تمت تعبئة ما يقرب من 79.6 مليار دولار من القطاعين العام والخاص في البلدان المتقدمة لتمويل المناخ. ومع ذلك، وُجِّه جزء كبير من هذا التمويل نحو جهود التخفيف، مع تخصيص حصة أصغر لمشروعات التكيف.
وذكرت العديد من الدراسات العلمية أن توزيع تمويل المناخ غير عادل، إذ يُوَجَّه مبلغ كبير نحو آسيا، تليها إفريقيا وأميركا الجنوبية. وقد لا يتوافق هذا التوزيع بشكل كامل مع المناطق الأكثر تأثراً بالخسائر والأضرار، ما قد يترك المناطق الضعيفة دون دعم مالي كاف.
ولا يزال هناك توتر كبير بشأن من ينبغي له أن يتبرع للصندوق، خاصة في حالة الصين، حيث يتناقض غياب المسؤولية التاريخية مع الثروة الحالية والانبعاثات المرتفعة.