النزاع بين فنزويلا وجويانا على إقليم إسكويبا الغني بالنفط يعقد حسابات واشنطن

صورة غير مؤرخة لإحدى منصات النفط العائمة أمام سواحل جويانا - petroleum.gov.gy
صورة غير مؤرخة لإحدى منصات النفط العائمة أمام سواحل جويانا - petroleum.gov.gy
البرازيل-هاني الدرساني

شهدت العلاقات بين فنزويلا وجويانا تصاعداً في التوتر السياسي، بعد أن لوح الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، بإمكانية استخدام القوة العسكرية لـ"استعادة"، إقليم إسكويبا الغني بالنفط والخاضع لإدارة جويانا، بعد قرنين من نزاع على ضمه لم يخرج من أروقة المنظمات والجمعيات والمحاكم الدولية.

وتصاعدت المخاوف من تفجر النزاع بعد استفتاء مثير للجدل أجرته فنزويلا في 3 ديسمبر بشأن مصير إسكويبا، وجاءت النتيجة النهائية لتعكس توافقاً بين رغبة الفنزويليين الشعبية، والمساعي الرسمية للدولة في ضم الإقليم بنسبة تأييد وصلت إلى 95%، وبناءً على هذه النتيجة قررت فنزويلا تجنيس كل سكان الإقليم واعتبارهم فنزويليين، واعتبار الإقليم أحد ولايات الدولة رسمياً، وأُضِيفَ إلى الخريطة المعتمدة للبلاد.

في المقابل تحرك رئيس جويانا عرفان علي، باتجاه حلفائه في بريطانيا والولايات المتحدة، وردت الأخيرة على الفور بإعلانها من خلال سفارتها في جورجتاون عن إجراء مناورات جوية مشتركة مع جويانا في إطار رفع الجاهزية والعمليات الروتينية لتعزيز الشراكة الأمنية" مع حليفتها.

وهدأ التوتر قليلاً، بعد إعلان فنزويلا وجويانا منتصف ديسمبر، في ختام قمّة بحثت سبل نزع فتيل التوتر أنّهما اتّفقتا على عدم "استخدام القوة ضد بعضهما البعض" في النزاع الحدودي.

جويانا.. صراع عمره 124 عاماً

تعود جذور النزاع الحدودي بين فنزويلا وجويانا إلى أوائل القرن الـ19، عندما احتجت فنزويلا التي كانت مستقلة حديثاً في ذلك الوقت، على أن المستعمرة المجاورة (جويانا البريطانية) كانت تتعدى على أراضيها عبر إعادة رسم الخرائط بحدود أبعد بكثير إلى الغرب من تلك التي كانت موجودة عندما كانت فنزويلا تحت الحكم الإسباني، وهي حجة أدت عام 1887 إلى قطع مؤقت للعلاقات الدبلوماسية بين فنزويلا وبريطانيا.

وفي عام 1899 منح تحكيم دولي ضم قضاة روس وإنجليز وأميركيين أحقية ملكية الأراضي لبريطانيا، ووافقت فنزويلا آنذاك على نتيجة التحكيم.

وقال تشيفيجي جونزاليس المتخصص بالتاريخ الفنزويلي: "مع مرور الوقت استطاعت فنزويلا مراجعة شهادات بعض القضاة، وتبين أن التحكيم كان خدعة غير منصفة، وعام 1966 عشية إعلان استقلال جويانا عقد اتفاق في جنيف بين بريطانيا وفنزويلا ألغيت خلاله نتيجة تحكيم عام 1899، وتم وضع آلية لحل النزاع بشكل عادل للطرفين، واستمرت المفاوضات سنوات طويلة حتى أبريل 2023، حين قررت محكمة العدل الدولية أنها مؤهلة لإصدار حكم.

واعتبر تشيفيجي أن أي حل لهذا الملف لن يكون سهلاً خاصة في ظل تزايد نفوذ الولايات المتحدة في جويانا، وبسط سيطرتها على المناطق النفطية، وسعيها لبناء قاعدة عسكرية أيضاً، بالإضافة إلى أن العداء القديم بين البلدين يزيد التوتر بشأن الإقليم.

وأضاف: "الرئيسان بايدن ومادورو يتحركان، وفي أفقهم السياسي انتخاباتهم الرئاسية المزمع إجراؤها عام 2024، وبالنظر إلى بايدن، فهو لا يرغب في تزويد نظام مادورو بمزيد من حقول النفط والطاقة، ما يعرضه لانتقادات كبيرة، لذلك قرر المشاركة في مناورات عسكرية بالتنسيق مع جويانا، وفي الوقت ذاته طالب دول ذات علاقات جيدة مع كاراكاس، وعلى رأسها البرازيل بالتدخل لتهدئة الموقف وفرض التدابير الكفيلة بتحييد أي عمل عسكري".

وتابع تشيفيجي: "أما مادورو فقد نجح من خلال إثارة مسألة الأراضي المتنازع عليها في حشد الصفوف خلف مسألة تتعلق بالوحدة الوطنية، ما أدى إلى انقسام المعارضة وإرباكها وجعلها تلتف حول زعامته لأول مرة منذ وصوله للسلطة، ولن يتنازل عن هذا الإنجاز قبل ترجمته في صناديق الاقتراع".

اقتصاد جويانا

في الماضي كان اقتصاد جويانا ضعيفاً قائماً على بعض الزراعات مثل السكر الذي كان يعمل به القادمون من إفريقيا، وفي عام 1834 بعد إلغاء العبودية، بدأت بريطانيا في استيراد يد عاملة جديدة خصوصاً من مستعمراتها الهندية، واستمرت بذلك حتى بداية القرن الـ19، وهو ما يفسر أن المجموعة الأكبر من أبناء جويانا حالياً من أصل هندي بنسبة 43% من السكان، ويسكنون في المناطق الريفية، تليها المجموعة الإفريقية التي تمثل حوالي 30%، ويقيمون في المناطق الساحلية.

وحصلت جويانا على استقلالها في ستينيات القرن الماضي بعد نضال خاضه "الحزب الشعبي التقدمي"، وانبثق عنه "مؤتمر الشعب الوطني"، وتداول الحزبان السلطة في انتخابات لم تكن دائماً نموذجية.  

ومنذ بداية 2015 سطع نجم جويانا وتحديداً عقب اكتشاف شركة "إكسون موبيل" الأميركية النفطية العملاقة كميات كبيرة من احتياطي النفط والغاز قرب سواحل جويانا.

وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن جويانا لديها احتياطيات تزيد على 11.2 مليار برميل من النفط وهو رقم قابل للزيادة، بالإضافة إلى حوالي 17 مليار قدم مكعبة من احتياطيات الغاز الطبيعي. وفي العام الماضي، شكل النفط ما يقرب من 88% من إجمالي صادرات البلاد.

"المرض الهولندي"

ومن المتوقع أن تظل البلاد واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً بمعدلات عالية، خاصة في عامي 2023 و2024 مع بدء تشغيل حقول نفط إضافية، وتوقعت شركة "BMI" أن يقفز إنتاج النفط في جويانا من 390 ألف برميل إلى أكثر من مليون برميل يومياً عام 2027، بالتزامن مع افتتاح حقول بحرية جديدة من قبل تحالف شركات تقوده "إكسون موبيل".

ويمنح هذا الوضع جويانا أعلى إنتاج نفطي للفرد في العالم، متقدمة على دول الخليج، لأن عدد سكانها 800 ألف نسمة فقط. 

ويرى بيدرو جويدز الخبير في الاقتصاد والعلاقات الدولية أنه يمكن للموارد الطبيعية الوفيرة أن تؤدي إلى نمو اقتصادي ضخم. ومع ذلك في العديد من البلدان النامية تتحول أوضاعها من سيء إلى أسوأ مع اقتصادات وديمقراطيات أضعف. وهو ما يسمى لعنة الموارد أو "المرض الهولندي"، والتي تصيب العديد من البلدان في مختلف أنحاء أميركا اللاتينية وخارجها.

واكتشاف النفط في جويانا يجعل احتمال حدوث لعنة الموارد مصدر قلق بالغ للبلاد مع تدفق عائدات النفط وزيادة الأطماع الدولية.

وأضاف أن الاتفاقيات التي وقّعتها الإدارة السابقة في جويانا عام 2016 لتقاسم أرباح النفط مناصفة مع "إكسون موبيل" تؤيد نظريته، فبالنسبة لجويانا 75% من الإيرادات تذهب أولًا لتغطية تكاليف شركات النفط. وهذا ما يجعل البلاد تمتلك 12.5% فقط من الإنتاج، ويزداد نصيب البلاد عندما تنخفض تكاليف التطوير، وهو ما قد يستغرق عدّة سنوات.

ولا تحتاج جويانا إلى النظر بعيداً لترى أثر مثل هذه الأزمات، إذ يمكنها النظر إلى اقتصاد فنزويلا المجاورة، التي يمثل النفط أكثر من 75% من إجمالي صادراتها، وشهدت في 2014، تدهوراً أوصل التضخم إلى أكثر من 65000%.

تصنيفات

قصص قد تهمك