تنضم مصر رسمياً إلى مجموعة "بريكس" مع بداية عام 2024، وهي خطوة يعتبرها خبراء "مهمة" في سبيل الإصلاح الاقتصادي، وبالتالي المساعدة على تقليل الطلب على الدولار.
وتشهد مصر أزمة في توفير العملة الصعبة، منذ سنوات، مع تفاقم معدلات التضخم خلال العامين الأخيرين، وحرّرت القاهرة عملتها ثلاث مرات منذ مارس 2022 حتى يناير الماضي، ما دفع سعر الجنيه المصري إلى الانخفاض أمام الدولار بنحو 25% خلال عام 2023، وبنحو 50% منذ مارس 2022.
واستطلعت "الشرق" آراء عدد من الخبراء الاقتصاديين ومسؤولين مصريين بشأن تأثير انضمام إلى "بريكس" على الأوضاع الاقتصادية في مصر.
وكانت مجموعة "بريكس" قد دعت في أغسطس الماضي، 6 دول إلى العضوية بدءاً من يناير 2024، وهي مصر والسعودية والإمارات وإيران والأرجنتين وإثيوبيا.
ما الفائدة من "بريكس"؟
في عام 2006، اتفقت البرازيل وروسيا والهند والصين على تشكيل مجموعة اقتصادية وسياسية تعرف بـ "بريك"، باستخدام الحرف الأول من اسم كل دولة. وفي عام 2010 انضمت جنوب إفريقيا إلى هذه المجموعة، مما أدى إلى تغيير اسمها إلى "بريكس".
ويرى محمود محيي الدين، المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، أن الفائدة الكبيرة تكمن في الإعلان عن تنسيق بين الدول الخمسة (الصين والهند وجنوب أفريقيا وروسيا والبرازيل)، والدول الجديدة المنضمة، اعتباراً من يناير الجاري، مشيراً إلى أن "بريكس"، "منظومة عالمية جديدة مختلفة عن المنظومة الموجودة حالياً".
وأضاف محيي الدين، في تصريحات لـ"الشرق"، أنه تم الاتفاق على أن يكون التنسيق الدول في "بريكس" فعّالاً ومؤثراً، خاصة في مؤسسات المال الدولية.
ويوضح محي الدين، أن دول "بريكس" تولي اهتماماً كبيراً لمستقبل النظام النقدي العالمي، مشيراً إلى أن هذا الموضوع يختلف عندما يتحدث الناس عن النظام المالي العالمي، حيث يرتبط بمستقبل مؤسسات مالية كبيرة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية الإفريقي، فضلاً عن مؤسسات القطاع الخاص.
واعتبر محيي الدين، أن وجود مصر في هذا التجمع "سيخلق فرصاً جيدة"، سواء من خلال التنسيق ككتلة أو مجموعة، لافتاً إلى أن هناك أيضاً فرصاً للحوارات الثنائية على هامش هذه اللقاءات. وتركز "بريكس" على مستوى القمة المؤسسية، ولكن هناك أيضاً جهود تحضيرية يشارك فيها وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية والمؤسسات ذات الصلة بالنمو والتنمية.
ويؤكد أن هذا "يفتح مجالاً جديداً للتعاون، مع زيادة الفرص لفهم المجالات المختلفة للتطوير وتعزيز الاقتصاد والاستثمار في العنصر البشري، وضمان استثمار فعّال في البنية التحتية، وتعزيز فرص التصدير وغيرها من المبادرات".
استخدام العملات المحلية
واعتبر رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، فخري الفقي، أن انضمام مصر إلى "بريكس" سيسهم في زيادة التبادل التجاري مع مصر، خصوصاً مع إمكانية استخدام مصر لمبادلة العملة، مما يسهل التجارة والتبادل بالعملات المحلية.
ويوضح الفقي خلال تصريحاته لـ"الشرق"، أن مصر، كعضو في "بريكس +"، الذي يشمل 11 دولة بعد انضمام 6 دول، يمكنها الآن إجراء مبادلة العملة. كمثال، وقعت مصر اتفاقية مقايضة بين الجنيه المصري والدرهم الإماراتي بقيمة اسمية تصل إلى 42 مليار جنيه مصري و5 مليارات درهم إماراتي (1.4 مليار دولار). ويتوقع الفقي توقيع المزيد من الاتفاقيات خلال الفترة المقبلة.
ومثل الناتج المحلي الإجمالي لدول مجموعة "بريكس" حوالي 29% من الاقتصاد العالمي في عام 2023، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، وذلك بعد موافقة التكتل على توسيع عضويته.
وتشير المعلومات إلى وجود حوالي 40 ألف شركة تابعة للدول الخمس المؤسسة لـ "بريكس" في مصر. ومن المتوقع أن يزيد هذا العدد بشكل ملحوظ مع تنفيذ خطط التعاون الاستثماري بين الدول الأعضاء، وفقاً لمسؤول في الهيئة العامة للاستثمار في مصر.
تقليل الطلب على الدولار
ويشرح هاني محمود، نائب أول رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، كيف سيؤثر انضمام مصر لـ"بريكس" على الطلب على الدولار في السوق المصرية.
واعتبر محمود في تصريحات لـ"الشرق"، أن دخول مصر في "بريكس" هو "خطوة هامة" في سياق الإصلاح الاقتصادي داخل مصر، حيث يشير إلى أن وجود مصر في هذا التكتل سيساعد على تقليل الطلب على الدولار.
ويوضح محمود أنه من خلال "بريكس" سيتم التعامل بالعملات المحلية بين مصر وهذه الدول، ويشير إلى أن حجم الميزان التجاري مع هذه الدول كبير جداً، مثل الصين والهند وجنوب إفريقيا، وسيجعل انضمام مصر يقلل من الطلب على الدولار.
ويشير إلى أن هذا الأمر سيؤدي إلى تخفيض في سعر الدولار، وفي نفس الوقت قد يسهل بعض الاتفاقيات الجمركية والضريبية بين البلدان، مما يساهم في تخفيف الأسعار.
وفيما يتعلق بالتبادل التجاري بين مصر ودول التكتل بعد توسعه، فقد مثّل نحو ثلث حجم تجارة مصر مع دول العالم، حسب بيانات صندوق النقد الدولي، وزادت صادرات مصر إلى دول "بريكس" بنسبة 5.3% في العام الماضي، لتبلغ 4.9 مليار دولار، في حين زادت الواردات 11.5% للعام نفسه لتصل إلى 26.4 مليار دولار.
"استثمارات مباشرة"
جمال عبد الجواد، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، اعتبر أن عضوية مصر في "بريكس" تمثل "أهمية كبيرة للاقتصاد المصري"، لأنها "تعزز العلاقات مع أطراف اقتصادية تمثل نصف الناتج المحلي الإجمالي في العالم".
وتوقع عبد الجواد، خلال تصريحاته لـ"الشرق"، أن "يفتح انضمام مصر فرصاً لتعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية مع جميع دول أعضاء بريكس"، مشيراً إلى أن "هذه العلاقات موجودة من قبل، ولكن بريكس سيفتح قنواتٍ جديدة لتعزيز هذه العلاقات".
وقال عبد الجواد: "ستفتح إمكانيات لإدارة علاقات التبادل التجاري بشروط تفضيلية أكثر، بما في ذلك نوع العملات المستخدمة في بريكس. ويشير ذلك إلى أهمية الاستثمار، حيث تسعى مصر للحصول على أكبر قدر من الاستثمارات المباشرة".
ووفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، فإن حجم التجارة الذي تمتلكه الدول الـ11 المتوقعة أن تكون ضمن مجموعة "بريكس" استحوذ في عام 2022 على نحو خمس من حجم تجارة العالم. وتحتل الصين نصيباً كبيراً من هذا الحجم بقيمة تجارة تبلغ 5744 مليار دولار، ما يعادل نحو 11.6% من حجم التجارة العالمية.
وفيما يتعلق بالتبادل التجاري بين مصر ودول التكتل بعد توسعه، فقد مثل نحو ثلث حجم تجارة مصر مع دول العالم، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.