تواصلت حالة الجدل في مصر بعد قرار مجلس الشيوخ (إحدى غرفتي البرلمان)، رفض مشروع قانون التعليم الجديد الخاص بالثانوية العامة "النظام التراكمي" المقدم من وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، الذي اعتبره عدد كبير من أعضاء لجنة التعليم بمجلس الشيوخ، "عبئاً على شريحة كبيرة من المجتمع"، كما أنه مشوب بشبهة "عدم الدستورية" (القانون لا يتوافق مع الدستور).
ويهدف مشروع القانون المقدم من خلال الحكومة، إلى تعديل نظام الثانوية العامة ليصبح تراكمياً على 3 سنوات، بحيث يحتسب المجموع الكلي للشهادة على أساس ما يحصل عليه الطالب من درجات فى نهاية كل سنة دراسية، بدلاً من احتساب درجات السنة الثالثة فقط المعمول به حالياً. وتسمح التعديلات التي رفضها المجلس، للطالب بأداء الامتحان أكثر من مرة في نهاية كل سنة دراسية، لتحسين درجاته بعد سداد رسوم مالية.
"توتر لمدة 3 سنوات"
وشهدت الجلسة العامة التي عقدها مجلس الشيوخ، الاثنين الماضي، لمناقشة مشروع القانون، رفض التعديلات من حيث المبدأ، بعد جدل واسع تحت القبة، مقابل دفاع شديد من الوزير طارق شوقي، عن فلسفة التعديلات.
النائب نبيل دعبس، رئيس لجنة التعليم والبحث العلمى بمجلس الشيوخ، أعلن أثناء المناقشات رفض اللجنة مشروع القانون، وقال إن تطبيق النظام التراكمي "لا يتناسب مع ظروف الأسرة المصرية، ويضعها تحت ضغط نفسي وعصبي"، وقال: "أولياء الأمور سيعيشون في توتر لمدة 3 سنوات إذا أخذنا بنظام الثلاث سنوات".
في المقابل، دافع الوزير عن مشروع القانون، قائلاً: "هدفنا تقديم تعليم حقيقي، نحاول تطوير التعليم، وألا يتحول نظام الثانوية العامة والتعليم لبعبع مفزع للطلاب".
ورداً على رفض مشروع القانون، أضاف: "لو عايزين نساعد الدولة تتقدم أهلاً وسهلاً، لكن مش بالكلام ده (رفض القانون) هيحصل التقدم"، الأمر الذي أدى إلى تعالي الأصوات في القاعة رفضاً لحديث الوزير، ما دفع رئيس المجلس للتدخل.
"ليس رفضاً للتطوير"
وقال النائب محمد يحيى، عضو مجلس الشيوخ وعضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، إن الوزير طارق شوقي يبذل جهوداً كبيرة لتطوير التعليم ليصبح متواكباً مع التطور العالمي، موضحاً أن مجلس الشيوخ ليس ضد تطوير التعليم لأنه بالفعل يحتاج إلى تطوير.
وأضاف في تصريحات لـ"الشرق"، أن رفض المجلس ليس لتطوير عملية التعليم، بل رفض تعديل إحدى المواد الخاصة بالتقييم على جهاز الحاسب اللوحي "تابلت"، ورفض التراكمية، وكذلك رفض أداء الامتحان أكثر من مرة بهدف تحسين المجموع برسوم مالية تصل إلى 5 آلاف جنيه لكل مادة.
شبهة "عدم دستورية"
واعتبر يحيى أن أداء الامتحان أكثر من مرة به شبهة "عدم دستورية"، لأن مشروع القانون لا يحقق تكافؤ الفرص بين الطلاب، موضحاً: "لو أن هناك ولي أمر قادر على دفع الرسوم لتحسين مجموع نجله، فهناك من لا يستطيع، وهذا مخالف للدستور الذي ينص على أن التعليم حق لكل مواطن وتكفل الدولة مجانيته".
العدالة في التعليم
وقال النائب محمود تركي، عضو المجلس، إن التعديلات المقترحة لا تضمن العدالة الاجتماعية بين الطلاب، موضحاً: "لسنا ضد تطوير التعليم، لكن يجب أن يكون الهدف تحقيق فرص متساوية للجميع، بينما مشروع القانون يميز بين الطلاب، وهذا مخالف للدستور".
وأضاف في تصريحات لـ"الشرق": "بعض الأسر لا تتحمل أعباءً مالية إضافية، خاصة أن الثانوية العامة تشكل عبئاً مالياً على الأسر، بسبب الدروس الخصوصية، ولذلك يجب ألا تكون الثانوية العامة بنظام 3 سنوات، ويكفي أن يكون عاماً واحداً حتى لا تشكل ضغطاً على الغلابة".
وطالب تركي، بضرورة دراسة التعديلات بشكل جيد، لإقرار تشريع كامل يواجه كافة مشكلات التعليم، معتبراً أن المشكلة ليست في الامتحان ولكن في ما يسبقه من إعداد الطالب.
"مجهود جبار"
من جانبه، قال الوزير طارق شوقي، إن الحكومة تعمل بأقصى جهد لتطوير العملية التعليمية ككل وليس الثانوية العامة فقط كما يروّج البعض، مشيراً إلى أن تطوير امتحانات الشهادة الثانوية مهم لأنها تؤهل الطالب لدخول الجامعة، واعتبر أن الوزارة بذلت "مجهوداً جباراً" لتطوير نظام التعليم والثانوية.
مكافحة الغش
وأضاف شوقي في تصريحات خاصة لـ"الشرق"، أن "تطوير التعليم لا يكمن في تغيير نوع الامتحان أو تحويله من ورقي إلى إلكتروني، لكن الهدف هو عدم تسريب الامتحان ومكافحة الغش، لأن الامتحانات الإلكترونية تحقق العدالة بين الطلاب".
"العدالة غير مطبقة"
ورد شوقي على ما أثير بشأن عدم دستورية مشروع القانون، بقوله إن رسوم إعادة الامتحان لتحسين المجموع، قليلة جداً وليست طائلة، معتبراً أن المواد المتعلقة بمجانية التعليم في الدستور غير مطبقة على أرض الواقع، بسبب ما يدفعه أولياء الأمور في الدروس الخصوصية.
وتابع: "البعض اختزل التعديلات في الرسوم فقط، وهذه ليست الفكرة من الأساس، بدليل ما تنفقه الدولة على تطوير التعليم، وعلى سبيل المثال توفير أجهزة (تابلت) مجاناً".