مصر تسجل أقل معدل نمو سكاني في 50 عاماً.. الدلالات والأسباب

ازدحام في أحد شوارع العاصمة المصرية القاهرة. 10 فبراير 2020 - Reuters
ازدحام في أحد شوارع العاصمة المصرية القاهرة. 10 فبراير 2020 - Reuters
القاهرة -الشرق

أعلنت مصر، البلد الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم العربي، تسجيل أقل معدل للنمو السكاني خلال 50 عاماً، إذ انخفض من 2.6% في عام 2017، إلى 1.4% في 2023.

وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، فإن التعداد السكاني الحالي يتجاوز 106 ملايين نسمة بقليل.

وتضمّن التقرير عرضاً شاملاً من المرصد الديموغرافي أوضح أن عدد المواليد خلال عام 2023 بلغ نحو 2 مليون مولود، منخفضاً بمقدار 15% مقارنة بعام 2018، و7% مقارنة بـ2022.

وفيما يحصي خبراء العوامل التي تقف وراء ما وصفوه بـ"الإنجاز السكاني"، يقلل بعضهم من تأثير السياسات الحكومية على تراجع معدلات المواليد، ويُعزون الأرقام المعلنة إلى أسباب أخرى، من بينها "ارتفاع حالات الطلاق، وتراجع معدلات الزواج، والضغوط الاقتصادية التي أثقلت كاهل الأسر، والتي اختارت إلغاء أو إبطاء خططها للإنجاب".

وأعلنت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية، في بيان رسمي، تحقيق "نجاحات كبيرة" في خفض معدلات النمو السكاني، بنحو 46% في الفترة من 2017 إلى 2023.

وأوضحت الوزارة أن هذه المعدلات انخفضت من 2.6% في تعداد 2017 إلى 1.4% عام 2023، كما انخفضت بنسبة 10% بين عامي 2022 و2023، إذ وصلت العام الماضي إلى 1.4%، وهي أقل معدلات نمو الزيادة السكانية خلال الـ50 عاماً الأخيرة.

وعزا البيان هذه النتائج إلى "جهود الدولة المصرية في خفض معدلات النمو السكاني، إذ اتخذت عدداً من الخطوات، على رأسها المشروع القومي لتنمية الأسرة، فقد أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية في فبراير 2022، بهدف الارتقاء بجودة حياة المواطن والأسرة بشكل عام من خلال ضبط معدلات النمو المتسارعة وغير المنضبطة، والارتقاء بخصائص السكان".

وكانت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، قد توقعت مطلع العام الماضي، أن يصل إجمالي عدد السكان في مصر إلى 158.8 مليون نسمة بحلول عام 2050، مقابل 109.3 مليون عام 2021، بمتوسط زيادة يتراوح بين 1.7 مليون، و1.8 مليون فرد سنوياً.

"مناسبة للحالة المصرية"

ويستبعد خبير السكان ودراسات الهجرة الدكتور أيمن زُهري، أن يكون لجهود الدولة المباشرة في تنظيم الأسرة "تأثير يُذكر في هذا الانخفاض"، متحدثاً عن أن الدافع الاقتصادي ربما يكون هو السبب الأكبر في انخفاض معدلات المواليد، وبالتالي انخفاض معدلات الزيادة الطبيعية للنمو السكاني".

ويصف زُهري، في حديثه لـ"الشرق"، النسبة المعلنة لانخفاض معدل النمو السكاني بأنها "جيدة، ومناسبة للحالة المصرية".

أما عن الأسباب، فيقول إن مصر شهدت خلال الفترة التي أعقبت 2011 ارتفاعاً في معدل النمو السكاني بلغت 3.5 مولود حي لكل أنثى في المتوسط بين عامي 2012 و2013، قبل أن تتجه الأمور إلى الانخفاض في معدلات الزيادة خلال السنوات العشر الأخيرة.

وتابع: "لا يمكن أن يُعزى هذا الانخفاض المعلن إلى سبب واحد فقط، فالظواهر الاجتماعية تتغير بالعديد من الأسباب".

وأوضح زُهري أن هذه الأسباب تشمل "ارتفاع معدل الوفيات نسبياً، وخاصة خلال فترة جائحة كورونا، من نحو 600 ألف سنوياً إلى حدود 700 ألف، وانخفاض معدلات الزواج السنوية، فبعدما اقتربت من مليون زيجة سنوياً، تراجعت بنحو 10% ما أدى إلى انخفاض أعداد المواليد بالنسبة نفسها".

ولفت كذلك إلى "ارتفاع حالات الطلاق، والضغوط الاقتصادية التي عاناها المواطنون خلال الفترة الأخيرة، ما جعلهم ينظرون إلى الإنجاب باعتباره عبئاً كبيراً، فقرروا تأجيل هذه الخطوة، بالإضافة إلى عزوف كثير من الشباب المتزوجين عن الإنجاب كظاهرة عالمية، لأن الجيل الحالي أصبح أكثر ذاتية ورغبة في تحقيق الذات، وخاصة الفتيات، ما يؤثر في معدلات المواليد الجدد".

المعدل صفر

وتعليقاً على تراجع معدلات النمو السكاني في مصر، يقول المقرر السابق للمجلس القومي للسكان الدكتور عاطف الشيتاني، إن "الدولة المصرية تهدف إلى الوصول إلى المعدل صفر في نسبة الزيادة، لتتساوى نسبة المواليد مع الوفيات سنوياً، فيما يُعرف باسم (معدل الإحلال)".

وأوضح الشيتاني لـ"الشرق"، أنه "سيكون من الصعب على مصر الوصول إلى هذه المعادلة بحلول عام 2030، واصفاً المهمة بأنها "التحدي الأكبر أمام صانعي السياسات في الملف السكاني بمصر".

ودعا المقرر السابق للمجلس القومي للسكان في مصر إلى وضْع "استراتيجية السكان" المعلنة في القاهرة عام 2023، قيد التنفيذ مع تحديد معايير ومؤشرات قابلة للقياس، وأن تخضع للتقييم والمساءلة بشكل دوري، كل 3 أو 4 سنوات.

ارتفاع تكلفة الزواج والمعيشة

بدوره، قال أستاذ الاجتماع السياسي بالجامعة المصرية اليابانية الدكتور سعيد صادق، لـ"الشرق"، إن مصر تدخل مرحلة تتراجع فيها معدلات الإنجاب والوفيات معاً.

وأرجع سعيد انخفاض معدل النمو السكاني إلى أسباب عدة من بينها: "ارتفاع تكاليف وسن الزواج، وزيادة معدلات الطلاق والبطالة، وارتفاع كلفة المعيشة، بالإضافة إلى تدنّي الأجور، وتفضيل الجيل الجديد من الأزواج إنجاب عدد أقل من الأطفال، وكذلك حملات تنظيم الأسرة".

وأشار إلى أن "انخفاض معدل الإنجاب مؤشر جيد للتنمية على المدى البعيد في ضوء المصادر الطبيعية المصرية، وهذا يتطلب تطوير الخصائص الاجتماعية للسكان بزيادة الاستثمار في التعليم والصحة".

محور منظومة القيم 

من جهتها، أكدت وزيرة التخطيط المصرية هالة السعيد، أن المشروع القومي لتنمية الأسرة يقوم على مدخل تنموي في معالجة القضية السكانية، ويستهدف تحسين خصائص السكان بشكل رئيسي.

وأضافت السعيد أن "ما تحقق من خفض في معدلات النمو السكاني يأتي نتيجة توافر كل جهود الوزارات العاملة على ملف القضية السكانية، فضلاً عن زيادة الوعي لدى المواطن المصري بضرورة تنظيم عملية الإنجاب بما يسهم في تحسين أوضاعه المعيشية".

كما وجهت بـ"سرعة استحداث محور منظومة القيم الأخلاقية والاجتماعية، تنفيذاً لتوجيهات الرئيس السيسي الأسبوع الماضي في احتفالية المرأة المصرية".

وفي عام 2019، أطلقت الحكومة المصرية حملة لتنظيم الأسرة في محاولة لتغيير التقاليد المتجذرة في الريف المصري بشأن الأُسر الكبيرة.

وقبل عقود كان لدى مصر برنامجاً لتنظيم الأسرة، بدعم من الولايات المتحدة. وهوى معدل الإنجاب من 5.6 طفل عام 1976 إلى 3 أطفال في 2008، في حين ارتفع استخدام وسائل منع الحمل من 18.8% إلى 60.3%.

ووفرت السلطات حينها كميات هائلة من وسائل منع الحمل، وزادت الإعلانات التي تحث على الحد من المواليد.

تصنيفات

قصص قد تهمك