هل يهدد انخفاض معدل الخصوبة أكبر بلد من حيث عدد السكان؟

time reading iconدقائق القراءة - 9
ازدحام مروري خانق على الطريق السريع الرابط بين دلهي-جايبور في جورجاون، الهند. 25 أبريل 2023 - AFP
ازدحام مروري خانق على الطريق السريع الرابط بين دلهي-جايبور في جورجاون، الهند. 25 أبريل 2023 - AFP
دبي-الشرق

يبدو أن الهند لم تعد بمنأى عن الضغوط الديمغرافية التي تضرب الاقتصادات الآسيوية "المسنة" مثل الصين واليابان، إذ أظهر تقرير جديد لمعهد القياسات الصحية والتقييم، انخفاض معدل الخصوبة الإجمالي في البلد ذو الكثافة السكانية الأعلى في العالم. 

وتراجع هذا المعدل الذي يقيس متوسط عدد المواليد لكل امرأة من نحو 6.2 في عام 1950، إلى أقل بقليل من 2 في 2021، ومن المتوقع أن ينخفض بشكل أكبر إلى 1.29 بحلول 2050، و1.04 بحلول 2100.

ويمكن لهذه التغيرات في حال عدم التعامل معها، أن تسفر عن تداعيات كبيرة مع تقلص عدد السكان العاملين في ظل توسع الفئات العمرية الأكبر سناً.

وذكرت الدراسة التي نشرتها مجلة "ذا لانسيت" العلمية، أن الهند انخفضت بالفعل إلى ما دون "مستوى الاستبدال" المطلوب من السكان لكي يستبدلوا جيلاً بآخر.

وفي عام 2021، بلغ معدل الخصوبة الإجمالي في الهند 1.91 طفل لكل امرأة، وهو أقل من مستوى الإحلال الضروري للخصوبة البالغ 2.1.

وبالنسبة لصانعي السياسات في نيودلهي، يقول الخبراء إن الانخفاض السريع في الخصوبة إلى جانب الزيادة في متوسط العمر المتوقع سيشكلان العديد من التحديات، مثل توفير الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية الكافية لكبار السن وخلق فرص عمل لهم.

ويمكن أن تؤدي الاختلالات الاجتماعية، مثل فجوة الثروة والتفضيل المستمر للأطفال الذكور على البنات، إلى تفاقم المشكلة.

خصوصيات داخلية

وقالت بونام موتريا رئيسة مؤسسة السكان الهندية، في بيان: "في حين أنه لا يزال أمام الهند بضعة عقود للتعامل مع هذه التحديات، إلا أننا بحاجة إلى البدء في العمل الآن بنهج شامل للمستقبل".

وسيكون خلق البيئة إلى جانب إصلاحات الضمان الاجتماعي ومعاشات التقاعد، ضرورياً أيضا للتكيف مع آثار انخفاض معدلات الخصوبة والتخفيف من آثارها.

وعلى الرغم من انخفاض معدل الخصوبة في البلاد، تتوقع الأمم المتحدة أن يرتفع عدد سكان الهند إلى أكثر من 1.6 مليار نسمة بحلول عام 2050. وبينما يعاني عدد كبير من السكان من مشاكله الخاصة، ركز صناع السياسات منذ فترة طويلة على الفوائد الاقتصادية الهائلة التي ستجنيها الهند من تزايد أعداد الشباب بسبب ما يسمى بـ "العائد الديموغرافي".

ولا تزال البلاد شابة نسبياً، إذ يبلغ متوسط العمر أقل قليلاً من 30 عاماً، ولكن الضغوط مستمرة لتعظيم هذه الميزة قبل أن تقع الهند في ما يعرف بـ"فخ الدخل المتوسط". وهو عندما تعاني الاقتصادات التي كانت نشطة ذات يوم من الركود قبل أن تصل إلى وضع الدخل المرتفع.

ويخشى بعض الخبراء أن الاتجاه العام لمعدل الخصوبة لن يؤدي إلا إلى تفاقم الفجوة بين الأغنياء والفقراء الذين يميلون إلى إنجاب المزيد من الأطفال.

وحذر الخبير الاقتصادي آرون كومار، من أن "ارتفاع معدلات البطالة إلى جانب الافتقار إلى التعليم الجيد بين المهمشين الذين لديهم أطفال أكثر من الأغنياء سيخلقان كارثة ديمغرافية لن تسمح للهند بجني ثمار سكانها الشباب".

وأضاف كومار أن انخفاض الخصوبة سيكون أكثر انتشاراً في الولايات الهندية الأكثر ثراء، في حين ستستمر الأقل ثراء في إنجاب المزيد من الأطفال.

وأوضح في هذا الصدد: "ترتفع معدلات وفيات الأطفال لدى الفقراء بسبب نقص التغذية، وانخفاض مستوى التعليم لدى الآباء، وعدم إمكانية الوصول إلى المرافق الطبية الجيدة. ويؤدي هذا إلى انعدام الأمن بين الأسر، فتميل إلى إنجاب 5 أطفال في المتوسط - مقابل طفل أو اثنين لدى الأغنياء على أمل أن ينجو طفل واحد على الأقل".

ويمكن أن تؤدي هذه الفروقات إلى اختلالات صارخة في التوازن بين المناطق والقطاعات المختلفة من السكان، بحسب كومار الذي أشار إلى أن هذا التحول الديمغرافي، ما لم تتم معالجته على الفور، سيضغط بشكل متزايد على برامج الضمان الاجتماعي والبنية التحتية للرعاية الصحية في البلاد.

ويقول الخبراء إن هناك مجموعة من العوامل الأخرى وراء انخفاض الخصوبة.

وتعتبر السمنة والإجهاد والتدخين والتلوث من العوامل التي تساهم في تدهور الصحة الإنجابية، وأظهرت الأبحاث التي أجرتها شركة الرعاية الصحية "نوفا"، أن معدل الخصوبة العام في الهند انخفض بنسبة 20% خلال 10 سنوات، مع إصابة حوالي 30 مليون شخص بالعقم.

آثار بعيدة المدى

وتتمثل عواقب انخفاض الخصوبة في الزيادة الحادة في نسبة كبار السن بين السكان. وفي هذا الصدد تقول عميدة الشؤون الأكاديمية في معهد "جوخالي" للسياسة والاقتصاد، أنجالي رادكار، إنه "بحلول عام 2050، ستصل نسبة كبار السن في الهند إلى أكثر من 20%، أي واحد من كل 5 أشخاص".

وتضيف رادكار: "هذا هو واقع الصين حالياً بالفعل نتيجة لسياسة الطفل الواحد".

وتتوقع المديرة التنفيذية لمؤسسة السكان في الهند بونام موتريا، تحديات مثل نقص القوى العاملة والاختلالات الاجتماعية المحتملة بسبب التفضيلات بين الجنسين.

وتضيف: "يتعين علينا أن نتعلم من الدول الاسكندنافية مثل السويد والدنمارك، التي تتعامل مع هذه التحديات من خلال دعم الأسر الجديدة. إنهم يوفرون رعاية للأطفال بأسعار معقولة، ويستثمرون في الرعاية الصحية، ويتخذون مبادرات واسعة النطاق لتعزيز مشاركة الذكور في بناء المساواة بين الجنسين". 

لكي تتمكن المرأة من إدارة حياتها المهنية مع الأمومة، سيكون من الأهمية بمكان أن يتحمل الرجل مسؤولية أكبر في الأعمال المنزلية والرعاية.

وترى موتريا أن السياسات الاقتصادية التي تحفز النمو وخلق فرص العمل، إلى جانب إصلاحات الضمان الاجتماعي ومعاشات التقاعد، ستكون ضرورية أيضاً للتكيف مع آثار انخفاض معدلات الخصوبة والتخفيف من آثارها.

وهناك بعد اقتصادي أيضاً. ومع التنمية، انعكس اتجاه تدفق الثروة بين الأجيال. وتقول رادكار: "هذا يعني أن الآباء الآن لا يحصلون على الكثير من الفوائد من أطفالهم بالطريقة التي اعتادوا عليها. وقد أثر هذا على قرارهم بإنجاب طفل إضافي ما قد ينطوي على تكلفة كبيرة لتربيتهم.

وتقول عميدة الشؤون الأكاديمية في معهد "جوخالي" للسياسة والاقتصاد، أنجالي رادكار: "لذا كان انخفاض الخصوبة هذا أمراً لا مفر منه وكنا نتصوره منذ بعض الوقت".

ومن الواضح أن العامل المهم الآخر كان ارتفاع معدل معرفة القراءة والكتابة بين الإناث ومشاركة المرأة في القوى العاملة. إن الوعي الوظيفي والعوائد المالية والاستقلال الاقتصادي يعني أن النساء يعيدن النظر في خياراتهن لإنجاب طفل ثان.

وفي المناطق الحضرية، لا تعتبر العديد من النساء تربية الأطفال مهمة لا بد منها، وبدلاً من ذلك يخترن عدم إنجاب الأطفال على الإطلاق، بل ويفكرن في خيارات مثل التبني. وينتشر هذا النمط إلى المناطق الريفية في الهند أيضاً.

اتجاه عالمي

ووفقاً للتقرير، فإن الهند ليست حالة شاذة، بل هي جزء من الاتجاه الهبوطي العالمي في معدلات الخصوبة التي تراجعت إلى 2.2 في المتوسط خلال 2021، مقارنة مع 4.5 في 1950. ومن المتوقع أن ينخفض المعدل العالمي إلى 1.8 في عام 2050 و1.6 في عام 2100.

ووفقاً للدراسة، فإن انخفاض معدلات الخصوبة يتأثر أيضاً بعوامل مثل التحولات الشديدة في التوزيع العالمي للمواليد الأحياء بسبب تحسن تعليم الإناث والاستخدام المتزايد لوسائل منع الحمل الحديثة.

وتشير تقديرات الدراسة إلى أنه بحلول عام 2050، ستكون 155 دولة من أصل 204 دولة تحت مستوى الإحلال للخصوبة، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 198 دولة بحلول عام 2100.

وأورد التقرير أنه "بحلول عام 2100، ستكون معدلات الخصوبة المقدرة أقل من مستوى الإحلال في أكثر من 95% من دول وأقاليم العالم، لكن التفاوتات في المعدلات ستظل قائمة".

ووحدها ساموا والصومال وتونغا والنيجر وتشاد وطاجيكستان ستسجل معدلات خصوبة متوقعة تتجاوز مستوى الإحلال البالغ 2.1 مولود لكل أنثى في عام 2100.

وخلال القرن الحالي ستستمر معدلات الخصوبة في الارتفاع في البلدان النامية، خصوصاً تلك الموجودة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، رغم تباطؤ هذه الزيادة في الدول الأكثر ثراءً وشيخوخة، إذ من المتوقع أن عدد سكان ثلاثة أرباع بلدان العالم سيتقلص بحلول عام 2050.

وكانت هذه الدراسة بمثابة تحديث لدراسة العبء العالمي للأمراض التي أجراها معهد IHME. وأصبحت المنظمة، التي أنشأتها مؤسسة بيل وميليندا جيتس في جامعة واشنطن، مرجعاً عالمياً للإحصاءات الصحية.

تصنيفات

قصص قد تهمك