تنصيف بيتكوين Halving يدخل حيز التنفيذ.. ماذا يعني وما تأثيره؟

شعار البتكوين على أرضية مكتب لصرف عملات البتكوين في هونج كونج، الصين. 15 أبريل 2024 - AFP
شعار البتكوين على أرضية مكتب لصرف عملات البتكوين في هونج كونج، الصين. 15 أبريل 2024 - AFP
دبي-الشرق

لا تزال الآلية التي تركها ساتوشي ناكاموتو وهو الاسم الحركي للشخص أو المجموعة التي أطلقت "بتكوين" قبل نحو 14 عاماً، تحكم عالم العملة الرقمية عبر أدوات من بينها "التنصيف" Halving الذي دخل حيز التنفيذ، مساء الجمعة.

وانخفض سعر البتكوين بعد اكتمال التنصيف بنسبة 0.47٪ عند 63747 دولاراً، وتزامن هذه المرة مع المنحى الصعودي الذي تشهده العملة من حيث قيمتها، إذ قفزت إلى ما فوق مستويات 70 ألف دولار للوحدة للمرة الأولى منذ ظهورها.

وبدأت "بتكوين" ومعها باقي العملات المشفرة الأخرى، تكتسب قدراً من الموثوقية مع توجه العديد من المؤسسات المالية التقليدية إلى اعتمادها، فيما تتخذ السلطات التنظيمية بعدد من البلدان بعض الإجراءات لتنظيمها وهيكلة طريقة التعامل بها، وذلك في ظل المخاوف من استخدامها لأغراض غير قانونية مثل تمويل الإرهاب والجريمة المنظمة وتبييض الأموال.

وشهدت العملة الرقمية الأكبر من حيث القيمة السوقية، ارتفاع سعرها إلى مستويات قياسية في مارس الماضي، بعد الترخيص في الولايات المتحدة لبيع نوع جديد من المنتجات الاستثمارية هو "صندوق مؤشر" أو ما يعرف بـ (Exchange-traded Fund (ETF الذي يتبع سعر البتكوين، وبدورها أعطت هيئة مراقبة الأسواق البريطانية الضوء الأخضر لإدراج الأوراق المالية المدعومة بالعملات الرقمية في البورصة البريطانية.

وعملية "التنصيف" جزء أساسي من مسار هذه العملة الرقمية التي يراد لها أن تكون بديلاً للعملات التقليدية، ومع أنها عملية تقنية بالدرجة الأولى، إلا أنه عادة ما تكون لها آثارها على قيمتها السعرية وتحركاتها في السوق.

ما هي التكنولوجيا الأساسية للبتكوين؟

تتكون التكنولوجيا الأساسية للبتكوين، "سلسلة الكتل" (Blockchain)، من شبكة من أجهزة الكمبيوتر تسمى "العقد" (Nodes) التي تقوم بتشغيل برنامج بتكوين، وتحتوي على سجل جزئي أو كامل للمعاملات التي تحدث على الشبكة.

تحتوي كل عقدة كاملة على السجل الكامل للمعاملات على بتكوين، وتكون مسؤولة عن الموافقة على المعاملة أو رفضها في الشبكة. وللقيام بذلك، تقوم العقدة بإجراء فحص للتأكد من صحة المعاملة. وذلك عبر التأكد من أن المعاملة تحتوي على إعدادات التحقق الصحيحة، ولا تتجاوز الحجم المطلوب.

تتم الموافقة على كل معاملة على حدة. ويحدث هذا فقط بعد الموافقة على جميع المعاملات الموجودة في الكتلة. وبعد الموافقة، يتم إلحاق المعاملة بسلسلة الكتل الحالية، ويتم إرسالها إلى العقد الأخرى.

تؤدي إضافة المزيد من أجهزة الكمبيوتر (أو العقد) إلى سلسلة الكتل، إلى زيادة استقرارها، وإلى حدود 5 مارس 2024، كانت هنالك 18 ألفاً و830 عقدة تقوم بتشغيل البتكوين.

ويمكن لأي شخص المشاركة في شبكة البتكوين كعقدة طالما أن لديه مساحة تخزين كافية على جهازه لتنزيل سلسلة الكتل بأكملها وأرشيف المعاملات الخاصة بها، والأشخاص "العقد"، ليسوا بالضرورة جميعاً من "المعدنين".

ما آلية "التعدين" وكيف يعمل بيتكوين؟

تستخدم بتكوين نظام إثبات العمل Proof Of Work للتحقق من صحة معلومات المعاملة، ويُسمى بهذه الطريقة؛ لأن حل الرموز المشفرة يستغرق وقتاً وطاقة، وهو ما يعمل كدليل على إنجاز "العمل".

في هذا النظام، يستخدم الأفراد أجهزة الكمبيوتر أو أجهزة تعدين متخصصة للانضمام إلى شبكة البتكوين، حيث تعمل هذه الأجهزة كمعالجات للمعاملات ومدققين.

بمجرد امتلاء "الكتلة" (Block) بالمعاملات، يتم إغلاقها وإرسالها إلى قائمة انتظار التعدين، حيث يتنافس "المعدنون" (Miners) ليكونوا أول من يحل لغز التشفير الخاص بالكتلة.

وعندما يؤكد عمال المناجم شرعية المعاملات في الكتلة، فإنهم يفتحون واحدة جديدة (كتلة) ويحصلون على مكافأة مقابل عملهم، والتي تكون عبارة عن نسبة معينة من وحدة العملة الرقمية.

تسمح هذه العملية المتواصلة بإنشاء "سلسلة من الكتل" التي تحتوي على معلومات، ما يؤدي إلى إنشاء ما يعرف باسم Blockchain.

ومع كل "تنصيف"، يتم تخفيض مكافأة المساهمين في الشبكة بمقدار النصف، ما يؤدي إلى إبطاء وتيرة طرح عملات البتكوين الجديدة للتداول.

واعتباراً من مارس 2024، يتم تداول حوالي 19.65 مليون عملة بتكوين، ولم يتبق سوى حوالي 1.35 مليون فقط سيتم إصدارها عبر مكافآت التعدين.

التنصيف: حفاظ على عامل الندرة

لماذا التنصيف؟

نشأت البتكوين عام 2009، في أعقاب حركة "احتلوا وول ستريت" والأزمة الاقتصادية العالمية والسخط المصاحب على النظام المالي القائم. وكان أحد أهداف البتكوين المحورية هو خلق نظام مالي بديل لا دور فيه للبنوك المركزية، القادرة على طبع النقود وقتما شاءت، ما يؤدي في بعض البلدان إلى إفقار شعوب بأكملها بسبب التضخم المفرط. 

البتكوين، من وجهة نظر مبتكريها، هو عودة حديثة لقاعدة الذهب، حين كانت النقود تمثل معدناً ثميناً محدود الكمية، قبل أن تهجر الحكومات ربط عملاتها بالمعدن الثمين. لذلك، احتوى البتكوين على حد أقصى لعدد العملات المصدرة، وهو 21 مليون عملة، بحيث يصبح مثل الذهب، معدناً نادراً له كمية محدودة. 

ولتفادي التضخم، فإن سرعة تعدين هذه العملات الثمينة تزداد بطء مع الزمن، فكل 4 سنوات، يقل عدد العملات المصدرة إلى النصف، وبذلك فسعر العملة، نظرياً على الأقل، يصبح مستقراً أو يزداد ثمنه. ولأن كود البتكوين ثابت لا يتغير، فلا يوجد احتمالات للتقلبات العنيفة التي قد تشهدها العملات الورقية التقليدية.

هذه النظريات التي صاحب صعود البتكوين تفترض كلها أن تصير العملة الرقمية الأهم هي عملة للتداول اليومي، ووسيلة لشراء السلع والخدمات، مثلها مثل الدولار واليورو.

لكن هذا لم يتحقق على الإطلاق، وصار المستثمرون والمضاربون ينظرون إلى التنصيف كفرصة لجني الأرباح، إذ أن الندرة المتزايدة للبتكوين مع زيادة الطلب عليها ترفع أسعارها لمستويات غير مسبوقة. 

ماذا يعني التنصيف؟

يشير تعبير التنصيف إلى حدث مبرمج بالفعل يحدث في بروتوكول البتكوين بعد كل 210 ألف كتلة، أي كل نحو 4 سنوات، ويقوم على خفض المكافأة التي يحصل عليها المعدنون مقابل تدقيق معاملات سلسلة الكتل بمقدار النصف، وتهدف هذه العملية بالأساس لتقييد عملية إصدار وحدات البتكوين والحفاظ على محدوديتها.

وفي "الورقة البيضاء" (الدليل) الذي نشره ساتوشي ناكاموتو عام 2008، ذُكر أن العدد الأقصى لوحدات البتكوين الذي سيكون متاحاً هو 21 مليون وحدة، وطرحت هذه الآلية لتفادي حدوث أي تضخم للعملة وتوفير عامل الندرة الذي تتمتع به المعادن النفيسة مثل الذهب، وهو ما يتيح خلق أصل انكماشي يمكن أن يحتفظ بقيمته مع مرور الزمن أو ترتفع.

عند ظهورها لأول مرة عام 2009، كان المعدنون يحصلون على 50 وحدة بتكوين مقابل كل كتلة قاموا بإضافتها إلى سلسلة الكتل، وبعد التنصيف الأول الذي حدث عام 2012، انخفضت المكافأة إلى 25 وحدة بتكوين، فيما أدت عمليات التنصيف التالية عامي 2016 و2020 إلى خفض هذه المكافأة إلى 12.5 و6.25 وحدة على التوالي، وسيؤدي تنصيف شهر أبريل، حيث وصل ارتفاع الكتلة 840 ألف كتلة، لخفض المكافأة إلى 3.125 بتكوين.

متى سيدخل "التنصيف" حيز التنفيذ؟

تاريخ عمليات تنصيف بيتكوين
تاريخ عمليات تنصيف بيتكوين - (الشرق)

إلى حدود مارس 2024، كانت البتكوين قد مرت بالفعل بـ3 عمليات تنصيف:

- في 28 نوفمبر 2012، انخفضت المكافأة من 50 إلى 25 بتكوين لكل كتلة.

- ثم في 9 يوليو 2016، تقلصت مرة أخرى من 25 إلى 12.5 بتكوين لكل كتلة.

- في 11 مايو 2020، انخفضت بمقدار النصف من 12.5 إلى 6.25 بتكوين لكل كتلة.

والسبت 20 أبريل دخل التنصيف الخامس للبتكوين حيز التنفيذ، وانخفض سعر البتكوين بعد اكتماله بنسبة 0.47٪ عند 63747 دولاراً.

أين تكمن أهمية هذا الحدث؟

من خلال إصدار عدد أقل من عملات البتكوين بمرور الوقت، فإن التنصيف يزيد احتمالية ارتفاع قيمة البتكوين، على افتراض الحفاظ على مستويات ثابتة من الطلب، وهو ما يختلف بشكل حاد مع العملات الورقية، والتي تنخفض قيمتها عادةً بمرور الوقت بسبب التضخم.

وعموماً، يعتبر التنصيف واحدة من الطرق للحفاظ على عامل "الندرة"، ومن ثم ضمان محدودية المعروض من بتكوين، وهو أحد الأسباب التي تدفع الملايين من الأشخاص إلى الاهتمام بعملة البتكوين والعملات المشفرة ككل.

إلى جانب هذا، فإن حدث "التنصيف" عادة ما يجذب تغطية إعلامية واسعة يرافقها اهتمام متزايد من مستثمرين جدد محتملين قد يؤدون دوراً كبيراً في تحريك الأسواق ودفع سعر العملة إلى الارتفاع.

ماذا سيحدث عندما لا يتبقى المزيد من البتكوين لتعدينه؟

يُعتقد على نطاق واسع أنه في العام 2140، سيتم تعدين آخر عملة بتكوين. ومع ذلك، إذا تم تخفيض المكافأة إلى النصف كل 210 آلاف كتلة، فستتقلص في كل حدث تنصيف، حتى تصبح المكافأة ساتوشي واحداً، والساتوشي الواحد يساوي 0.00000001 بتكوين، وهي أدنى فئة من عملة البتكوين وهي غير قابلة للتقسيم.

ماذا يحدث لرصيدك من البتكوين بعد التنصيف؟

بعد حدوث التنصيف لا يطرأ أي تغيير على رصيد البتكوين في محفظتك، إذ لا تؤثر العملية بشكل مباشر على عدد عملات البتكوين التي تمتلكها.

يمكن لحدث التنصيف أن يؤثر بشكل غير مباشر على سعر البتكوين والجوانب المختلفة لمنظومة العملات المشفرة، وهذا هو بالضبط السبب الذي يجعل المستثمرين والمتداولين وعشاق العملات المشفرة يولون اهتماماً كبيراً لهذه العملية.

كيف تتأثر الأسواق بالتنصيف؟

مع كل عملية تنصيف، ينخفض معدل خلق عملات البتكوين الجديدة، ما يجعل العرض من هذه "السلعة" محدوداً، وهو ما يؤثر بدوره على ديناميكيات العرض والطلب في السوق، إذ يدفع سعر الوحدة إلى الارتفاع نظرياً، اعتباراً للمبدأ الاقتصادي الأساسي الذي يقول إنه عندما ينخفض العرض، ويرتفع الطلب أو يظل ثابتاً، فإن قيمة الأصل سترتفع، وهذا المبدأ، يدفع عادة المستثمرين والمهتمين بالعملات المشفرة إلى الدخول في عمليات شراء جديدة.

من بين الآثار الإيجابية لعملية التنصيف على السوق، هو الاهتمام المتزايد من المضاربين والمستثمرين الذين يستغلون التقلبات في أسعار البتكوين، سواء قبل عملية التنصيف أو بعدها، وفي ظل محاولتهم التنبؤ بآثار هذه العملية على السعر في المستقبل، فإن زيادة النشاط وعمليات التداول، تنعكس عادة بشكل إيجابي على الأسعار.

في مرحلة التنصيف، يكون المعدنون في العادة أبرز الخاسرين، إذ تتأثر الربحية من عملية التعدين، نظراً لانخفاض المكافأة على تعدين الكتل الجديدة بمقدار النصف، ومع كل دورة تنصيف، يضطر المعدنون الصغار، ممن يتحملون تكلفة عالية من حيث توفير الطاقة اللازمة لتشغيل أجهزتهم التي تكون صغيرة عادة وبقدرة محدودة، إلى تعديل استراتيجيتهم، أو الخروج من السوق بشكل كلي بسبب غياب الجدوى الاقتصادية لهذا العمل.

ويرى مصرفا "جيه بي مورجان" (.JPMorgan Chase & Co) و"دويتشه بنك" (Deutsche Bank AG) أن التأثير الرئيسي لعملية التنصيف الأخيرة، سينعكس بشكل رئيسي على تعدين العملة المشفرة.

وحسب مذكرة لمحللي "جيه بي مورجان"، فإنه مع خروج منصات التعدين المتعثرة من شبكة "بتكوين"، يتوقع المحللون صمود القطاع، حيث تكون الشركات المدرجة في وضعية أفضل للحصول على حصة في السوق.

وكتب محللو "جيه بي مورجان": "منصات تعدين بتكوين المدرجة في البورصة في وضعية جيدة للاستفادة من المنظومة الجديدة، ويرجع ذلك أساساً إلى زيادة الوصول إلى التمويل، وخاصة التمويل عبر الأسهم. يساعد ذلك المنصات على توسيع نطاق عملياتها، والاستثمار في أجهزة أكثر كفاءة".

وبدورهم، لا يتوقع محللو "دويتشه بنك" أن ترتفع أسعار بتكوين بشكل ملحوظ بعد التنصيف. وقال المحللون إنه نظراً لأن خوارزمية بتكوين توقعت التنصيف بالفعل، فقد أخذت السوق بالفعل هذا الحدث في الاعتبار.

تصنيفات

قصص قد تهمك