لم توقظ أصوات القصف الإسرائيلي العنيف ليلاً نهاراً، مسنة فلسطينية خلال نومها داخل منزلها في مخيم جباليا بقطاع غزة على مدار أكثر من 8 أشهر، إلا أنها روت كيف هاجمها كلب بوليسي تابع للجيش الإسرائيلي داخل غرفتها بطريقة شرسة، ولم يكن بيدها سوى المقاومة أمام ضحكات الجنود.
وروت الفلسطينية المسنة تفاصيل المشهد المأساوي، قائلة كيف نهش الكلب لحمها، وهشَّم عظام ساعدها الأيمن، وكيف بقيت مضرجة بدمائها أياماً، دون أي مساعدة من أي نوع، مع منع الجيش الإسرائيلي وصول الطواقم الطبية إليها لأيام.
وسردت دولت الطناني، البالغة من العمر 68 عاماً، التفاصيل المفجعة، موضحة أنها "استيقظت على كلبٍ شرسٍ ينهش ذراعها الأيمن..". وتابعت: "كان المشهد مفزعاً، وهو يغرس أنيابه في لحمي ويُهشم عظامي.. لا أجد كلمات يمكن أن تصف شعوري وحالي وقتها، كل ما أعرفه أني حاولت جاهدة تخليص نفسي من بين أنيابه دون جدوى".
كلب شرس وجنود يضحكون
وأضافت المسنة الفلسطينية لوكالة أنباء العالم العربي AWP: "سحبني إلى الخارج وهو لا يزال متشبثاً بذراعي حتى اصطدمت بباب الغرفة، حاولت ضربه في أنفه وعينيه، حتى استطعت الإفلات منه.. أسرعت إلى داخل الغرفة وأقفلت الباب".
لم يعد يفصل بينها وبين مهاجمها سوى باب خشبي ضعيف، وكانت تسمع بوضوح أصوات قهقهة الجنود، وأوامرهم للكلب بمواصلة الهجوم.
حاولت المسنة التحدث من وراء الباب وإبلاغ الجنود بأنها مدنية عجوز لا تملك سلاحاً، ولا تقوى على تشكيل أي خطر، إلا أنها لم تفهم ما يدور بينهم من حديث، فكل كلامهم كان بالعبرية، ولم يكن بينهم من هو ملّم بالعربية لإمكانية التواصل.
أما الكلب، فقد لازم باب غرفتها حتى ساعات الصباح، مطلقاً عواءه بين الفينة والأخرى. إلا أن التحدي الأكبر كان في جروحها النازفة، وذراعها التي توشك على الانفصال عن جسدها.
الحسرة ومرارة الانكسار
وأبت الطناني أوامر الجيش الإسرائيلي عندما ألقى منشورات على مخيم جباليا بتاريخ 10 مايو بمغادرة المخيم فوراً تمهيداً لاقتحامه، مفضلة الموت على مغادرة منزلها الذي قضت فيه سنوات عمرها وتضم أركانه كل ذكرياتها وتفاصيل حياتها.
وتروي كيف أنها تمسكت بالبقاء بالبيت، ولم تخشَ الموت، قائلة: "أُفضل أن أُدفن تحت ركام وحجارة مأواي الذي عشت به طيلة حياتي على أن أخوض تجربة أهلي السابقة في اللجوء إبان النكبة".
وأضافت: "من يخرج من بيته يترك روحه بداخله، ويبقى جسداً أجوفاً لا معنى لحياته.. وأنا بعد هذا العمر الطويل لا أبحث عن عيش بطعم الحسرة ومرارة الانكسار".
وتصف حالها بعدما اقتحم الجيش الإسرائيلي المخيم قائلة: "عشت في فزع شديد وسط أصوات القصف وزخات الرصاص التي حاصرتني من كل الجهات.
محاولات بائسة للنجاة
وتعود السيدة الفلسطينية لحكاية الكلب، وتقول إنها ربطت ذراعها الممزقة بقطعة قماش في محاولة لحبس الدم، والحد من نزيف جروحها الغائرة.
أفقدتها شدة الألم الوعي، لتفيق في اليوم التالي وقد أغرقت الدماء ثوبها وفراشها. ربطت جروحها بقطع أخرى من القماش نظراً لعدم وجود أي وسيلة إسعاف أخرى، وتأخر وصول أي إغاثة طبية نتيجة استمرار الاجتياح.
وبعد 4 أيام من النزف، ومحاولة مداواة نفسها بنفسها، وبما يقع في يدها من قطع قماش استخدمتها كضمادات للجروح، استطاعت استغلال لحظات من هدوء وتيرة القصف والاشتباكات في محيط منزلها، وخرجت من بلوك "ج" حيث يقع بيتها إلى أحد الشوارع الرئيسية، حيث قابلت طواقم إسعاف قدمت لها الرعاية الأولية العاجلة، قبل أن تنقلها إلى مستشفى "اليمن السعيد".
ولخطورة حالتها وصعوبة التعامل مع جروحها الملتهبة الغائرة وعظامها المُهشمة، تم تحويلها إلى مستشفى "كمال عدوان"، ثم إلى مستشفى "العودة"، دون أن يتمكن أي منهما من تقديم الحد الأدنى من الرعاية الطبية المطلوبة، نتيجة نفاد المواد والمستلزمات الطبية بالكامل.
واقتصر التدخل الطبي على تعليق محلول ملحي وتنظيف الجروح، قبل تحويلها إلى مستشفيات مدينة غزة أملاً في وجود أي من العلاجات الضرورية اللازمة لإنقاذ حياتها.
لكن الحال في غزة لم يختلف عنه في الشمال، باستثناء توفير جرعة وحيدة من عقار مضاد للتيتانوس لاتقاء الإصابة بالتسمم نتيجة عضة الكلب.
كان الأمر يستلزم أكثر من جرعة، لكن شُح المستلزمات الطبية حال دون حصول الحاجة دولت الطناني على برنامج العلاج الكامل. ولم يتوفر سوى علاج أولي لا يقوى على إزالة الخطر على حياتها إذا استمرت في عدم تلقيها الرعاية الطبية المناسبة.
تواجه المسنة الفلسطينية خطر الغرغرينا، بحسب شهادة أحد أقاربها، لا سيما مع عدم قدرتهم على تنظيف جروحها بشكل دوري نتيجة نفاد العقاقير والمستلزمات الطبية.
ولم تتمكن أي من المؤسسات، أو الوفود الطبية من الوصول إليها في منطقة شمال وادي غزة، ومحاولة تقديم مستوى أفضل من الرعاية الطبية الضرورية، أو العمل على نقلها إلى مستشفيات جنوب وادي غزة.