قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، الأحد، إن الهجوم الإلكتروني الأخير، والذي يهدف لطلب الفدية، على خط أنابيب وقود شركة "كولونيال" الرائدة في مجال توزيع المنتجات البترولية، أدى إلى إغلاقه، مشيرة إلى أن الهجمات الإلكترونية المماثلة باتت تشكل مصدر تهديد للأمن القومي الأميركي.
وأوضحت الصحيفة أن إغلاق أحد أكبر أنابيب الوقود في أميركا والذي يبلغ طوله 5500 ميلاً، تسبب بنقص الوقود في جميع أنحاء جنوب شرق البلاد، مؤكدةً أن موجة الهجمات الإلكترونية الرامية لطلب الفدية لا تهدف لجمع المال فقط، بل تستهدف الشركات التي تدير جزءًا كبيراً من الاقتصاد، ما جعلها مصدر تهديد للأمن القومي الأميركي.
وأكدت الصحيفة في تقرير لها، أن الهجمات الإلكترونية والتي تُسمي بـ"برامج الفدية" كانت موجودة خلال العقد الماضي، لكنها تزايدت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وذلك مع ظهور العملات المشفرة التي يصعب تتبعها، ويمكن نقلها إلكترونياً دون تدخل البنوك والجهات الحكومية.
هجمات 2017
ولفتت الصحيفة إلى أن عام 2017 شهد هجومين إلكترونيين مدمرين وهما "هجوم واناكراي"، والذي أصاب آلاف الحواسب التي تعمل بنظام مايكروسوفت ويندوز، وهجوم "نوت بيتيا"، والذي أصاب أجهزة الكمبيوتر في أوكرانيا.
وكشفت هجمات 2017 عن مدى إمكانية البرامج الإلكترونية في تعطيل عمل الشركات الكبرى، بحسب "واشنطن بوست"، والتي أكدت أن وباء كورونا أدى لزيادة هذه الهجمات أيضاً، حيث استهدف المتسللون أنظمة الإنترنت التي بات الناس يعتمدون عليها لمواصلة أعمالهم التجارية.
وأشارت الصحيفة إلى أن ما يقرب 2400 مرفق صحي وتعليمي، إضافة إلى جهات حكومية أميركية، قد تعرضت لهجمات إلكترونية لطلب فدية خلال العام الماضي، وذلك وفقاً تقرير أعدته مجموعة عمل "برامج الفدية" والتي تضم أكثر من 60 خبيراً.
وقدم خبراء مجموعة عمل "برامج الفدية" تقريراً من 81 صفحة، إلى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الشهر الماضي، بهدف رسمة خارطة طريق لكيفية مكافحة هذه الهجمات التي باتت تتزايد بشكل كبير.
278 يوم للتعافي
وأكد التقرير الأميركي، أن الشركات التي تعرضت لهذه الهجمات قد استغرقت في المتوسط 287 يوماً للتعافي بشكل كامل، كما قدّرت شركة "شينالسيس" المتخصصة في تعقب مدفوعات العملة المشفرة، أن ضحايا هذه البرامج قد دفعوا 400 مليون دولار كفدية خلال عام 2020 فقط، ما يشكل 4 أضعاف تقديرات عام 2019.
وبيّنت "واشنطن بوست" أن ارتفاع أعداد الهجمات يعكس أيضاً حدوث تغيير في طريقة تعامل المتسللين مع برامج الفدية، لافتةً إلى أن هناك العديد من المجموعات التي تعمل على تزويد المتسللين، بالخدمات والبرمجيات الخبيثة لابتزاز أهدافهم.
وفي السنوات الأخيرة، طوّرت هذه المجموعات أسلحتها الإلكترونية لتتجاوز فكرة تشفير البيانات، إلى التهديد بنشرها، وهو تكتيك يُعرف باسم "الابتزاز المزدوج".
الابتزاز الثلاثي
ونقلت الصحيفة الأميركية عن خبراء قولهم: إن "بعض المجموعات قد انتقلت إلى ما أسموه بـ(الابتزاز الثلاثي)، إذ يهددون بشن هجمات لحرمان ضحاياهم الذين لا يدفعون الفدية من الخدمة، فضلاً عن تعطيل عمل خوادمهم".
من جهته، قال مايكل دانيال، منسق إنترنت البيت الأبيض في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما: "لقد تطورت برامج الفدية من كونها مصدر إزعاج اقتصادي إلى تهديد للأمن القومي، وكذلك تهديد للصحة العامة والسلامة".
وأضاف: "في عام 2013، أثرت برامج الفدية بشكل أساسي على الحواسب الفردية، إذ بلغ متوسط الفدية لمئات الدولارات، ولكنها الآن باتت تؤثر على الشركات وأنظمة المدارس والحكومات المحلية، ويصل متوسط الفدية فيها لمئات الآلاف بل ملايين الدولارات".
تعطل المستشفيات
واعتبرت "واشنطن بوست" أن الشركات والمؤسسات الأميركية قد تتضرر بشكل حاد بسبب هذه الهجمات، موضحة أنه في الخريف الماضي أثرت برامج الفدية الروسية، على بعض المستشفيات الأميركية، مما أجبرها على تعطيل إجراءات رعاية المرضى وإلغاء العمليات الجراحية غير الحرجة.
وأكدت الصحيفة أن التعطيل الروسي أثار القلق من زيادة حالات الوفاة، مشيرةً إلى أن متسللون هاجموا العام الماضي شركة "بلاكبود" للبرامج السحابية في ساوث كارولينا، وسرقوا بيانات الآلاف من المستخدمين في جميع أنحاء الولايات المتحدة وكندا، على الرغم من أن الشركة قد دفعت الفدية.
ونشرت مجموعة تُعرف باسم "بابوك" يُعتقد أنها تعمل خارج روسيا، الخميس الماضي، مجموعة من الوثائق التي تمت سرقتها من شرطة العاصمة واشنطن، إذ تحمل في طياتها معلومات استخبارية أولية عن التهديدات التي أعقبت الهجوم على مبنى الكابيتول الأميركي في 6 يناير الماضي.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين لم تذكر أسمائهم قولهم: إن "وزارة العدل الأميركية ومكتب التحقيقات الفيدرالي يعملان مع حلفاء وشركاء في الخارج للتحقيق حول أعمال العصابات الإلكترونية، ولتعطيل عملياتهم وبنيتهم التحتية، ولمحاكمة هؤلاء المتسللين".