توقعت دراسة لمشروع الكربون العالمي ارتفاع الانبعاثات العالمية من الكربون الناتج عن الوقود الأحفوري بنسبة 1.1% خلال عام 2025، لتصل إلى مستوى قياسي غير مسبوق.
ورجحت الدراسة، المنشورة في دورية Nature، وعُرضت خلال فعاليات مؤتمر المناخ COP 30 الذي يعقد في البرازيل، بلوغ الانبعاثات الناتجة عن الوقود الأحفوري نحو 38.1 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون خلال العام الجاري وحده.
وأوضحت أن جهود إزالة الكربون من أنظمة الطاقة تمضي قدماً في كثير من الدول، إلا أن هذا التقدم لا يكفي لمعادلة الزيادة المستمرة في الطلب العالمي على الطاقة، ما أدى إلى ارتفاع إجمالي الانبعاثات مجدداً، رغم التحولات في بعض الاقتصادات الكبرى نحو الطاقة النظيفة.
وأشارت الدراسة إلى أن الانبعاثات الناتجة عن تغير استخدام الأراضي، مثل إزالة الغابات، من المتوقع أن تنخفض إلى 4.1 مليار طن، العام الجاري، وهو ما يجعل إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لهذا العام أقل قليلاً من العام الماضي.
وأكد الباحثون أن انتهاء ظاهرة "النينو" المناخية التي تسببت في موجات حر وجفاف في مناطق عدة خلال 2023 و2024، ساعد على تعافي قدرة النظم البيئية البرية على امتصاص الكربون، لتعود إلى مستويات ما قبل الظاهرة.
أوضحت الدراسة أن تغير المناخ أضعف قدرة البر والبحر على امتصاص الكربون، وأن 8% من الزيادة في تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي منذ عام 1960 تعود إلى تأثيراته على هذه "المصارف" الطبيعية.
ما هي ميزانية الكربون؟
أكدت الدراسة أن كمية الكربون المتبقية، التي تتيح للعالم فرصة حصر الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية باتت "منهكة تماماً"، محذرة من أن استمرار ارتفاع الانبعاثات يعني أن مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وكذلك تأثيرات الاحترار العالمي، ستواصل الارتفاع بوتيرة خطيرة.
وتعد كمية ثاني أكسيد الكربون، التي يمكن للبشرية أن تطلقها في الغلاف الجوي، دون تجاوز حد معين من الاحترار العالمي، مثل 1.5 أو 2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، أداة علمية لتقدير المدى الزمني المتبقي قبل أن يصبح تغير المناخ خارج السيطرة، إذ تربط بين إجمالي الانبعاثات منذ بداية العصر الصناعي وبين درجة الاحترار الحالية والمتوقعة. وكلما استمرت الانبعاثات في الارتفاع، تقلصت الميزانية المتبقية بسرعة، ما يجعل خفض الانبعاثات والتحول إلى مصادر طاقة نظيفة أمراً حاسماً للحفاظ على استقرار المناخ العالمي.
وأشار فريق البحث، الذي ضم علماء من جامعة إكستر وجامعة إيست أنجليا وجامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونخ، وأكثر من 90 مؤسسة بحثية حول العالم، إلى أن استمرار ارتفاع الانبعاثات يجعل تحقيق هدف الحد من الاحترار العالمي إلى أقل من 1.5 درجة مئوية أمراً "غير واقعي".
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة، بيير فريدلينجشتاين، من معهد الأنظمة العالمية في جامعة إكستر، إن ميزانية الكربون المتبقية لتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية – والتي تقدر بـ 170 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون – ستنفد قبل عام 2030 إذا استمر معدل الانبعاثات الحالي.
وأكد أن تغير المناخ بات يقلل من قدرة البر والبحر معاً على امتصاص الكربون، وهو ما وصفه بأنه "إشارة واضحة من كوكب الأرض إلى ضرورة خفض الانبعاثات بشكل جذري".
ارتفاعات لا تتوقف
وذكرت المؤلفة المشاركة في الدراسة، كورين لو كيري، أستاذة الأبحاث في الجمعية الملكية بجامعة إيست أنجليا، أن الجهود المبذولة لمواجهة تغير المناخ أصبحت ملموسة، مشيرة إلى أن 35 دولة تمكنت من تقليص انبعاثاتها مع الحفاظ على نموها الاقتصادي، وهو رقم تضاعف مقارنة بما كان عليه قبل عقد.
وأوضحت أن هناك تقدماً ملحوظاً في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري في مناطق مختلفة من العالم، لكن هذا التقدم لا يزال هشّاً للغاية، ولا يترجم إلى انخفاضات مستدامة في الانبعاثات العالمية.
وأشارت إلى أن الآثار الناشئة لتغير المناخ على "مصارف الكربون" تشكل مصدر قلق إضافي، وتؤكد الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة.
وبيّن المؤلف المشارك في الدراسة، جلين بيترز، أن مرور 10 سنوات على توقيع اتفاق باريس للمناخ لم يوقف بعد الارتفاع المستمر في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الوقود الأحفوري.
وقال إن التغيرات المناخية والتقلبات الجوية باتت تترك بصمتها الواضحة على الأنظمة الطبيعية التي تمتص الكربون، ما يؤكد ضرورة أن تبذل الدول جهوداً أكبر لتحقيق أهدافها المناخية، مؤكداً قدرة التقنيات النظيفة على خفض الانبعاثات بشكل فعال، فضلاً عن كونها أقل تكلفة مقارنة بالبدائل الأحفورية.
وأظهرت نتائج تقرير ميزانية الكربون العالمية لعام 2025 أن انبعاثات الصين مرشحة للارتفاع بنسبة 0.4%، وهي وتيرة أبطأ من السنوات السابقة، نتيجة النمو المعتدل في استهلاك الطاقة بالتوازي مع التوسع الكبير في مصادر الطاقة المتجددة.
وأشارت التقديرات إلى أن انبعاثات الهند ستزداد بنسبة 1.4%، وهي أيضاً أقل من معدلات السنوات الماضية؛ إذ ساهمت الأمطار الموسمية المبكرة في تقليل الحاجة إلى التبريد خلال أشهر الصيف الحارة، في حين أسهم النمو القوي في مصادر الطاقة المتجددة في تقليص الاعتماد على الفحم.













