مايكل كريمر الحاصل على نوبل لـ"الشرق": هذه وصفتي لمكافحة تغير المناخ

الاقتصادي الأميركي يعمل على مشروع جديد للحد من آثار التغيرات المناخية

time reading iconدقائق القراءة - 12
الاقتصادي الأميركي مايكل كريمر يصافح ملك السويد كارل جوستاف أثناء حصوله على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية ستوكهولم بالسويد. 10 ديسمبر 2019 - Reuters
الاقتصادي الأميركي مايكل كريمر يصافح ملك السويد كارل جوستاف أثناء حصوله على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية ستوكهولم بالسويد. 10 ديسمبر 2019 - Reuters
دبي-محمد منصور

على مدى العقدين الماضيين، حدث ارتفاع عالمي ملحوظ في مستويات المعيشة، إذ ارتفعت الرفاهية الاقتصادية قياساً بالناتج المحلي الإجمالي للفرد، ارتفاعاً كبيراً، لا سيما في أفقر بلدان العالم بمقدار الضعف تقريباً.

ومع ذلك، وسط هذا التقدم، ظلت هناك العديد من التحديات هائلة؛ إذ لا يزال أكثر من 700 مليون شخص يعانون من الواقع القاسي المتمثل في العيش على دخل منخفض للغاية؛ كما يموت نحو 5 ملايين طفل كل عام؛ بسبب أمراض يمكن الوقاية منها قبل أن يبلغوا عامهم الخامس.

وتصدى العديد من العلماء من مختلف التخصصات لمشكلة الفقر؛ من ضمنهم عالم الاقتصاد الأميركي مايكل كريمر، الذي ينحدر من أسرة من المهاجرين اليهود من بولندا والنمسا.

لم يصغ "كريمر" نظريات اقتصادية من وراء حاسوبه، بل ابتكر أسلوباً مبتكراً جديداً؛ أسلوباً ميدانياً ركز على تشريح مشكلة الفقر العالمي متعددة الأوجه إلى مشكلات أصغر وأكثر دقة على المستويين الفردي والجماعي، ثم عالج هذه المشكلات من خلال تجارب ميدانية مصممة بدقة.

أحدثت هذه المنهجية، التي صيغت بدقة على مدى عقدين من الزمن، ثورة في أبحاث اقتصاديات التنمية، إذ أسفرت عن رؤى ملموسة وقابلة للتنفيذ تهدف إلى التخفيف من حدة الفقر العالمي. جراء ابتكار تلك المنهجية؛ حصل كريمر، مع كل من "أبهيجيت بانيرجي" و"إستر دوفلو"، على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2019.

والآن، يبدو أن "كريمر" على وشك مواجهة مشكلة جديدة، مشكلة ضخمة وفريدة.. مشكلة التغير المناخي.

"الشرق" حاورت العالم الأميركي "مايكل كريمر" خلال تواجده في مؤتمر الأطراف "COP 28" في دبي، حول رؤيته لحل مشكلات الفقر الناجمة عن التغير المناخي.

كيف تصف العلاقة بين الفقر وتغير المناخ؟ 

يؤثر التغير المناخي على الفقر بالعديد من الطرق، فالعلاقة بينهما معقدة ومتعددة الأبعاد، وتتميز بتأثير متبادل يؤدي إلى تفاقم نقاط الضعف لدى المجتمعات الفقيرة. والأحداث الناجمة عن تغير المناخ مثل الظروف الجوية القاسية (كالفيضانات والجفاف والأعاصير)، وارتفاع منسوب مياه البحر، وتقلبات درجات الحرارة تؤثر بشكل غير متناسب على المناطق الفقيرة وخصوصاً المزارعين. ويمكن لهذه الأحداث أن تدمر المحاصيل والبنية التحتية وسبل العيش، مما يؤدي إلى فقدان الدخل وزيادة الصعوبات الاقتصادية لأولئك الذين يعيشون بالفعل في فقر.

بوضوح؛ الفقراء لم يتسببوا في حدوث تلك المشكلة؛ لكنهم من يدفعون الثمن.

وغالباً ما يضع الفقر الأفراد والمجتمعات في مواقف أكثر ضعفاً لتحمل العبء الأكبر من عواقب تغير المناخ. على سبيل المثال، قد يقيم الأشخاص الذين يعيشون في فقر في مناطق هشة بيئياً، أو يعتمدون بشدة على الموارد الطبيعية المحدودة.

ونتيجة لذلك، فإنهم أكثر عرضة للتدهور البيئي وأقل استعداداً للتعامل مع الآثار السلبية لتغير المناخ أو التكيف معها، مما يؤدي إلى دورة من الفقر المتزايد بسبب الضغوط البيئية.

وهل من سبيل لإنقاذ هؤلاء البشر؟ 

أعتقد أن العالم يجب أن يبدأ في اتخاذ مجموعة من القرارات التي تساعد المزارعين تحديداً؛ والفقراء عموماً لرفع مرونتهم صد أحداث التغير المناخي؛ والتكيف معه؛ والتخفيف من حدته.

وما الجهود التي تبذلها أنت في تلك المحاولات؟ 

أنا رئيس مفوضية الابتكار لمواجهة تغير المناخ والأمن الغذائي والزراعة بجامعة شيكاغو. في تلك اللجنة؛ نحاول النظر في الأدلة العلمية. نركز على تعزيز الابتكار في مجالات تغير المناخ والأمن الغذائي والزراعة، ونسعى جاهدين لتعزيز تنميتها وتوسيعها.

كما نركز أيضاً على تحديد فرص الاستثمار المربحة في الحلول المبتكرة التي تعالج التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه في قطاعي الزراعة والأمن الغذائي؛ فعلى الرغم من ابتكار العديد من الطرق لمواجهة التغير المناخي، إلا أن تنفيذها على نطاق واسع غالباً ما يواجه عقبات بسبب عدم كفاءة السوق أو القيود الحكومية.

ولمواجهة هذه التحديات، تعمل المفوضية بجدية على تحديد هذه العوائق، وتضع آليات مؤسسية تهدف إلى دفع الإبداع بكفاءة.

"كوب 28"

وماذا فعلت تحديداً خلال فعاليات مؤتمر الأطراف "COP 28"؟ 

كنا محظوظين للغاية بمقابلة رئيس المؤتمر سلطان الجابر، كما قابلنا أيضاً وزيرة التغير المناخي الإماراتية "مريم المهيري"، وقالوا لنا إنهم سيبدأون برامج جديدة لتعزيز الابتكار والبحث في مجال مكافحة تغير المناخ.

تحدثت كثيراً عن برامج تحسين التنبؤات الجوية عبر إنشاء محطات رادار متخصصة في رصد التغيرات الجوية وإمداد المجتمعات الزراعية بالبيانات اللازمة لزراعة المحاصيل والأمطار وغيرها.. كيف ترى العلاقة بين الفقر وتغير المناخ والتنبؤ بالطقس؟ 

التنبؤ بالطقس وتغير المناخ والفقر هي أبعاد مترابطة تؤثر بشكل كبير على حياة البشر والبيئة. وفهم العلاقة بين هذه العوامل أمر بالغ الأهمية في معالجة نقاط الضعف، خاصة بالنسبة للمجتمعات المهمشة التي تواجه وطأة التغيرات البيئية.

فعلى الرغم من أن المزارعين يعرفون مواعيد الزراعة والحصاد، إلا أن الأمر تغير الآن بسبب التغير المناخي. تلعب هنا التنبؤات الجوية الدقيقة دوراً محورياً في التخفيف من حدة الفقر من خلال تمكين المجتمعات، خاصة تلك التي تعتمد على الزراعة، من التخطيط والتكيف مع الظروف الجوية المتغيرة.

ويعتمد المزارعون بشكل كبير على التنبؤات الجوية لزراعة المحاصيل والري والحصاد. كما تساعد التنبؤات في الوقت المناسب على تحسين تخصيص الموارد، ومنع خسائر المحاصيل بسبب الأحداث المناخية القاسية، وتعزيز الإنتاجية الزراعية. بالنسبة للفئات السكانية الضعيفة في الدول النامية، يمكن أن يكون التنبؤ الفعال بالطقس بمثابة شريان الحياة لمنع انعدام الأمن الغذائي وعدم استقرار الدخل.

مثلاً؛ محطات جنوب آسيا قادرة على رصد تغيرات الرياح الموسمية العكسية، والتي تتغير معها نسبة هطول الأمطار. هذه المحطات؛ ومثيلتها في إفريقيا؛ يُمكنها مساعدة أكثر من 300 مليون مزارع على مواجهة التغيرات المناخية... هذه وصفتي لمكافحة تغير المناخ.

إذا ما قررنا إمداد 10 دول بمحطات للتنبؤ بالطقس؛ سيكلفنا ذلك نحو 23 مليون دولار فقط، لكن الفوائد ستفوق التكاليف بحوالي 100 ضعف تقريباً. هذا مثال على ما يجب أن يفعله العالم. هذا مثال على أن مشروعاً صغيراً بتكاليف صغيرة يُمكن أن يساهم في التخفيف من حدة التغير المناخي؛ وينقذ ملايين الأشخاص من الوقوع في براثن الفقر.

الابتكار الزراعي

ما الأولويات الرئيسية لتعزيز الابتكار في الممارسات الزراعية والتخفيف من التحديات المختلفة التي يواجهها المزارعون والمجتمعات؟ 

تشمل هذه الأولويات مجموعة متنوعة من المبادرات التي تهدف إلى تعزيز الإنتاجية والاستدامة والقدرة على التكيف داخل المشهد الزراعي.

تنشئ الدول على سبيل المثال أنظمة تُمكنها من التواصل مع المزارعين وإبلاغهم بالعديد من المعلومات حول الطقس والأمطار ومواعيد الزراعة وغيرها.

ونستطيع الآن التواصل مع المزارعين بتكاليف زهيدة حقاً. وتبقى إحدى الأولويات الحاسمة تسهيل تنفيذ تقنيات حصاد مياه الأمطار المحسنة. ويمكن أن يؤدي الحصاد الفعال لمياه الأمطار إلى زيادة موارد المياه للزراعة بشكل كبير، خاصة في المناطق المعرضة لأنماط هطول الأمطار غير المنتظمة أو ندرة المياه.

ومن خلال تشجيع ومساعدة المزارعين والمجتمعات المحلية على اعتماد أساليب أفضل لتجميع مياه الأمطار، يمكن تعزيز القدرة الزراعية على الصمود، وتعزيز إنتاجية المحاصيل وضمان توافر المياه للأنشطة الزراعية خلال فترات الجفاف.

كما أن هناك أهمية كبرى لأدوات وتقنيات الزراعة الرقمية لتحسين استخدام الموارد. فخفض التكلفة وتشجيع اعتماد الأدوات الرقمية يمكن المزارعين من اتخاذ قرارات تعتمد على البيانات في مجال الري واستخدام الأسمدة ومكافحة الآفات. وتساعد مثل هذه الابتكارات المزارعين على استخدام الموارد بكفاءة أكبر، وتقليل النفايات إلى أدنى حد، وتعزيز الإنتاجية الزراعية مع تقليل الآثار البيئية.

لكن؛ يجب اتباع نهج شامل في التعامل مع الابتكار الزراعي؛ نهج يعالج الجوانب الحاسمة بشكل متواز، فإدارة المياه لا يمكن أن تنفصل عن التقدم التكنولوجي، والتحولات الغذائية لا يُمكن أن تبقى بمعزل عن استراتيجيات تخفيف المخاطر، فالحلول المبتكرة والجهود التعاونية هي ما ستمكن القطاع الزراعي التكيف والازدهار والمساهمة في التنمية المستدامة في مواجهة التحديات الناشئة.

بالمناسبة؛ أريد أن أعترف بمساهمة السعودية وبرنامج الخليج العربي للتنمية. قمت قبل أيام بالتوقيع على خطاب نوايا سيساهم بموجبه البرنامج في مساعدة المزارعين في الدول الأكثر فقراً عن طريق حصاد مياه الأمطار. أنا سعيد للغاية بتوقيع ذلك الخطاب الذي سيساعد آلاف المزارعين في نيجيريا الذين يعانون تداعيات التغير المناخي.

ندرة المياه

ينصب جزء من أبحاثك على المياه.. بالنظر إلى تأثير تغير المناخ على ندرة المياه، ما مدى أهمية ضمان حل مستدام لمعالجة المياه للسكان المعرضين للخطر؟ 

الحقيقة أن العلاقة بين تغير المناخ وندرة المياه مهمة للغاية؛ المياه محورية للغاية لصحة البشر. والمياه الملوثة من أهم أسباب موت الأطفال في العالم. يجب إمداد جميع البشر بمياه صالحة للشرب.

وتؤدي التحولات الناجمة عن تغير المناخ في أنماط هطول الأمطار، وزيادة درجات الحرارة، والظواهر الجوية المتطرفة إلى عدم انتظام هطول الأمطار وانخفاض توافر المياه العذبة. وتزيد هذه الندرة من أهمية معالجة المياه بكفاءة لتعظيم الاستفادة من مصادر المياه المتاحة.

وغالباً ما تؤدي ندرة المياه إلى تدني جودة المياه حيث قد يلجأ الناس إلى استخدام مصادر مياه غير آمنة أو ملوثة، والتي تشكل بدورها مخاطر صحية شديدة، مما يؤدي إلى الأمراض المنقولة بالمياه مثل الكوليرا والتيفوئيد والإسهال وهي الأمراض الأكثر انتشاراً في الدول الفقيرة؛ تعد الحلول المستدامة لمعالجة المياه ضرورية لتنقية المياه ومنع الأزمات الصحية بين السكان المعرضين للخطر.

وماذا عن ارتفاع درجات الحرارة؟

ارتفاع درجات الحرارة المرتبطة بتغير المناخ بشكل مباشر وتغير أنماط هطول الأمطار يؤثران على بقاء مسببات الأمراض وتكاثرها وانتقالها. فالعديد من الكائنات الحية المسببة للأمراض، مثل البكتيريا والفيروسات والطفيليات، تزدهر وتتكاثر بسرعة أكبر في البيئات الأكثر دفئاً؛ وهو ما يؤثر على التوزيع الجغرافي وسلوك نواقل الأمراض، مما يؤدي إلى انتشار الأمراض المنقولة بالنواقل وتوسيع موائل البعوض الحامل للأمراض مثل الملاريا وحمى الضنك وفيروس زيكا وغيرها.

هل من حل لمشكلة المياه وتغير المناخ؟

قمنا بعمل أكثر من 50 دراسة على العلاقة بين الماء وتغير المناخ وضمان إمداد الماء الصالح للسكان في المجتمعات الضعيفة؛ ووجدنا أن الاستثمار في ذلك الأمر يأتي بنتائج فعالة للغاية.

هناك العديد من المبادرات والمقاربات في جميع أنحاء العالم؛ منها المبادرة الهندية؛ قبل أيام أعلنت الحكومة الهندية أن ما فعلته بإمداد القرى بالمياه الصالحة للشرب أنقذ حياة 135 ألف شخص سنوياً منذ بداية تلك المبادرة قبل عدة أعوام.

لكن البلدان منخفضة الدخل للغاية لا تستطيع فعل ذلك؛ لذا يجب على المجتمع الدولي أن يساعد تلك المجتمعات؛ هذا أمر شديد الأهمية، ويجب أن يعطى أولوية على غرار ما حدث مع اللقاحات وتوزيعها على تلك البلدان أثناء جائحة كورونا.

تصنيفات

قصص قد تهمك