الفائز بنوبل الطب لـ"الشرق": أبحاثي ملهمة وأعطت دفعة مهمة للعلم

الحائز على جائزة نوبل للطب ديفيد يوليوس خلال حفل توزيع جوائز "الاختراق" في العلوم لعام 2020 في مركز أبحاث ناسا في كاليفورنيا -  3 نوفمبر 2019 - AFP
الحائز على جائزة نوبل للطب ديفيد يوليوس خلال حفل توزيع جوائز "الاختراق" في العلوم لعام 2020 في مركز أبحاث ناسا في كاليفورنيا - 3 نوفمبر 2019 - AFP
القاهرة-محمد منصور

قال أستاذ ورئيس قسم علم وظائف الأعضاء بجامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو، والحاصل على جائزة نوبل في الطب لعام 2021 ديفيد يوليوس، إن تجاربه وأبحاثه "ملهمة وأعطت دفعة مهمة للعلم"، إلا أن مسألة فوزه بجائزة نوبل "مثيرة ولا يُمكن تصديقها بسهولة".

وأشار يوليوس في تصريحات لـ"الشرق"، إلى أن تلك الاكتشافات "مهمة لدرجة ضرورة شرحها لطلاب المدارس الابتدائية"، فالاحساس بالحرارة والألم "أمر نعرفه جميعاً وبفضل أبحاثي وأبحاث غيري من الزملاء علمنا السبب الرئيسي وراء تلك الأحاسيس".

وجاءت التصريحات في ندوة افتراضية عقدتها جامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو عن بعد للصحافيين، ودُعيت لها "الشرق".

وقال يوليوس إن الاكتشاف "جاء خطوة بخطوة"، مشيراً إلى أنه منذ الصغر رغب في اكتشاف "الاستجابات الصغيرة جداً التي تحدث لأجسامنا جراء التعرض للمثيرات المختلفة".

وأوضح يوليوس في معرض حديثه أن العمل على ذلك الاكتشاف "استغرق عمراً بأكمله" فمن السهل الشعور بالحرارة والألم، "ولكن الدخول في التفاصيل الجزيئية واستكشاف الأساس الفعلي لتلك الأحاسيس كان أكثر صعوبة بكثير".

وأضاف أنه "محظوظ بالعمل في مجال يحبه"، لافتاً إلى أن "الكشف عن الأساس الجزيئي للإحساس عمل يُقربنا من فهم الأنظمة الحسية، ومدى تأثيرها فينا وفي بيولوجيتنا".

وعن مدى تأثير الطفرات في الجينات التي تجعلنا نشعر بالألم والحرارة، قال يوليوس في إجابة عن تساؤل طرحه صحافيون، إن "الطفرات في الجينات المسؤولة عن الشعور بالحرارة والألم نادرة للغاية.. إذ إنه لم يُلاحظها على مدار عمره كله".

وأوضح أن اكتشافاته تُفسر أيضاً "القدرة البشرية على التفاعل مع البيئة المحيطة من حيث درجة الحرارة" وأن لها "تأثيراً عميقاً ومثيراً للاهتمام على فهم مدى التباين في الاستجابة للمؤثرات الخارجية بين البشر الذين يعيشون في بيئات مختلفة".

علاج محتمل

وفي رد على تساؤل "الشرق" عن تطبيقات ذلك الاكتشاف في مجال علوم الأمراض، قال يوليوس إن النتائج يُمكن استخدامها لعلاج الألم الناجم عن بعض الأمراض العنيفة كالسرطان.

وكانت لجنة نوبل أعلنت الاثنين فوز كل من ديفيد يوليوس وأرديم باتابوتيان بجائزة نوبل الطب لعام 2021، وقالت إن فوزهما جاء على خلفية اكتشافهما مستقبلات الحرارة واللمس.

University of California, San Francisco Professor David Julius awarded the Nobel Prize in Physiology or Medicine - via REUTERS
ديفيد يوليوس يحتضن ابنه فيليب في منزله بعد أن علم بحصوله على جائزة نوبل الطب في كاليفورنيا - 4 أكتوبر 2021 - REUTERS

وأضافت اللجنة في بيان صحافي، أن قدرتنا على الشعور بالحرارة والبرودة واللمس ضرورية للبقاء، إذ تدعم تفاعلنا مع العالم من حولنا.

واستخدم ديفيد يوليوس "الكابسيسين"، وهو مركب لاذع من الفلفل الحار الذي يسبب الإحساس بالحرقان، لتحديد جهاز استشعار في النهايات العصبية للجلد يستجيب للحرارة.

بحوث مكثفة

هذه الاكتشافات المتقدمة أطلقت أنشطة بحثية مكثفة أدت لزيادة سريعة في فهمنا لكيفية استشعار نظامنا العصبي للحرارة والبرودة والمحفزات الميكانيكية، بعد أن حدد الفائزون بالجائزة الروابط الحاسمة المفقودة في فهمنا للتفاعل المعقد بين حواسنا والبيئة.

وتعد الكيفية التي نُدرك بيها البيئة من حولنا والطريقة التي نستخدم بها حواسنا أكبر الألغاز التي تواجه البشرية. فالآليات الكامنة وراء حواسنا أثارت الفضول لآلاف السنين.

فعلى سبيل المثال، كيف تكتشف العين الضوء، وكيف تؤثر الموجات الصوتية على آذاننا الداخلية، وكيف تتفاعل المركبات الكيميائية المختلفة مع المستقبلات الموجودة في أنفنا وفمنا لتوليد الرائحة والذوق. 

لدينا أيضاً طرق أخرى لإدراك العالم من حولنا. تخيل أنك تمشي حافي القدمين عبر العشب في يوم صيفي حار. يمكنك أن تشعر بحرارة الشمس، ومداعبة الرياح، وشفرات العشب المنفردة تحت قدميك. هذه الانطباعات عن درجة الحرارة واللمس والحركة ضرورية للتكيف مع البيئة المحيطة المتغيرة باستمرار.

"الكابسيسين"

وقبل اكتشافات ديفيد يوليوس وأرديم باتابوتيان، كان فهمنا لكيفية استشعار الجهاز العصبي لبيئتنا وتفسيره لا يزال يحتوي على سؤال أساسي لم يتم حله: "كيف يتم تحويل درجة الحرارة والمحفزات الميكانيكية إلى نبضات كهربائية في الجهاز العصبي؟".

في أواخر تسعينيات القرن الماضي، رأى يوليوس إمكانية تحقيق تقدم كبير من خلال تحليل كيفية تسبب مركب الكابسيسين الكيميائي في الإحساس بالحرقان الذي نشعر به عندما نتعامل مع الفلفل الحار.

This handout photo taken on September 5, 2019 in San Francisco and released on October 4, 2021 by the University of California San Francisco (UCSF) shows David Julius, PhD, professor and chair of the university's Department of Physiology, posing for a portrait after winning the 2020 Breakthrough Prize in Life Sciences. - US scientists David Julius and Ardem Patapoutian on October 4, 2021 won the Nobel Medicine Prize for discoveries on receptors for temperature and touch, the jury said. (Photo by Noah Berger / UCSF / AFP) / RESTRICTED TO EDITORIAL USE - MANDATORY CREDIT
 ديفيد يوليوس يقف لالتقاط صورة في جامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو - 5 سبتمبر 2019 - AFP

وكان من المعروف بالفعل أن الكابسيسين ينشط الخلايا العصبية ما يسبب الإحساس بالألم، ولكن كيفية ممارسة هذه المادة الكيميائية لهذه الوظيفة في الواقع كانت لغزاً لم يتم حله. 

أنشأ يوليوس وزملاؤه مكتبة من ملايين أجزاء الحمض النووي المقابلة للجينات التي يتم التعبير عنها في الخلايا العصبية الحسية التي يمكن أن تتفاعل مع الألم والحرارة واللمس. وافترض أن المكتبة ستشمل جزءاً من الحمض النووي يشفر البروتين القادر على التفاعل مع الكابسيسين. 

وبعد بحث شاق، تم تحديد جين واحد قادر على جعل الخلايا حساسة للكابسيسين. وبالتالي تمكن يوليوس من العثور على جين الاستشعار عن الكابسيسين أطلق عليه اسم TRPV1.

بينما كانت آليات الإحساس بدرجة الحرارة تتكشف، ظل من غير الواضح كيف يمكن تحويل المحفزات الميكانيكية إلى حواس اللمس والضغط. 

وجد الباحثون سابقاً مستشعرات ميكانيكية في البكتيريا، لكن الآليات الكامنة وراء اللمس في الفقاريات ظلت مجهولة.

"المستقبلات المراوغة"

وتمكن باتابوتيان من تحديد المستقبلات المراوغة التي يتم تنشيطها بواسطة المحفزات الميكانيكية.

وحدد باتابوتيان وزملاؤه لأول مرة خطاً خلوياً يعطي إشارة كهربائية قابلة للقياس عندما يتم وخز الخلايا الفردية باستخدام الماصة الدقيقة.

وبعد ذلك قام بتحديد 72 جيناً مرشحاً يشفر المستقبلات المحتملة. واكتشف قناة أيونية جديدة وغير معروفة تماماً وحساسة لعملية اللمس أطلق عليها اسم Piezo1.

وساهمت اكتشافات باتابوتيان ويوليوس في فهم الكيفية التي من خلالها يمكن للحرارة والبرودة والقوة الميكانيكية أن تبدأ النبضات العصبية التي تسمح لنا بإدراك العالم من حولنا والتكيف معه. وهو ما ساعد في تطوير علاجات لمجموعة واسعة من الحالات المرضية، بما في ذلك الألم المزمن.