قال المدير التنفيذي للمجلس العالمي للمحيطات بول هولثوس إن المحيطات "طريقة مضمونة لإزالة الانبعاثات الكربونية من الغلاف الجوي".
وأوضح هولثوس، في حديث لـ"الشرق"، أن المحيطات لعبت دوراً كبيراً في امتصاص الكربون منذ بداية العصر الصناعي، وحتى الآن "قامت المحيطات بدور بالوعة للكربون، وامتصت نحو 25% من الانبعاثات على مدار سنوات".
وأشار هولثوس إلى أن تعزيز قدرة المحيطات على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي يمثل وسيلة واعدة للتخفيف من تغير المناخ.
كيف تمتص المحيطات الكربون؟
وأوضح المدير التنفيذي للمجلس العالمي للمحيطات أن المحيطات تمتص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي من خلال عملية طبيعية تسمى عزل الكربون، والتي تلعب دوراً حاسماً في تنظيم دورة الكربون على الأرض، وتساعد في التخفيف من آثار انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الزائدة على مناخ الكوكب.
وقال إن ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي يذوب مباشرة في الطبقة السطحية للمحيط، وتحدث هذه العملية بسبب التبادل الطبيعي للغازات بين الغلاف الجوي والماء، وعندما يلتقي ثاني أكسيد الكربون بسطح المحيط، ينتشر في الماء حتى يتم الوصول إلى التوازن.
وأضاف: "كما تلعب العوالق النباتية والنباتات البحرية المجهرية دوراً مهماً في امتصاص الكربون من خلال عملية التمثيل الضوئي، فتستخدم العوالق النباتية ثاني أكسيد الكربون وأشعة الشمس والمواد المغذية (مثل النيتروجين والفوسفور والحديد) لإنتاج المواد العضوية".
ولفت إلى أنه مع نمو العوالق النباتية، تدمج الكربون في خلاياها، وحين تنفق أو تستهلكها كائنات حية أخرى، يغوص بعض هذه المواد العضوية إلى طبقات المحيط العميقة، مما ينقل الكربون بعيداً عن السطح بشكل فعال، وبمجرد ذوبانه في مياه البحر، يخضع ثاني أكسيد الكربون لتفاعلات كيميائية مختلفة، إذ يتفاعل جزء من ثاني أكسيد الكربون مع جزيئات الماء لتكوين حمض الكربونيك، الذي يمكن أن يتفكك إلى أيونات البيكربونات وأيونات الهيدروجين.
وشدد هولثوس على أن هذه التفاعلات تساهم في تعزيز قدرة المحيط على التخزين المؤقت ضد التغيرات في الرقم الهيدروجيني؛ بسبب زيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون، مشيراً إلى أن تيارات المحيطات وأنماط الدوران تلعب دوراً في نقل المياه السطحية، إلى جانب ثاني أكسيد الكربون المذاب، إلى الطبقات العميقة. وتساعد هذه العملية في تخزين الكربون في أعماق المحيطات لفترات طويلة.
التقلب الاصطناعي
ويرى المدير التنفيذي للمجلس العالمي للمحيطات أن "التقلب الاصطناعي" لمياه القاع يمكن أن يعمل على نقل المياه العميقة الغنية بالمغذيات إلى سطح المحيط.
وتحاكي هذه العملية التقلبات الطبيعية، حيث ترتفع المياه الغنية بالمغذيات من الأعماق، مما يغذي نمو العوالق النباتية، ومن خلال تحفيز هذه الظاهرة بشكل مصطنع، يجري تعزيز تكاثر الكائنات البحرية التي تحتجز الكربون كجزء من عملياتها البيولوجية، بحسب هولثوس.
وأضاف هولثوس، لـ"الشرق"، أن "تعزيز قلوية المحيطات" من بين وسائل حث المحيطات على امتصاص الانبعاثات الكربونية.
وقال: "إن معالجة مستويات الرقم الهيدروجيني لمياه البحر، عبر إضافة مواد قلوية مثل الحجر الجيري أو معادن السيليكات (وهي مجموعة من المعادن تشكل أكبر وأهم فئة من المعادن التي على هيئة صخور، وتشكل حوالي 96% من مكونات القشرة الأرضية)، تشجع على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي".
وأوضح أن هذه العملية تؤدي إلى سلسلة من التفاعلات الكيميائية تحول ثاني أكسيد الكربون إلى أيونات بيكربونات، ما يؤدي إلى إزالته بشكل فعال من الهواء. وتوفر كل طريقة من هذه الطرق فرصاً لتعزيز دور المحيط كمخزن للكربون، لكنه لفت إلى أن نشر هذه التقنيات على نطاق واسع يتطلب دراسة متأنية للعواقب البيئية المحتملة والفعالية، وفعالية التكلفة والأطر التنظيمية.
وشدد هولثوس على ضرورة إجراء تقييم شامل للمخاوف البيئية، بما في ذلك التأثيرات على النظم البيئية البحرية والتنوع البيولوجي والعواقب غير المقصودة، قبل التنفيذ على نطاق واسع.
تعزيز مخزن الكربون
من ناحية أخرى، قالت مديرة نمذجة المناخ في المركز البريطاني لأبحاث المناخ تشيلسي بايكر، خلال مؤتمر صحافي، حضرته "الشرق"، إن هناك عدة طرق مبتكرة لتعزيز مخزن الكربون الطبيعي في المحيطات، مع التركيز في المقام الأول على تقنيات مثل تخصيب الحديد، وتخصيب النيتروجين والفوسفور، ورفع مياه القاع إلى السطح بشكل اصطناعي، وتعزيز قلوية المحيطات.
وأوضحت أن التخصيب بالحديد عملية يجري من خلالها الإدخال المتعمد للحديد في مناطق معينة من المحيط، مشيرة إلى أن الحديد يعد عنصراً غذائياً حيوياً للعوالق النباتية، وهي كائنات بحرية مجهرية تلعب دوراً محورياً في احتجاز الكربون من خلال عملية التمثيل الضوئي.
وبينت بايكر أن زيادة مستويات الحديد في هذه المناطق تحفز نمو العوالق النباتية، وبالتالي يعزز قدرتها على امتصاص ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي. ومع ذلك، فإن الفعالية طويلة المدى والآثار البيئية المحتملة لهذه الطريقة تظل موضع بحث ونقاش واسع النطاق.
وأضافت أن تخصيب المحيطات بالنيتروجين والفوسفور يعمل على مبدأ مماثل لتخصيب الحديد، بهدف زيادة نمو العوالق النباتية عن طريق توفير العناصر الغذائية الأساسية.
وقالت إن هذه العناصر تعمل كعوامل مقيدة في بعض المناطق المحيطية، ومن المحتمل أن يؤدي إدخالها إلى تكاثر مجتمعات العوالق النباتية، وبالتالي زيادة امتصاص الكربون.
