في غرفة صغيرة بمدينة روسية نائية تشتهر بصناعة الزبدة والكتان، عاش الشقيقان الروسيان بوخمان، حيث امتلكا جهاز كمبيوتر بمعالج بنتيوم 100، ساعدهما على برمجة لعبتهما الأولى، وبعد 20 سنة تقريبًا أصبحت "وول ستريت" ترغب في الحصول على حصَّة من الشركة التي أسَّساها.
ديمتري بوخمان (Dmitry Bukhman)، 34 عامًا، تحدث بثقة عن اجتماعات لشركته "بلايريكس" (Playrix) مع بعض المصارف الكبرى، إذ زاروا ناطحات السحاب التي تملكها، في إشارة إلى الاجتماعات التي أجروها مع منظِّمي الصفقات في شركة "غولدمان ساكس غروب إنك" (Goldman Sachs Group Inc) و"بنك أوف أمريكا كوربوريشن" (Bank of America Corp)، إذ قال عن الوضع الحالي للشركة: "نركز على تنمية أعمالنا".
نجاح كبير
تمكن ديمتري بمساعدة من إيغور بوخمان (Igor Bukhman)، 37 عامًا، من تأسيس شركة "بلايريكس هولدنغ إل تي دي" (Playrix Holding Ltd)، التي طوّرت مجموعة من الألعاب الشهيرة المشابهة للعبة "كاندي كراش" (Candy Crush)، مثل "فيش دوم" (Fishdom) و"غاردن سكايبس" (Gardenscapes)، التي تجمع أكثر من 30 مليون مستخدم يوميًّا من الصين إلى الولايات المتَّحدة، وتحقق مبيعات سنوية بمقدار 1.2 مليار دولار، وفقًا لشركة تحليل الألعاب الإلكترونية "نيو زوو" (Newzoo).
وتُشير بيانات شركة الأبحاث "آب آنّي" (AppAnnie) إلى شركة الأخوين الروسيين كواحدة من أفضل 10 شركات تطوير تطبيقات في متجري "آي أو إس" (iOS) و"غوغل بلاي" (Google Play) من حيث العائدات، ما يجعلها ترقى إلى مستوى شركات من أمثال "تينسينت القابضة" (Tencent Holdings Ltd) و"نت إيز إنك" (NetEase Inc) و"أكتيفيجن بليزارد إنك" (Activision Blizzard Inc).
ثروة الشقيقن
أما "مؤشّر بلومبرغ للمليارديرات" (Bloomberg Billionaires Index) فيشير إلى أنّ كلًا من الأخوين يمتلك اليوم ثروة تقدّر بنحو 1.4 مليار دولار، على الرغم من عدم ذكر اسم أيٍّ منهما في أيّ تصنيف عالمي للثروة قبل ذلك.
بدأ الشقيقان طريقهما نحو الثروة عام 2001 في مدينة فولودا، التي تبعد نحو 483 كيلومترًا عن شمال موسكو، إذ علم إيغور من أستاذه في الجامعة أن بإمكانه بيع البرمجيات عبر الإنترنت، وهكذا قرر تجربة هذه الفكرة بمساعدة من ديمتري الذي كان لا يزال في المدرسة الثانوية في ذلك الوقت، إذ يقول إيغور: "لم تكُن لدينا أيّ خبرة أو فهم للأعمال التجارية، فكل ما نفكر به هو تصميم الألعاب".
وأشار الشقيقان، في مقابلة أُجريت معهما مؤخرًا في تل أبيب حيث يقضيان هناك بعض الوقت، إلى أن الولايات المتَّحدة الأمريكية تعتبر السوق الأهمّ لـ"بلايريكس" (Playrix)، وتليها الصين واليابان. ويعمل لدى شركتيهما نحو 1100 موظف، بما في ذلك العاملون من مقرّ الشركة في أيرلندا، والمطوّرون الذين يعملون في روسيا وأوكرانيا وروسيا البيضاء.
كثير من اللعب.. قليل من الإعلانات
قام الأخَوان خلال عطلة صيفية بتطوير لعبتهما الأولى التي تشبه لعبة "زونيكس" (Xonix)، إذ يجب على اللاعبين استخدام المؤشّر لفتح أجزاء من صورة مخفية قبل أن تصطدم بهم الكرات الطائرة، وجَنَيَا 60 دولارًا في الشهر الأول من إطلاق اللعبة، لتصبح بعد ذلك 100 دولار شهريًّا، أي نحو نصف قيمة متوسط الرواتب في مدينة فولوجدا الروسية، لكن إيغور فكر في أبعد من ذلك، إذ يقول: "إذا كانت اللعبة الواحدة تحقق 100 دولار، فيمكننا تطوير عشرات الألعاب وكسب كثير من المال".
أمّا لعبتهما الثانية التي استعانا فيها بمصمم مختص لتطوير شخصية الرسوم المتحركة التي تميّز اللعبة، فقد حققت عائدات بمقدار 200 دولار في الشهر، في حين وصلت عائدات لعبتهما التي تحاكي مبدأ لعبة "تيتريس" (Tetris) إلى 700 دولار شهريًّا، إلّا أنهما اضطرّا إلى وقفها بعد أن علما بأنّ النسخة الأصلية للعبة كانت محمية بحقوق الملكية الفكرية.
وفي عام 2004، وبعد أن وصلت الإيرادات الشهرية لنشاطاتهما التجارية إلى 10 آلاف دولار، قاما بتسجيل شركتهما بشكل قانونيّ واستئجار مكتب في تسوية تابعة لمستودع كتب، وعيّنا عددًا من الموظفين من أجل تسريع عملية الإنتاج.
كانت الشركة في سنواتها الأولى تبيع ألعابها البسيطة على مواقع مثل "ماجورغيكس.كوم" (majorgeeks.com) أو "داونلود.كوم" (download.com)، ثم انتقلت بعدها إلى منصّات أكبر مثل "ياهو!" (Yahoo!) و"إيه أو إل" (AOL)، وخلال السنوات الـ10 الماضية بدأت بالاتجاه نحو "فيسبوك" (Facebook) ومنه إلى الهواتف الذكية. وتجدر الإشارة إلى أن كثيرًا من هذه الألعاب كانت مجانية ويدفع اللاعبون فيها مبلغًا من المال مقابل ميزات معينة داخل اللعبة فقط.
تجني شركة "بلايريكس" معظم أرباحها من المشتريات التي تتم داخل التطبيقات، أي الميزات التي يتم شراؤها في الألعاب، ويحرص الأخَوان عادةً على تجنُّب الإعلانات التي تشتت اللاعبين عند ظهورها، إذ أشار "ديمتري" إلى أن الإعلانات تسهم بأقل من 3% من العائدات.
ويقول ديمتري: "لقد كان التحوّل نحو تطوير ألعاب مجانية تحديًا كبيرًا بالنسبة إلينا، لقد كان أمرًا مختلفًا كليًّا"، مضيفًا: "إنّ الألعاب المجانية ليست مجرّد ألعاب تقوم بتطويرها وإصدارها لتنتقل بعدها إلى تطوير ألعاب أخرى، إنها خدمات بحاجة إلى دعم مستمرّ، فالمستخدمون ينتظرون إصدار التحديثات بشكل منتظم".
جوائز عالمية
نجحت "بلايريكس" في هذا التحوّل، إذ تمكنت خلال الأعوام الثلاثة الماضية من الفوز بجوائز عالمية على لعبة "غاردن سكايبس" (gardenescapes) واللعبة المكملة لها "هوم سكايبس" (Homescapes)، التي تضم مجموعة جديدة من الألغاز، إذ يجب على اللاعب إتمام الصفوف من خلال مطابقة 3 صور متشابهة على الأقل، ليتمكن بذلك من اجتياز المراحل المختلفة والتقدّم في أحداث القصة التي ترويها اللعبة، والتي تدور حول مساعدة رئيس الخدم أوستن (Austin) في عملية ترميم المنزل والحديقة التابعة له.
ووصف "ديمتري" اللعبة قائلًا: "يشارك أوستن في حوار معك، بينما تقوم بمساعدته على اختيار طرق تصميم ديكورات القصر، والتعمّق في قصَّة هذه الشخصية ليتشكّل رابط بينك وبينه"، وأضاف: "هذا النوع من الألعاب الذي قمنا فيه بالدمج بين لعبة مطابقة 3 صور مع مبدأ "ميتا غايم" (meta game) قد حقق نجاحًا كبيرًا وبدأت الشركات الأخرى في تقليدنا".
قال توم ويجمان (Tom Wijman)، محلل في شركة "نيو زوو" (Newzoo): "إنّ (بلايريكس) وبلا شك قد أسهمت في هذا الابتكار الرئيسي للعبة مطابقة 3 صور، والذي يُعَدّ الأول من نوعه، وذلك منذ أن قامت شركة (كينغ ديجيتال للترفيه-King Digital Entertainment Plc) بالسيطرة تمامًا على السوق بلعبة (كاندي كراش-Candy Crush)، إذ استطاعت (بلايريكس) إضافة درجة من التعقيد إلى الألعاب ودمج مبدأ ألعاب (ميتا غايم) مع لعبة مطابقة 3 صور دون إبعاد الذين يستخدمون الهواتف الذكية في اللعب بشكل غير منتظم".
وأشار "ديمتري" إلى أن شركته تقوم بتوظيف عديد من كُتاب السيناريو الذين يعملون بدوام كامل على كتابة الحوار الذي يدور بين "أوستن" واللاعب، كما أنها تسعى دائمًا إلى تحسين الألعاب وتطويرها.
الألعاب بدلاً من الفيديو والموسيقى
ويرى "ديمتري" أن الألعاب "مثل التطبيقات التي يستخدمها الناس لسنوات كـ (سبوتيفاي-Spotify) مثلًا، بدأ مزيد من الناس الاعتياد على هذه الألعاب حتى أصبح أمرًا عاديًّا جدًّا"، متسائلًا: "ما المانع من دفع 5 دولارات للاستمتاع بالألعاب على هاتفهم الذكي بدلًا من مشاهدة مقاطع فيديو أو الاستماع إلى الموسيقى؟".
وتوضح الشركة أنّ المستخدم العادي في الولايات المتَّحدة الأمريكية ينفق 32 دولارًا شهريًّا للعب "هوم سكايبس" (Homescapes) التي تعتبر من أشهر الألعاب التي طورتها "بلايريكس".
على الرغم من أن "بلايريكس" لم تصدر أي لعبة جديدة منذ عام 2017، فإنها استحوذت مؤخرًا على العديد من استوديوهات الألعاب بهدف التوسع في مجالات جديدة، بحسب قول "إيغور" الذي رفض ذكر تفاصيل عن هذه الاستوديوهات إلى حين إصدار الألعاب التي طورتها في وقت لاحق من عام 2019.
نعلم أنّ الألعاب الناجحة تجذب "الحيتان"، فقد سبق أن استحوذت شركة "أكتيفيجن بليزارد إنك" (Activision Blizzard Inc) على شركة "كينغ ديجيتال" (King Digital) في عام 2015 مقابل 5.9 مليار دولار، وبعد عام وجّهت شركة "تينسينت" (Tencent) المستثمرين نحو صفقة بلغت قيمتها 8.6 مليار دولار للاستحواذ على حصة الأغلبية في شركة "سوبر سل أوي" (Supercell Oy) التي طورت لعبة "كلاش أوف كلانز".
لكن، هل يمكن أن تصبح شركة "بلايريكس" الهدف القادم لهذه الشركات؟.. نُشرت معلومات في شهر فبراير 2019 عن احتمالية بيع الشركة مقابل 3 مليارات دولار، وأشارت إلى شركات صينية مثل "آي دريم سكاي تكنولوجي القابضة" (iDreamSky Technology Holdings) و"فن بلس للألعاب" (FunPlus Game Co) بمحاولة الاستحواذ عليها، ولكنّ الأخَوين أنكرا صحّة ذلك.
لن نبيع الشركة مقابل 3 مليارات دولار
وبابتسامة على وجهه قال ديمتري: "لن نبيع مقابل 3 مليارات دولار"، غير أنه أقرّ بأن "بلايريكس" قد بحثت مؤخرًا وتحديدًا في عام 2019 بعض الخيارات الاستراتيجية، في إشارة إلى اجتماعاتها مع المصارف في "وول ستريت"، بينما أشار إيجور إلى أن هدفهم في الوقت الحالي أن تصبح "بلايريكس" شركة ألعاب من المستوى الأول، وتنافس شركات مثل "أكتيفيجن بليزارد إنك" ((Activision Blizzard Inc، و"إلكترونكس آرت" (Electronic Arts) في الغرب، و"نت إيز إنك" (NetEase Inc) و"تينسينت" (Tencent) في الصين. وقال: "نريد أن نكبر لتصبح شركتنا بنفس حجم هذه الشركات، وذلك بالاستعانة بموهبة المطورين في منطقتنا، أي من الاتِّحاد السوفييتي سابقًا وأوروبا الشرقية".
يبدو أنّه ما من رقم سحريّ يستطيع إجبار الأخَوين بوخمان على بيع شركتهما، إذ يقولان إنّ المال يأتي في المرتبة الثانية بعد القيام بما يحبّانه. وهنا قال "ديمتري": "قد يعتقد البعض أنّ كل شيء يختلف ويصبح أكثر إثارة عند امتلاك كثير من المال، وتبدأ في القيام بأمور مختلفة. كلا، فنحن نواصل العمل".
*هذا المحتوى من بلومبيرغ