يتواصل حتى الأربعاء المقبل، في "قاعة آزاد للفن التشكيلي"، المعرض الختامي للنسخة الثامنة من "ملتقى مراكب البرلس" بمشاركة أكثر من 40 فناناً مصرياً من مختلف الأجيال.
وتبحر النسخة الثامنة من الملتقى العام الحالي، دون مشاركات دولية كما هو الحال مع الدورات السابقة، إذ اكتفت إدارة المهرجان، بأن تقتصر الفعاليات على رسم جدارية واحدة بمدينة البرلس، وأن يقوم كل فنان مشارك بالرسم على مجسم مصغر على غرار مراكب الصيد بمدينة البرلس في مرسمه الخاص.
وقال الفنان عبد الوهاب عبد المحسن مؤسس الملتقى ومديره: "فضلنا أن نحافظ على استمرار الملتقى حتى تنتهي ظروف الجائحة (كورونا)، واكتفينا برسم جدارية نفذها الفنان عادل مصطفى، وفي نفس الوقت وزعنا 50 مركباً مصغراً على الفنانين ليرسموها في مراسمهم لنتفادى التجمعات، وأن يكون المعرض تكملة للجدارية".
بدوره، قال الفنان عمر الفيومي، وهو أحد المشاركين في الملتقى منذ دورته الأولى، إنه حرص على المشاركة ورسم الجداريات، لأنه يرى في المتلقى أحد أفضل فعاليات الفن التشكيلي في مصر.
وأوضح الفيومي: "مع هذا الملتقى دخلنا مدينة تعيش على الصيد فقط، لم يكن هناك أي اهتمام بتجميل المدينة".
وأضاف أن "الناس في البدء لم تكن متفاعلة، كان هناك بعض المعترضين على الرسم، لكن الناس بدأت تفهم أن هذا الرسم والجداريات مهمة، وأدى التفاعل المباشر مع الفنانين إلى تحول جذري في شكل المدينة والناس، وبدأ الجميع يدرك أن الحياة ليست أكل وشرب فقط".
الفن يذيب الجليد
رحلة طويلة قطعها ملتقى البرلس لإذابة الجليد مع أهالي المدينة الصغيرة، ففي البداية واجه الملتقى اندهاش وخوف الأهالي من الضيوف الغرباء.
وقال عبد الوهاب: "في البداية كانت الناس تهاب الفنانين، وكنا نستأذن أصحاب المنازل في الرسم على جدران بيوتهم ويوافقون على مضض، وسيدات المنازل تخجل من المشاركة، فلجأنا إلى فكرة أن نترك الألوان والخامات في البيوت المحيطة بالجدارية، كنا نأتي في الصباح لنجدهن رسمن على الحائط، وقد زال هذا الخوف تدريجياً، مع تكرار الملتقى".
وتابع: "الآن صار الناس يتسابقون في طلب أن نرسم على بيوتهم، والأطفال أعدوا كراسات الرسم، وإبداعاتهم طوال السنة ليعرضوها على الفنانين، وانعقدت الصداقات بينهم وبين الفنانين من مختلف الدول".
وكانت فكرة الملتقى في الأعوام السابقة، تقوم على أن ينظم جولة للفنانين المشاركين في أرجاء المدينة الساحلية، ليستلهم كل فنان منهم هذه البيئة الفريدة في عمل فني، وتشمل الفعاليات الرسم على مراكب الصيد، وجداريات على المنازل، وورش ترفيهية وتثقيفية للكبار والأطفال.
يقول عبد الوهاب: "افتقدنا هذا العام مشاركة الأهالي، وهم أيضاً افتقدونا وحزنوا حين اكتشفوا أن برنامج الملتقى تم تقليصه، لكننا نعد لدورة قوية في أكتوبر المقبل".
الهجرة غير الشرعية
ويعقد ملتقى البرلس في مدينة يستخدمها الكثيرون كبوابة للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وهو أمر يضعه عبد المحسن ضمن أحد أبرز أهداف الملتقى، بتعبيره: "يهدف الملتقى إلى زيادة الانتماء لدى أطفال وشباب المدينة، فهو فرصة حقيقية لإعادة اكتشاف جماليات المكان ومزاياه، وطبيعته الساحرة، حين يرى هؤلاء الصغار الافتتان في أعين كبار الفنانين يدفعهم ذلك لإعادة اكتشاف مزاياه".
وتابع: "التقرب من الفنانين ليس له جدوى في مسألة الهجرة، لكنه مهم لمن يؤمن بالفن، ويشعر أن لديه موهبة.. نعمل ضد الهجرة غير الشرعية، فالناس كانت تندهش ماذا يعجب الفنانين في المكان، لكن مع الوقت أدركوا جمال الطبيعة، وسهولة الرزق، وانخفاض تكاليف المعيشة مقارنة بالمدينة، ناهيك عن الهدوء، وهو أمر مختلف تماماً عن تعقيدات حياة المدينة وقسوتها وصعوبتها".
حصاد 8 سنوات
ووصل عدد المشاركات الدولية في ملتقى مراكب البرلس إلى 40 دولة، ورغم غياب المشاركات لهذا العام، يرى عبد الوهاب أن الحدث له أصداء أشد قوة داخل المدينة الصغيرة، ففي السنوات التي أقيم فيها الملتقى، أصبح الأطفال المشاركون في الدورة الأولى شباباً يبحثون عن الجمال، ومنهم من يسعى لاكتشاف مواهبه الفنية ويطمح إلى التوجه للفن.
وأوضح: "أهم منجز للملتقى هو إدخال البهجة على تلك الكثافة السكانية المحرومة من أي خدمة ثقافية، وتقريب جماليات اللون والرسم من وجدان الناس، ناهيك عن جهود تهيئة المكان لاستقبال فعالية دولية".
"هذه الحالة بين الأهالي والفنانين أيضاً أوصلت رسالة للعالم"، والكلام هنا على لسان عبد الوهاب، "أننا مجتمع آمن يقبل الآخر، فكل ضيف يأتي إلى الملتقى يعود بذاكرة لها علاقة بالطيبة والأمان وعراقة التاريخ، ونقاء الجو والإبداع العفوي، وحسن الضيافة وقبول الآخر".