الجزائر.. مطالب بـ"ضمانات حقيقية" لنجاح هيئة حماية المال العام

time reading iconدقائق القراءة - 6
أحد شوارع العاصمة الجزائر - AFP
أحد شوارع العاصمة الجزائر - AFP
الجزائر-أمين حمداوي

قررت السلطات الجزائرية استحداث هيئة وطنية لمراقبة مصادر ثروة الموظفين في القطاع العام، عملاً بمبدأ "من أين لك هذا؟" في إطار جهود محاربة الفساد وحماية المال العام، إلا أن نشطاء وسياسيين عبروا عن مخاوف تتعلق بالتنفيذ الفعلي لضوابط تلك المنظومة، وطالبوا بـ"ضمانات حقيقية".

ويأتي قرار الحكومة الجزائرية، بعد تأكيدها أن محاربة الفساد تتصدر أولوياتها، تزامناً مع تواصل محاكمات رموز حكومة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، الذي استقال تحت ضغط الحراك الشعبي في أبريل 2019.

وتسعى الجزائر لاستحداث سلطة وطنية عليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، يرتكز نشاطها على العمل الوقائي لمحاربة الفساد، بدءاً من تحديد شروط جديدة ودقيقة للإعلان عن الصفقات والمناقصات على الجرائد.

ووجه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون باستحداث هيئة جديدة للتحري في مظاهر الثراء عند الموظفين في القطاع العام بلا استثناء، من خلال إجراءات قانونية صارمة لمحاربة الفساد.

"قطيعة مع الممارسات السابقة"

عبد القادر بريش، النائب في مجلس النواب الجزائري وعضو لجنة المالية، قال إن "تأسيس هيئة لمراقبة ثراء الموظفين الحكوميين وكبار المسؤولين، تأتي في سياق البناء المؤسساتي الجديد، القائم على مبدأ المساءلة والمحاسبة".

وأضاف في حديثه لـ"الشرق" أن هذه الخطوة تهدف لـ"إحداث قطيعة مع ممارسات الفساد لمسؤولين سابقين في نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ممن استغلوا نفوذهم ووظائفهم لتحقيق مكاسب مالية غير مشروعة، كشفتها سلسلة محاكمات كبار المسؤولين التي بدأت عقب استقالة بوتفليقة تحت ضغط الحراك الجزائري".

من جانبه اعتبر حبيب براهمية، القيادي في حزب جيل جديد، وهو أحد الأحزاب المعارضة لحكومة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة والتي شاركت في تظاهرات الحراك الرافضة لترشحه لولاية خامسة، أن "تعزيز المنظومة القانونية، خطوة مهمة جداً لمحاربة الفساد".

وأضاف في تصريح لـ"الشرق" أن "تفشي الفساد في القطاع الحكومي الجزائري خلال فترة حكم بوتفليقة، نخر مقدرات الدولة الجزائرية وعطل مشاريعها التنموية"، مضيفاً أن الصفقات العمومية "كانت توزع وفق حسابات المحاباة، ومقابل الرشوة".

وتابع قائلاً: "يحقق القضاء الجزائري اليوم في العديد من تلك المشاريع، ففي النهاية صرفت أموال كبيرة دون إنجاز المشاريع بالجودة المطلوبة". 

"دور ردعي"

وفي السياق ذاته، استحدثت الرئاسة الجزائرية بداية شهر يناير الحالي منصب مفتش عام لمصالح الدولة والجماعات المحلية ملحق مباشرة بها، يتولى مهمة مراقبة نشاط المسؤولين.

وقال حسان إبراهيمي، القيادي في "منظمة الحقوقيين الجزائريين" قيد التأسيس، في تصريح لـ"الشرق"، إن "استحداث هذا النوع من المفتشيات ضروري لضمان حسن التسيير ومراقبة أداء الجهاز التنفيذي للدولة".

مضيفاً أنه "معروف في كل الأنظمة الديمقراطية تطبيقاً لمبدأ المراقبة والمحاسبة والجزاء، أو ما يعرف في لغة حقوق الإنسان العالمية بالديمقراطية المحاسبية، التي تقتضي أن يخضع كل مسؤول لحكم القانون في أي قرار يتخذه، ونظام المفتشيات يعد أحد آليات تطبيق نظام الديمقراطية المحاسبية لضمان تسيير خالٍ من الفساد".

"آليات رقابة ومحاسبة"

وأضاف حسان إبراهيمي أنه بإنشاء السلطات الجزائرية للمفتشية العامة التابعة لرئاسة الجمهورية مباشرة، فإنها "تستعيد بذلك آليات الرقابة والمحاسبة، بما يضمن سيادة مبدأ حكم القانون على الجميع بما فيهم كبار المسؤولين".

وأكد أنه بذلك "سيعمل الجميع تحت رقابة القانون، ولن يفكر أي مسؤول في تجاوز القوانين، ما دام هناك جهاز يسهر على التطبيق السليم للقانون".

ولفت إبراهيمي إلى أن دور الهيئة الأساسي "رقابي ومحاسبي"، مضيفاً أنه ستمنح لها أيضاً صلاحيات إحالة الملفات التي تتضمن خروقات قانونية إلى العدالة.

وتم إنشاء هذه المفتشية سابقاً في عام 2017 بأمر من الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء حينها، قبل أن يلغيها خلفه أحمد أويحي الموجود بالسجن بسبب قضايا فساد.

مخاوف

في المقابل أعرب نشطاء وسياسيون جزائريون، عن مخاوفهم من أن يكون استحداث هيئات جديدة لمكافحة الفساد، غير كافٍ للحد من الفساد ونهب المال العام، باعتبار أن إشكالية محاربة الفساد في الجزائر لا تتعلق بالمنظومة القانونية الحالية التي تجرم نصوصها كل أشكال نهب المال العام و"إنما تتعلق بتنفيذها".

واعتبر الناشط السياسي والحقوقي طارق مراح في تصريحات لـ"الشرق"، أن الضمانة الأهم لمحاربة الفساد هو "تعزيز استقلالية القضاء كأداة رادعة له".

"ضمانات حقيقية"

من جانبها طالبت الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد بوضع "ضمانات حقيقة" للاستقلالية الفعلية لهذه الهيئة، مع وضع استراتيجية متكاملة ودقيقة في ما يخص التصريح بالممتلكات الخاصة بالموظفين العموميين من دون استثناء.

وطالبت بضمان حق كل مواطن في الحصول على المعلومة الرسمية في مجال محاربة الفساد، والحماية الحقيقية والملموسة للمبلغين عن الفساد، مع اعتماد قانون صفقات عمومية يكون فيه منح الصفقة "بالتراضي" استثنائياً، وللضرورة فقط، ووفق معايير محددة. 

وتستمر جلسات محاكمات أبرز رموز حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وأبرزهم رئيسا الوزراء السابقان أحمد أويحي وعبد المالك سلال، في قضايا فساد ضخمة، وسط جهود ومحاولات لاسترداد الأموال المنهوبة المهربة خارج الجزائر، والتي قدرها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بعشرات المليارات من الدولارات، في تصريحات إعلامية سابقة له.

وكانت وزارة العدل الجزائرية، أعلنت حجز أموال قدرت ب 850 مليون دولار، إضافة إلى عقارات وأملاك منقولة في الجزائر، في إطار سلسلة التحقيقات التي بدأها القضاء الجزائري عقب حراك فبراير 2019.