اعتبرت وكالة "بلومبرغ" أن القرار المفاجئ الذي أصدرته الصين ويتيح للأزواج إنجاب طفل ثالث، قد يكون متأخراً جداً في عكس مسار انخفاض معدل المواليد، وتقلّص اليد العاملة في البلاد.
وأشارت الوكالة إلى أن اقتصاديين وعلماء في الديموغرافيا يعتبرون أن السلطات ستحتاج إلى سياسات داعمة لرعاية الأطفال، وتدابير للحدّ من ارتفاع تكاليف التعليم والإسكان، لتمكين الأزواج من إنجاب مزيد من الأطفال.
وتعمل الصين تدريجياً على إصلاح سياستها الصارمة المتعلّقة بمعدلات الولادة، والتي أرغمت طيلة عقود غالبية الأسر على إنجاب طفل واحد، وفي عام 2016، سُمح للأزواج بإنجاب طفل ثان، لكن ذلك لم يسفر عن زيادة معدل المواليد.
وفي اجتماع برئاسة الرئيس شي جين بينغ، الاثنين، أقرّ المكتب السياسي للحزب الشيوعي الحاكم، تخفيف القيود التي ترغم الأزواج على إنجاب طفلين فقط، وكذلك رفع سنّ التقاعد، في محاولة لتعزيز القوة العاملة.
"بيئة اجتماعية مشجّعة"
ونقلت "بلومبرغ" عن يوان شين، وهو أستاذ في جامعة نانكاي بتيانجين، قوله: "إنها خطوة سياسية مهمة، لكن سياسة الأطفال الثلاثة وحدها لن تؤدي إلى انتعاش مستدام في معدل الخصوبة، ثمة حاجة إلى مجموعة كاملة من الخدمات والسياسات، مثل رعاية الأطفال، والتخفيضات الضريبية للآباء، وإعانات الإسكان، وحتى المساواة بين الجنسين، لإيجاد بيئة اجتماعية تشجّع الآباء على إنجاب مزيد من الأطفال".
ودعا مسؤولون حكوميون، من بينهم باحثون في المصرف المركزي الصيني، إلى إلغاء كامل للقيود على الإنجاب، واحتدم هذا النقاش، بعدما أظهرت نتائج أحدث إحصاء وطني للسكان في الصين، نُشرت الشهر الماضي، انخفاضاً في عدد السكان بسنّ العمل في البلاد، خلال العقد الماضي.
ويعني انخفاض معدل المواليد أن عدد سكان الصين، البالغ 1.41 مليار الآن، قد يبدأ في الانكماش قبل عام 2025، وفقاً لتقديرات "بلومبرغ إيكونوميكس"، ووُلد 12 مليون طفل العام الماضي، وهذا أقلّ عدد منذ عام 1961.
وقال يوان شين، إن معدل الخصوبة لدى الصينيين يبلغ الآن 1.3 لكل امرأة، لافتاً إلى أن نسبة 1.8 لكل امرأة تُعدّ مثالية لنموّ سكاني صحي.
"حزمة سياسات شاملة"
وشهد معدل الخصوبة في الصين انخفاضاً ثابتاً، منذ سبعينيات القرن العشرين، إذ ارتفعت مستويات التعليم، وشجّعت الحكومة النساء الريفيات على إنجاب عدد أقلّ من الأطفال، وبلغ ذلك ذروته، في سياسة "الطفل الواحد" التي طُبّقت على غالبية النساء، منذ نهاية ذلك العقد، وطُبّقت القواعد بقسوة في أحيان كثيرة، لا سيّما في المناطق الريفية، حيث يأمر مسؤولون أحياناً، النساء بإجراء عمليات إجهاض.
ويؤدي انخفاض معدل المواليد وزيادة عدد المسنّين، إلى الضغط على الاقتصاد والموارد الحكومية، ويتوجب على بكين، للحفاظ على النموّ الاقتصادي، زيادة الإنفاق بسرعة على رواتب التقاعد والرعاية الصحية، مع الحفاظ على مستوى عالٍ من استثمارات الشركات والدولة، من أجل تعزيز قطاعها الصناعي الواسع، وزيادة مستويات التعليم.
ونقلت "بلومبرغ" عن ليو لي غانغ، وهو مدير تنفيذي وأبرز الاقتصاديين في شؤون الصين بمصرف "سيتي غروب"، قوله: "ثمة حاجة إلى حزمة سياسات شاملة، تتراوح بين حوافز ضريبية، وإعانات للتعليم والإسكان، وإجازة أمومة أكثر سخاءً، وتأمين شامل لرعاية الأطفال"، كي تكون سياسة الأطفال الثلاثة فعّالة.
واعتبر أن على الحكومة إعادة بناء شبكة الأمان الاجتماعي، واحتواء أسعار المساكن وخفض تكاليف التعليم.
"تعزيز التمدين"
وحافظت الصين على نموّ اقتصادي سريع في العقود الأخيرة، على الرغم من تباطؤ النموّ السكاني، إذ إن الهجرة إلى المدن حفّزت تحوّلاً، من الزراعة إلى المصانع والخدمات، مّا أدى إلى زيادة الناتج الاقتصادي لكلّ عامل.
وللمساهمة في الحفاظ على النموّ، تتطلّع الصين إلى رفع سنّ التقاعد، وهو من الأدنى في العالم، كما تتطلع أيضاً إلى "تعزيز التمدين"، في إشارة إلى التحول السكاني من المناطق الريفية إلى الحضرية، والزيادة التدريجية في نسبة السكان القاطنين في المناطق الحضرية.
وتستهدف الحكومة رفع سنّ التقاعد تدريجياً، من المستوى الحالي، البالغ 60 عاماً للرجال و50 عاماً للنساء، وتخطّط لانتقال 50 مليون شخص بشكل دائم من المناطق الريفية إلى الحضرية، في السنوات الخمس المقبلة، من أجل تولّي وظائف بأجور أعلى، وفق "بلومبرغ".
وقد يعني مزيج صحيح من السياسات، أن تصبح الصين أضخم اقتصاد في العالم، وتستمرّ في دفع الطلب العالمي على السلع الأساسية، في العقود المقبلة، لكن استجابة أقلّ فاعلية قد تعني ألا تتفوّق الصين إطلاقاً على الولايات المتحدة، من حيث حجم اقتصادها، أو تفعل ذلك بشكل عابر.
توظيف النساء
ورجّحت "بلومبرغ" أن يستمرّ الاتجاه نحو عدد أقلّ من المواليد، ولو مع سياسة أكثر مرونة للإنجاب، وعلى غرار شرق آسيا وأوروبا، ثمة تفضيل للأسر الأقلّ عدداً، وكان ارتفاع في عدد المواليد، بعد السماح لغالبية الأسر بإنجاب طفلين، محدوداً، إذ أشار آباء كثيرون إلى ارتفاع تكاليف السكن والتعليم، بوصفه عاملاً كابحاً في هذا الصدد.
ونقلت الوكالة عن هيرالد فان در ليندي، مسؤول استراتيجية الأسهم لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في مصرف "إتش إس بي سي"، قوله: "في هذه الأيام، يختار عدد ضئيل من النساء أو الأسر، إنجاب 3 أطفال. المشكلة تكمن في ارتفاع تكاليف رعاية الأطفال، والتمييز في التوظيف ضد النساء في سنّ الإنجاب، ونقص رعاية الأطفال في مكان العمل... طُرحت كل أنواع السياسات على الأسر في دول أخرى، بما في ذلك المساعدات النقدية، لإنجاب مزيد من الأطفال، ولكن مع تأثير ضئيل في أحيان كثيرة".
وأثارت السياسة الجديدة في المواليد سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي الصينية، إذ أسِف كثيرون لحقيقة أن على الأزواج من الأسر التي لديها طفل واحد، تربية 3 أطفال مع دعم 4 آباء مسنّين، وسداد ديون الرهن العقاري. كذلك أثار الأمر قلقاً بشأن توظيف النساء، إذ رأى بعضهم أن حصولهنّ على وظيفة سيصبح أكثر صعوبة، مستبعدين أن تكون الشركات مستعدة لتحمّل تكاليف الإنجاب.
وقالت فيفيان تشان، وهي أستاذة مشاركة للسياسة الصينية في الجامعة الصينية بهونغ كونغ: "بالنسبة للأغنياء، سيشجّعهم تخفيف السياسة على إنجاب مزيد من الأطفال، ولكن بالنسبة للمواطنين العاديين، مثل الطبقة الوسطى، أو حتى الطبقة الدنيا، ليس لديهم حافز كافٍ للاستفادة من هذه السياسة الجديدة".
اقرأ أيضاً: