بدأت كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، الإثنين، أكبر مناورات عسكرية مشتركة بينهما منذ 5 سنوات، رغم تهديدات بيونج يانج، التي استبقت المناورات بإطلاق صاروخي كروز، فيما وافقت سول على شراء مجموعة من مقاتلات "F-35A" الأميركية وصواريخ اعتراضية محمولة على متن السفن من طراز "SM-6".
وتأتي تلك التدريبات، بعد ساعات على إعلان كوريا الشمالية إطلاق صاروخي كروز من غواصة، وأنهما "أصابا بدقة هدفهما المحدد مسبقاً في بحر كوريا الشرقي (بحر اليابان)".
وأفاد الجيش الكوري الجنوبي بأن هذه المناورات التي تجري تحت اسم "فريدوم شيلد" (درع الحرية) وتستمر مدة 10 أيام، "تتضمن تدريبات في زمن الحرب لصد هجمات كوريا الشمالية المحتملة والقيام بحملة استقرار في الشمال".
وشدّدت هيئة الأركان المشتركة في كوريا الجنوبية على أن هذه المناورات "دفاعية وتستند إلى خطة عمليات مشتركة".
إطلاق صواريخ من غواصة
وتثير التدريبات من هذا النوع غضب بيونج يانج التي تعتبرها محاكاة لغزو أراضيها، وتهدّد بانتظام باتخاذ إجراء "ساحق" رداً عليها.
وأعلنت بيونج يانج، الاثنين، أنّها أطلقت صاروخي كروز من غواصة، مشيرة إلى أنّ إطلاق الصاروخين يهدف إلى اختبار "الردع النووي في مساحات مختلفة"، بينما انتقدت مناورات "فريدوم شيلد" بين القوات الأميركية والكورية الجنوبية.
وقال جو ميونج-هيون الباحث في معهد "آسان للدراسات السياسية في سول" إن "كوريا الشمالية تستخدم الصواريخ لـ(التنديد) بالمناورات المشتركة"، مضيفاً أنها "تريد التأكيد أنّ سبب تطويرها للصواريخ هو لأغراض الدفاع عن النفس".
وأشارت كوريا الشمالية إلى أنّ "صاورخي كروز أصابا بدقة الهدف المحدّد مسبقاً في بحر كوريا الشرقي"، وفقاً لوكالة الأنباء الرسمية الكورية الشمالية، في إشارة إلى المسطّح المائي المعروف ببحر اليابان.
"ابتزاز شرير"
ونشرت وزارة الخارجية في كوريا الشمالية بياناً الإثنين، تنتقد فيه "الابتزاز الشرير للأميركيين في ما يتعلق بحقوق الإنسان"، بعدما أعلنت واشنطن أنها دعت إلى اجتماع للأمم المتحدة هذا الأسبوع بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في كوريا الشمالية.
ولا تحظر عقوبات الأمم المتحدة الحالية عملياً على بيونج يانج إطلاق صواريخ كروز، غير أنّه لا يُسمح لها بإجراء تجارب تتعلّق بترسانتها النووية.
واعتبرت وكالة الأنباء الرسمية الكورية الشمالية أن هذا الاختبار مرتبط بواقع أن سول وواشنطن "تتقدّمان بشكل يزداد وضوحاً في إطار مناوراتهما العسكرية ضد" كوريا الشمالية.
وأفادت هيئة الأركان المشتركة في كوريا الجنوبية عن اكتشاف إطلاق صاروخ واحد على الأقل من نوع غير محدّد من غواصة كورية شمالية، الأحد، مضيفة أن أجهزة الاستخبارات الأميركية والكورية الجنوبية تقوم بتحليل الوقائع.
وتُظهر الصور التي بثتها وسائل الإعلام الحكومية في كوريا الشمالية غواصة من طراز "يونجونج 8.24" وصاروخاً يحلّق في السماء، إضافة إلى دخان أبيض وألسنة نيران.
غير أنّ خبراء أعربوا عن "شكوك كبيرة" بشأن التقدّم المحرز في برنامج غواصة بيونج يانج.
وقال بارك وون جون الأستاذ في جامعة إيهوا في سول، إنّ الصور التي تمّ بثّها تشير إلى أنّ الصاروخ أُطلق فوق سطح الماء، مضيفاً لوكالة "فرانس برس" أنه "في هذه الحالة، لا جدوى (من تنفيذ الإطلاق) من غواصة" لأنّه ليس خافياً.
مقاتلات جديدة
وفي السياق، وافقت كوريا الجنوبية، الاثنين، على شراء مجموعة أخرى من مقاتلات الشبح الأميركية من طراز "F-35A" وصواريخ اعتراضية محمولة على متن السفن من طراز "SM-6"، بحسب وكالة "يونهاب" الكورية الجنوبية.
وقالت إدارة برنامج الاقتناء الدفاعي في كوريا الجنوبية إن "لجنة تعزيز مشروع الدفاع وافقت على خطة بقيمة 3.75 ترليون وون (2.85 مليار دولار) لشراء طائرات الشبح الأميركية الصنع حتى عام 2028".
ولم تكشف الإدارة عن عدد الطائرات التي سيتم شراؤها، ولكن من المتوقع أن تشتري سول 20 طائرة من طراز "F-35A" بموجب الخطة الجديدة. وتمتلك القوات الجوية في البلاد حالياً 40 طائرة مقاتلة من ذلك الطراز الذي تصنعه شركة الدفاع الأميركية العملاقة "لوكهيد مارتن"، بحسب "يونهاب".
كما وافقت اللجنة أيضاً على خطة شراء المرحلة الأولى للصواريخ "SM-6" التي تصنعها شركة الدفاع الأميركية "رايثيون" للصناعات التكنولوجية، وهي جزء من المشروع المكون من مرحلتين بقيمة 770 مليار وون (589.6 مليون دولار)، والذي سيستمر من هذا العام حتى عام 2031، بهدف تحسين التصدي للتهديدات التي تمثلها الطائرات والصواريخ المعادية، وفقاً لـ"يونهاب".
استعداد لـ"حرب حقيقية"
وفي 2022، وصفت كوريا الشمالية وضعها كقوة نووية بأنه "لا رجعة فيه" وأجرت عدداً قياسياً من التجارب البالستية، في انتهاكٍ لقرارات الأمم المتحدة.
والجمعة، أفادت وكالة الأنباء الرسمية الكورية الشمالية بأنّ الرئيس كيم جونج أون أمر جيشه بتكثيف مناوراته العسكرية تحسّباً لـ"حرب حقيقية".
وأكدت واشنطن مراراً التزامها "الثابت" بالدفاع عن كوريا الجنوبية، عبر استخدام "النطاق الكامل لقدراتها العسكرية، بما في ذلك النووية" وسعت أخيراً إلى طمأنة سول بشأن قدراتها الرادعة الموسّعة مع حلفائها.
ويأتي ذلك فيما تسعى كوريا الجنوبية إلى طمأنة الرأي العام القلق إلى حد ما بشأن الالتزامات الأميركية في ما يتعلّق بما يُسمّى الردع الموسّع الذي يمكن أن يمنع الهجمات ضدّ الحلفاء، بفضل الوسائل العسكرية الأميركية بما في ذلك الأسلحة النووية.
وبينما لم تتغيّر السياسة الرسمية للبلدين إزاء كوريا الشمالية، والتي تتمحور حول تخلّي الزعيم الكوري الشمالي عن أسلحته النووية والعودة إلى طاولة المفاوضات، يعتقد الخبراء أنّ هناك تغييراً في الممارسة.
وقال آن شان ايل مدير المعهد العالمي للدراسات الكورية الشمالية لوكالة "فرانس برس"، إنّ واشنطن "اعترفت فعلياً بأنّ كوريا الشمالية لن تتخلى أبداً عن برنامجها النووي".
وأضاف أنّ "فريدوم شيلد" ستكون بالتالي "مختلفة تماماً - على المستويين النوعي والكمي - عن التدريبات المشتركة السابقة التي جرت في السنوات الأخيرة".
في المقابل، من المرجّح أنّ تستخدم بيونج يانج "فريدوم شيلد" كـ"ذريعة" لزيادة الاستثمار في برامج الأسلحة المحظورة، وفقاً لما ذكره تشون إن بوم وهو جنرال متقاعد في الجيش الكوري الجنوبي.
وزاد: "يجب توقّع إطلاق المزيد من الصواريخ، مع اختلافات في الأسلوب والمدى، وحتّى إجراء تجربة نووية. المزيد من أعمال التخويف من قبل كوريا الشمالية لن يكون مفاجئاً".