
استأنف القضاء الأعلى في العراق، الأربعاء، أعماله بعد انسحاب المتظاهرين من أنصار التيار الصدري من أمام مقر المجلس والمحكمة الاتحادية، بالمنطقة الخضراء وسط بغداد.
وعادت الحركة إلى طبيعتها في محيط مجلس القضاء الأعلى والطرق المؤدية إليه، بعد أن رفع المتظاهرون خيام الاعتصام من أمام مبنى المجلس.
وذكر بيان لمجلس القضاء، نقلته وكالة الأنباء العراقية "واع"، أن "القضاة وأعضاء الادعاء العام المستمرين بالخدمة على وجه الخصوص، ملتزمون بما يفرضه عليهم قانون التنظيم القضائي من التزامات وواجبات ومنها عدم التصرف باجتهاد فردي في القضايا التي تشغل الرأي العام".
ونفى المجلس "مطالبة مجموعة قضاة بالشكوى أمام المحاكم الدولية بخصوص أحداث الاعتصام يوم الثلاثاء"، مشيراً إلى أن "القضاء العراقي هو المختص والقادر على التصدي لأي قضية وفق القوانين".
وكان التيار الصدري أعلن عن اعتصام مفتوح أمام مجلس القضاء الأعلى، ما أدى إلى إعلان المجلس تعليق أعماله والمحاكم التابعة له والمحكمة الاتحادية، قبل أن يقرر لاحقاً استئنافها اعتباراً من الأربعاء.
وقال مجلس القضاء إنه قرر استئناف العمل في جميع المحاكم اعتباراً من الأربعاء، لكنه أكد على المضي باتخاذ الإجراءات القانونية "بحق كل من يخالف القانون ويعطل المؤسسات العامة".
وأعلن المجلس، الثلاثاء، أن محكمة تحقيق الكرخ أصدرت مذكرة قبض بحق القيادي في التيار الصدري صباح الساعدي بتهمة "تهديد القضاء"، وأخرى بحق القيادي في التيار غايب العميري بتهمة "التحريض على قتل القضاة" ومنعه من السفر.
وفي بيان إعلانه عن تعليق العمل بالمحاكم، أشار مجلس القضاء إلى أن اعتصام متظاهري التيار الصدري جاء للمطالبة بحل البرلمان "عبر الضغط على المحكمة الاتحادية العليا لإصدار القرار بالأمر الولائي بحل مجلس النواب وإرسال رسائل تهديد عبر الهاتف للضغط على المحكمة".
وأضاف أن قرار التعليق جاء "احتجاجاً على هذه التصرفات غير الدستورية والمخالفة للقانون وتحميل الحكومة والجهة السياسية التي تقف خلف هذا الاعتصام المسؤولية القانونية إزاء النتائج المترتبة على هذا التصرف".
دعوة إلى حل البرلمان
وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر دعا مجلس القضاء في وقت سابق هذا الشهر إلى حل البرلمان، لكن المجلس أعلن أنه "لا يملك صلاحية لذلك".
وبعد أن نصب معتصمو التيار الصدري بالمنطقة الخضراء سرادقاً أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى الثلاثاء، قال قيادي مقرب من الصدر إنه ينصح المتظاهرين بالانسحاب من أمام مجلس القضاء وإبقاء خيام الاعتصام.
وذكر القيادي صالح العراقي في بيان قال إنه جاء نيابة عن الصدر "في السلك القضائي في العراق الكثير من محبي الإصلاح والمطالبين بمحاسبة الفاسدين، وإن كان هناك فتور في ذلك فهو لوجود ضغوطات سياسية من فسطاط الفساد ضدهم".
وأضاف البيان الذي نشره العراقي عبر صفحته على فيسبوك "ليستمر اعتصامكم أمام البرلمان إن شئتم ذلك فالقرار قرار الشعب".
الكاظمي يدعو للتهدئة
ودفعت أحداث مجلس القضاء، رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى قطع زيارته لمصر، التي توجه إليها للمشاركة في قمة عربية مصغرة.
وقالت وكالة الأنباء العراقية (واع) إن الكاظمي طالب جميع القوى "بالتهدئة واستثمار فرصة الحوار الوطني للخروج بالبلد من أزمته الحالية"، محذراً من أن "تعطيل عمل المؤسسة القضائية يعرض البلد إلى مخاطر حقيقية".
وأكد رئيس الوزراء في بيان على أن "حق التظاهر مكفول وفق الدستور، مع ضرورة احترام مؤسسات الدولة للاستمرار بأعمالها في خدمة الشعب"، داعياً إلى اجتماع فوري لقيادات القوى السياسية "من أجل تفعيل إجراءات الحوار الوطني ونزع فتيل الأزمة".
القوى الأمنية "ليست طرفاً"
وفي وقت لاحق، قال الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة يحيى رسول إن الكاظمي شدد على أن القوى الأمنية والعسكرية لن تنجر إلى الصراعات السياسية ولن تكون طرفا فيها، وسيبقى واجبها دوماً "حماية العراق ومقدراته وقدسية الدم العراقي".
وأضاف رسول في بيان أن الكاظمي، القائد العام للقوات المسلحة، وجه "بتطبيق أقسى العقوبات القانونية بحق أي منتسب في القوى الأمنية والعسكرية العراقية ممن يخالف التعليمات الثابتة بهذا الصدد".
كما أكد رئيس الوزراء على "منع إصدار المؤسسات الأمنية والعسكرية أي بيان ذي طابع سياسي أو يمثل تجاوزاً وإيحاءً بعدم التزام أي مؤسسة بالسياق العسكري والأمني المعمول به".
الإطار التنسيقي يدين
وأثارت التطورات الجديدة ردود فعل على الصعيدين المحلي والدولي، تضمنت تحذيرات من خطورة الوضع في البلاد ودعوات إلى التزام الهدوء وإجراء الحوار باعتباره المخرج الوحيد للأزمة الراهنة.
فعلى الصعيد المحلي، أدان الإطار التنسيقي ما وصفه بـ"التجاوز الخطير على المؤسسة القضائية في العراق"، معلناً رفضه لأي دعوة للحوار المباشر مع التيار الصدري، الذي اعتصم أنصاره أمام مجلس النواب في الآونة الأخيرة احتجاجاً على مرشح الإطار لرئاسة الحكومة محمد السوداني.
ونقل موقع "بغداد اليوم" عن الإطار مطالبته لكل "القوى السياسية الوطنية المحترمة وكذلك الفعاليات المجتمعية إلى عدم السكوت بل المبادرة إلى إدانة هذا التعدي"، كما دعا المجتمع الدولي إلى "بيان موقفه الواضح أمام هذا التعدي الخطير على المؤسسات الدستورية وفي مقدمتها السلطة القضائية والمؤسسة التشريعية".
وعبر الإطار عن رفضه استقبال أي رسالة من التيار الصدري أو أي دعوة للحوار المباشر إلا بعد أن يعلن عن تراجعه عما وصفه بأنه "احتلال مؤسسات الدولة الدستورية والعودة إلى صف القوى التي تؤمن بالحلول السلمية الديمقراطية".
وحمل الإطار التنسيقي الحكومة "كامل المسؤولية للحفاظ على ممتلكات الدولة وأرواح الموظفين والمسؤولين خصوصا السلطة القضائية".
من ناحية أخرى، أكد الكاظمي ورئيس تحالف الفتح هادي العامري في لقاء بينهما على أهمية الحوار للخروج من الأزمة التي تمر بها البلاد.
وقال بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء إن اللقاء شهد أيضاً التأكيد على "أهمية إبعاد مؤسسات الدولة عن جميع أشكال الصراع السياسي".
كما شدد الجانبان على "أهمية الحوار وتبادل الآراء ووجهات النظر بين الكتل السياسية في المشهد العراقي، وضرورة تعزيز سبل التفاهم والحوار ونقاط التلاقي باعتبارها المسار الوحيد للخروج من الأزمة السياسية الحالية"، وفقا للبيان.
"أمر خطير"
الرئيس العراقي برهم صالح، اعتبر أن التظاهر السلمي حق مكفول دستورياً لكن تعطيل عمل المؤسسة القضائية "أمر خطير" يهدد البلد، مشدداً على وجوب العمل على حماية المؤسسة القضائية وهيبتها واستقلالها.
وأشار صالح في بيان إلى أن تطورات الأحداث في البلد تستدعي من الجميع التزام التهدئة وتغليب لغة الحوار وضمان عدم الانزلاق نحو "متاهات مجهولة وخطيرة يكون الجميع خاسراً فيها وتفتح الباب أمام المتربصين لاستغلال كل ثغرة ومشكلة داخل بلدنا".
وجدد الرئيس التأكيد على أن "البلد يمر بظرف دقيق يستوجب توحيد الصف والحفاظ على المسار الديمقراطي السلمي".
كما أكد رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان على احترام حق التظاهر السلمي المكفول بالدستور "شرط عدم الاعتداء على أبنية مؤسسات الدولة ومنتسبيها".
بدوره، عبر رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي عن دعمه للتظاهرات وفق السياقات القانونية والدستورية، مشدداً على وجوب ألا تكون الخصومة مع القضاء.
وأكد الحلبوسي في بيان على أهمية إبقاء القضاء بعيدا عن الأزمة، قائلا إنه هو "الذي نحتكم إليه جميعا إذا اختصمنا".
وأضاف "يجب أن نكون على قدر المسؤولية لنخرج البلد من هذه الأزمة التي تتجه نحو غياب الشرعية".
كردستان تحذر
في كردستان العراق، حذر رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني من خطورة الوضع في البلاد بعد أحداث مجلس القضاء، واصفاً الوضع بأنه "يكاد يضع مستقبل البلد والسلم المجتمعي في مواجهة خطر جدي".
وقال بارزاني في بيان "نتابع بحرص وقلق بالغين التطورات السياسية في العراق، والتي تمضي باستمرار صوب المزيد من الفرقة وتعميق الأزمات أكثر فأكثر وإبعاد آفاق الحل".
وأضاف أن تعطيل المؤسسة القضائية "يزيد الوضع تأزماً"، داعياً جميع الأطراف والمتظاهرين إلى حماية المؤسسات والسلم المجتمعي وعدم الخروج عن المسار السلمي والمدني.
وأكد رئيس الإقليم على أن العراق "لم يعد يتحمل المزيد من هذه الأزمات الصعبة والأوضاع المتوترة"، مضيفاً أن استمرار التوترات أكثر من هذا "سينتهي بالإضرار بكل شعب العراق".
كما شدد على الحاجة إلى "حوار وطني جاد ومسؤول بين الأطراف السياسية في سبيل العثور على حل قائم على أساس الدستور"، لافتاً إلى أن هذا هو "الطريق الصحيح الوحيد للخروج من الأزمة والانسداد السياسي".
ائتلاف دولة القانون
أما ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي فقد حث التيار الصدري على ضرورة "الركون إلى منطق العقل والحكمة قبل فوات الأوان".
وقال الائتلاف في بيان نقله تلفزيون (النجباء) إن السلطة القضائية تواجه "اعتداءً آثماً وتجاوزاً مشابهاً لما تعرضت له السلطة التشريعية ضمن مسلسل الاعتداءات الممنهجة على مؤسسات الدولة".
واستنكر البيان ما وصفه بأنه "التعدي الخطير ضمن سلسلة الاعتداءات على المؤسسات الدستورية والقضائية"، مطالباً "أي جهة سياسية لديها اعتراضات أو ملاحظات على المشهد السياسي اتباع السياقات القانونية بعيداً عن ممارسة أي دور تخريبي يعرض أمن واستقرار البلد للخطر".
وفي خطوة مساندة للقضاء، علقت نقابة المحامين العراقية أعمالها مؤكدة أن المؤسسة القضائية "يجب ألا تكون في معادلة الضغط السياسي وينبغي النأي بها عن أي تصرفات تمس استقلاليتها".
"فوضى لن تستثني أحداً"
وبحث رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم مع وزير الخارجية فؤاد حسين تطورات المشهد السياسي، حيث شددا على ضرورة الاحتكام إلى الطرق القانونية والدستورية والأعراف الديمقراطية للتعبير عن الرأي.
وقال الحكيم في بيان إنه أكد ووزير الخارجية على أن التعدي على المؤسسة القضائية "يدخل العراق في فوضى لن تستثني أحداً".
ورفض زعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي ما وصفه بالتجاوز على المؤسسة القضائية "التي يجب إبعادها عن الصراعات السياسية وعدم استعمال ورقة الشارع للضغط عليها لإصدار قرارات لحساب جهات سياسية."
ودعا الخزعلي إلى ضرورة بقاء الخلاف السياسي منحصرا بين الجهات والقوى السياسية، بعيدا عن تعطيل مؤسسات الدولة.
موقف الحشد الشعبي
كما أكدت هيئة الحشد الشعبي حرصها على ألا تكون طرفاً في الأزمة السياسية الراهنة، لكنها أبدت استعدادها "للدفاع عن مؤسسات الدولة، وعلى رأسها السلطة القضائية والتشريعية، وعن النظام السياسي والدستور".
ودعت هيئة الحشد في بيان حكومة الكاظمي إلى "تحمل المسؤولية وبجدية في حماية مؤسسات الدولة الدستورية".
دعوات دولية
وعلى الصعيد الدولي، قالت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق إن الحق في الاحتجاج السلمي عنصر أساسي من عناصر الديمقراطية، لكنها أضافت أنه "لا يقل أهمية عن ذلك التاكيد على الامتثال الدستوري واحترام مؤسسات الدولة".
وأضافت البعثة في بيان أنه يجب أن تعمل مؤسسات الدولة دون عوائق لخدمة الشعب العراقي بما في ذلك مجلس القضاء الأعلى.
من ناحيتها، قالت السفارة الأميركية في العراق إنها تراقب عن كثب تقارير "الاضطرابات" بشأن مجلس القضاء في بغداد، وحثت جميع الأطراف على التزام الهدوء.
ودعت السفارة في بيان جميع الأطراف إلى "الامتناع عن العنف وحل أي خلافات سياسية بطريقة سلمية تستند إلى الدستور العراقي"، كما حثت المتظاهرين على "احترام إجراءات وممتلكات المؤسسات الحكومية".
اقرأ أيضاً: