الاتفاق التجاري لما بعد بريكست.. المكاسب والخسائر والتنازلات

time reading iconدقائق القراءة - 12
متظاهرون يلوحون بعلمي الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة خلال مسيرة في لندن 25 مارس 2017 - AFP
متظاهرون يلوحون بعلمي الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة خلال مسيرة في لندن 25 مارس 2017 - AFP
دبي -الزبير الأنصاري

يمثل إنجاز "الاتفاق التجاري" بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي قبل سبعة أيام فقط من مغادرة المملكة نهائياً للاتحاد، مرحلة جديدة في العلاقات بين بريطانيا والكتلة الأوروبية. 

تطرأ الاتفاقية بتغييرات عديدة، فابتداءً من مطلع يناير المقبل لن يسمح للبريطانيين بالإقامة أو العمل في الاتحاد الأوروبي دون إذن، كما أن مواطني الاتحاد سيكون عليهم تحقيق متطلبات معينة قبل أن يتمكنوا من القدوم إلى المملكة المتحدة.

إضافة إلى أن البريطانيين الذين يديرون شركات في الاتحاد الأوروبي سيكون عليهم تقديم المزيد من الأوراق الإدارية، إضافة إلى الإجراءات الجمركية المحتملة عبر الحدود.

في حساب المكاسب والخسائر، قدم تحليل داخلي للحكومة البريطانية، ما اعتبره انتصاراً بمجموع النقاط لبريطانيا، ففي 65 قضية رئيسية شملها الاتفاق، حققت بريطانيا، بحسب التحليل، مكاسب في 28 قضية تمثل 43% من مجمل القضايا، مقابل 11 قضية كسبها الاتحاد الأوروبي، أي ما نسبته 17%، فيما اضطر الجانبان إلى تقديم تنازلات متبادلة في بقية القضايا الـ26.

ويدعي التحليل تحقيق المملكة مكاسب في قضايا مثل الحواجز التقنية أمام التجارة، والجمارك، والخدمات القانونية، وغيرها من قضايا الاتفاق الذي يغطي تجارة تبلغ قيمتها 909 مليارات دولار.

مكاسب بريطانيا 

بشأن الحواجز التقنية أمام التجارة، والتي يصر فيها الاتحاد على تقييد بريطانيا بإطاره التنظيمي،  تدعي الوثيقة أن الاتفاق ينص بوضوح على الاستقلال التنظيمي للمملكة المتحدة، وإن كان في الوقت نفسه يبقي الباب مفتوحاً أمام التعاون التنظيمي بين الجانبين في مسائل مثل فحص البضائع للتأكد من سلامتها.

وفي ما يتعلق بالجمارك، يشير التحليل إلى أن المملكة المتحدة استطاعت الحصول على بعض التسهيلات، من خلال التوصل لاتفاق بخصوص التعاون لإدارة عمليات الدخول والخروج في الموانئ مثل دوفر، وهوليهيد، مع استكشاف إمكانية مشاركة البيانات المتعلقة بالواردات والصادرات، وذلك خلافاً للموقف الأوروبي السابق الذي كان يركز على فرض السياسات، بدلاً من تخفيف العبء على التجارة.

كما يدعي التحليل أن الحكومة البريطانية استطاعت أن تفرض اعترافاً متبادلاً بخطط الأمن والسلامة للمشغلين الاقتصاديين المرخصين ابتداءً من الأول من يناير المقبل، فيما كان الاتحاد الأوروبي رافضاً الالتزام بأي إطار زمني محدد لهذا الاعتراف.

وخلال إعلانه إنجاز الاتفاق التجاري، تحدث رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عن أن الصادرات البريطانية "ستتدفق نحو بلدان الاتحاد الأوروبي بدون رسوم جمركية"، وإن كان قد أشار في الوقت نفسه إلى أن العام المقبل سيشهد ترتيبات جمركية جديدة.

 على مستوى "الخدمات القانونية"، تقول الحكومة البريطانية إنها تمكنت من إدراج مواد في الاتفاقية تنص على تحسين الوصول إلى الأسواق للمحامين البريطانيين الذين يريدون العمل من خلال القانون البريطاني أو القانون الدولي في الاتحاد الأوروبي.

وترى الحكومة البريطانية أنها حققت أيضاً مكاسب في قطاع الاتصالات خاصة ما يتعلق بالاستقلال التنظيمي، وتشريعات حماية الأطفال عبر الإنترنت، إضافة إلى ما يتعلق بخدمات التجوال في الهواتف المحمولة.

كما ترى الحكومة أنها حققت انتصاراً في مجال الضرائب من خلال التأكيد على رفض مطالب الاتحاد الأوروبي بإلزام المملكة المتحدة بقوانينه الضريبية، وتقديم اتفاقية بدلاً من ذلك تنص على الاحترام الكامل للسيادة الضريبية للمملكة المتحدة.

ومن القضايا المهمة التي كانت مطلباً أساسياً للمحافظين البريطانيين ودعاة بريكست، ما يتعلق بمحكمة العدل الأوروبية، إذ يشير التحليل إلى أن بريطانيا أصبحت بفضل الاتفاق خارج نطاق السلطة القضائية للمحكمة، وهو ما أكده أيضاً بوريس جونسون خلال إعلانه التوصل للاتفاق، الخميس. 

 ويشير التحليل إلى أن المملكة المتحدة حققت مكاسب في قطاع الطيران من خلال موافقة الاتحاد الأوروبي على قواعد ملكية وتحكم أكثر مرونة في ما يتعلق بخطوط الطيران البريطانية.

لكن تظل هذه المكاسب مجرد تقييم أحادي من الحكومة البريطانية، كما أن كثيراً منها تم إنجازه، بحسب وكالة بلومبرغ الأميركية، على حساب قضايا اقتصادية حساسة للمملكة المتحدة.

خسائر الاتفاق 

من أهم الخسائر التي منيت بها المملكة المتحدة، ما يتعلق بقطاع الخدمات، الذي يمثل نحو 80% من الاقتصاد البريطاني، فالعاملون في القطاع لن يحظوا باعتراف تلقائي بمؤهلاتهم المهنية في الاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يصعب عليهم الوصول إلى هذه الأسواق.

كما أن بريطانيا لن تحظى أيضاً بصفقة كتلك التي حظيت بها اليابان في ما يتعلق بالخدمات المالية، والتي كانت ستسمح بقدر أكبر من التعاون التنظيمي، لكن التحليل الحكومي يشير إلى أن الحكومة البريطانية استطاعت تفادي القيود التي كان الاتحاد يريد فرضها لتقييد حق المملكة في الاستعانة بالمصادر الخارجية للخدمات المالية.

وتبقى أيضاً مشكلة الوصول الكامل للأسواق المالية الأروربية، فعلى الرغم من إنجاز الاتفاق، إلا أن مسؤولاً أوروبياً كبيراً أكد، بحسب وكالة رويترز، أن الاتحاد لم يقرر بعد ما إذا كان سيمنح بريطانيا حق الوصول إلى السوق المالية للكتلة.

 كما أقرت الحكومة البريطانية بتحقيق الاتحاد مكاسب خاصة في الجزء المتعلق بأنظمة اللجوء والهجرة غير الشرعية، لافتة إلى أنها ستستمر في الالتزام بالاتفاقيات الثنائية في هذا الصدد.

الصيد البحري 

وتتعلق أهم التنازلات التي اضطر  إليها الطرفان خلال المفاوضات بشأن قضية "الصيد البحري" التي تعثر حلها على مدى 10 شهور من المفاوضات وهددت أحياناً بنسف فرص التوصل إلى اتفاق.

وبموجب الاتفاق التجاري سيتعين على الصيادين الأوروبيين التخلي عن ربع الثروة السمكية التي يحصلون عليها حالياً في المياه البريطانية خلال السنوات الخمس والنصف المقبلة.

كما سيتم التفاوض على الوصول إلى المياه البريطانية الغنية بالثروة السمكية على أساس سنوي بعد انقضاء الفترة الانتقالية.

ويمثّل ذلك حلاً وسطاً بين الطرفين، إذ كانت بريطانيا تضغط في مرحلة سابقة من المفاوضات من أجل خفض حصة التكتل بنسبة 80 أو 60% على مراحل خلال ثلاث سنوات، لكن سيكون من الصعب على الكثير من مجتمعات الصيد في شمال غرب أوروبا، التي عملت على مدى قرون ضمن ما بات حالياً المياه البريطانية، تقبُّل الأمر، وهو ما قد يفتح الباب، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية، أمام احتمالية المراجعة المستقبلية للاتفاق.

 كما قدم الطرفان أيضاً تنازلات أخرى في مجال "إجراءات دعم الأسواق"، وترتيبات تجارة الكهرباء والغاز، إضافة إلى قضايا "التنمية المستدامة".

تداعيات سياسية

وكالة "بلومبرغ" الأميركية أشارت إلى أن للاتفاق تداعياته السياسية المهمة، فهو وإن بدا نصراً لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، إلا أنه قد يمثل أيضاً مشكلة سياسية، فعلى الرغم من فوز حزب جونسون العام الماضي بأغلبية كبيرة تحت شعار "أنجز بريكست"، إلا أن جونسون لا يزال في حاجة إلى موافقة البرلمان على الاتفاق.

ومع أن المحافظين ضغطوا لفترة طويلة من أجل الخروج من الاتحاد، إلا أنهم قلقون من أي اتفاق قد يتضمن تنازلات تحد من حرية المملكة المتحدة في المستقبل، لكن في المقابل، فإن زعيم حزب العمال البريطاني المعارض كير ستارمر، الخميس، قال إن حزبه المعارض سيصوّت لمصلحة الاتفاق. 

وقال ستارمر "يمكنني القول اليوم إنه عندما يُعرض هذا الاتفاق على البرلمان فسيوافق حزب العمال عليه وسيصوّت لمصلحته"، مشيراً إلى أن ذلك يصب في المصلحة الوطنية، نظراً إلى أن البديل سيكون مغادرة التكتل دون اتفاق. لكنه انتقد الاتفاق، واصفاً إياه بـ"الهزيل"، و"ليس الاتفاق الذي وعدت به الحكومة".

وسيصوت مجلس العموم البريطاني (البرلمان) على الاتفاق الذي جرى التوصل إليه، الخميس، في جلسة الـ30 من ديسمبر الجاري.

على الجانب الأوروبي أيضاً لا يزال الاتفاق في حاجة إلى مراجعة، وقال ديفيد ساسولي رئيس البرلمان الأوروبي في بيان إن "البرلمان سيعكف على دراسة الاتفاق دراسة تفصيلية قبل أن يبت فيما إذا كان سيوافق عليه خلال العام الجديد".

وأضاف ساسولي، بحسب وكالة رويترز، أن البرلمان كان "واضحاً منذ البداية بخصوص خطوطنا الحمراء" وعمل عن كثب مع مفاوض الاتحاد الأوروبي ميشيل بارنييه على مدار المحادثات، لكن موافقة البرلمان غير محسومة.

وتابع "إذا قرر البرلمان الأوروبي الموافقة على الاتفاق، فسيراقب طريقة تطبيقه عن كثب".

ومن شأن أي مراجعات للاتفاق أن تزيد من تحديات جونسون داخل المملكة المتحدة، في ظل تململ بعض الأطراف مما يعتبرونه اتفاقاً أنجز على حساب مصالحهم.

وقالت نيكولا ستارجن الوزيرة الأولى لأسكتلندا "يجدر بنا أن نتذكر أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يحدث ضد إرادة أسكتلندا، ولا توجد صفقة من شأنها أن تعوض ما يأخذه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي منا. حان الوقت لرسم مستقبلنا كدولة أوروبية مستقلة".

اقرأ أيضاً: