قبل أيام أبلغت السلطات الصحية في جنوب إفريقيا "منظمة الصحة العالمية" بوجود متغير جديد أطلق عليه "أوميكرون"، ليكون المتحور الثالث من نوعه "إثارة للقلق"، والذي ظهر في تلك الدولة التي تحظى بمعدل تطعيمات يقل عن ربع السكان المستهدفين.
في الأسابيع الأخيرة، بحسب "منظمة الصحة"، زادت الإصابات بشكل حاد بالتزامن مع اكتشاف ذلك المتغير. فما هو هذا المتغير؟ وكيف سيؤثر على مسار مكافحة تلك الجائحة؟
يحتوي هذا المتغير على عدد كبير من الطفرات، بعضها تصفه "منظمة الصحة" بأنه "مثيراً للقلق" إذ تشير الأدلة الأولية إلى زيادة خطر الإصابة مرة أخرى بهذا المتغير، مقارنة بالمتغيرات الموجودة أصلاً، وعلى رأسها المتغير "دلتا".
وتقول المنظمة إن عدد الحالات المصابة بذلك المتغير آخذة في الارتفاع في جميع مقاطعات جنوب إفريقيا تقريباً، كما تشير أيضاً إلى أن الاختبارات المعملية الحالية لا تزال قادرة على كشف ذلك المتغير؛ فالطفرة لم تحدث في الجينات الثلاثة التي يستهدفها اختبار "بي سي آر" المستخدم على نطاق واسع في الكشف عن إصابات كورونا المستجدة.
تحدث الطفرات في فيروسات الحمض النووي الريبي طيلة الوقت، وهي ليست جديدة حتى على فيروس كورونا؛ إذ رصد العلماء آلاف الطفرات منذ بداية ظهور الوباء حتى الآن. ومن المستحيل تحديد كيف سيستمر فيروس كورونا في التطور على حد قول عالم المناعة والكائنات الدقيقة في "جامعة جونز هوبكنز" أندور ستانلي في تصريحاته لـ"الشرق".
معلومات أولية
ويقول ستانلي في تصريحاته، إن هناك عدداً من المعلومات الأولية التي جمعها الخبراء بخصوص متغير "أوميكرون"، من ضمنها وجود عدد من الطفرات في البروتين الشوكي -البروتين الذي يتعرف على الخلايا المضيفة والمستهدف أيضاً لاستجابات الجسم المناعية، والذي يرتبط أيضاً بزيادة قابلية العدوى وتجنب الأجسام المضادة التي تمنعها.
وسجل العلماء وجود نحو 50 طفرة في متغير "أوميكرون" منها أكثر من 30 طفرة على البروتين الشوكي، وهذا البروتين هو هدف معظم اللقاحات الموجودة حالياً.
بشكل مبسط، يملك فيروس كورونا المستجد مجموعة من البروتينات الشوكية على سطحه، ويحتوي الحمض النووي الريبي للفيروس على جزء يُعطى التعليمات لإنتاج وصنع تلك البروتينات.
ولصناعة بعض أنواع اللقاحات، قام العلماء بوضع الجزء المسؤول في الحمض النووي الريبي عن صناعة البروتين الشوكي داخل غلاف من الزيت، وحقنوه داخل الخلايا البشرية ليتعرف عليه الجسم كجزيئات غازية ويكوّن ضدها استجابة مناعية. لذا، حين تحدث طفرات في البروتينات الشوكية تصبح فعالية اللقاحات أقل.
لكن الأمر ليس بذلك السوء، على حد قول ستانلي في تصريحاته لـ"الشرق"، فحتى الآن لم تظهر أي دلائل على أن المتغير الجديد مقاوم للقاحات، "وحتى في حالة حدوث هذا الأمر المستبعد، سيتمكن منتجو اللقاحات من تعديلها في غضون أسابيع معدودة".
لكن الأمر لا يتعلق فقط بالتهرب من اللقاحات، إذ إن الطفرات يُمكن أن تجعل قابلية الفيروس للانتقال أكبر أو تزيد من شراسته وحدة أعراضه.
قابلية الانتقال
وتقول الباحثة في معهد جنوب إفريقيا للأمراض المعدية، بيني مور، التي تدرس حالياً التسلسل الجينومي للمتغير الجديد، إن قابلية الفيروس للانتقال بصورة أسرع "لا تزال محل دراسة رغم أن البيانات الأولية تقول إنه ينتقل بشكل أسرع"، مشيرة إلى أن فريقها سينشر النتائج في غضون أسبوعين.
وتشير مور في تصريحاتها لـ"الشرق" إلى أن "جميع الاحتمالات واردة"، مؤكدة أن قابليته للانتشار بشكل أسرع "أمر منفصل تماماً عن الضراوة"، فالمتغير الجديد قد يصيب أشخاصاً أكثر بالمرض، لكن "دون أن يكون الفيروس نفسه أشرس، أو يتسبب في أعراض أكثر شراسة".
ورغم أن المعلومات عن المتغير الجديد لا تزال محدودة للغاية، إلا أن مور تقول إن هناك مبرراً قوياً للقلق من ذلك المتغير، "فهو يختلف تماماً عن المتغيرات السابقة".
طوال الصيف الماضي تسبب المتغير "دلتا" في ارتفاع عدد الإصابات في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وأنحاء متفرقة من العالم، "وفي تقديري أن هذا المتغير الجديد قد ينتشر بصورة أكبر وأوسع في غضون أسابيع قليلة".
وتقول مور إن المتغيرات في العادة تحتاج إلى وقت طويل للسيطرة بشكل كامل على المناطق المختلفة داخل الدولة الواحدة، "إلا أننا نرى الآن سيطرة شبه كاملة لأوميكرون" في جنوب إفريقيا، وهذا "يعني بشكل مبدئي أنه سريع الانتشار".
مقاومة اللقاحات
ورفضت مور التعليق على احتمالية أن يقاوم المتغير الجديد اللقاحات الحالية، إلا أن شركة "موديرنا" الأميركية قالت في بيان لها إنها بصدد اختبار قدرة لقاحها على تحييد أوميكرون.
كما أكدت أيضاً أن المتغير الجديد "يمتلك طفرات تشبه تلك الموجودة في المتغيرين بيتا ودلتا والتي يعتقد أنها تُعزز الهروب المناعي"، مشيرة إلى أن مزيج الطفرات "يمثل خطراً محتملاً لتراجع كفاءة المناعة التي يُكسبها اللقاح". وقالت الشركة أيضاً إنها تختبر جرعة تعزيزية خاصة بأوميكرون.
وأعلنت شركات أخرى أنها تراقب الوضع عن كثب، إذ قالت "أسترازينيكا" إنها "تتطلع لفهم تأثير أوميكرون على لقاحها"، كما أعلنت شركة "جونسون آند جونسون" أنها تختبر لقاحها ضد المتغير الجديد.
بتحفظ، يقول ستانلي في تصريحاته لـ"الشرق"، إنه "لا يزال من المبكر للغاية الحديث عن تأثير أوميكرون على اللقاحات"، مشيراً إلى أن "الأسابيع القادمة ستكشف عن الكثير من المعلومات التي من شأنها أن تطلعنا على تأثير المتغير الجديد".