
تجمّع مئات من أنصار رئيس الوزراء السابق في باكستان عمران خان، أمام قصره في إسلام آباد، متعهدين بمنع اعتقاله إثر توجيه اتهامات إليه بموجب قوانين مكافحة الإرهاب.
يأتي ذلك بعدما فتحت الشرطة تحقيقاً ضد خان، السبت، إثر تهديده مسؤولين حكوميين، في خطاب عام تطرّق خلاله إلى مزاعم بأن الشرطة عذّبت مساعداً له، ويواجه رئيس الوزراء السابق اتهامات بالتحريض على تمرّد في الجيش، حسبما أفادت "رويترز".
وردّد أنصار خان هتافات مناهضة لحكومة رئيس الوزراء شهباز شريف، التي تولّت الحكم بعد الإطاحة بخان، في اقتراع على الثقة أجري في أبريل الماضي.
وكتب الوزير السابق في حكومة خان، علي أمين جاندابور، على تويتر: "إذا اعتُقل عمران خان.. فسنستولي على إسلام آباد بسلطة الشعب".
وحضّ قياديون في حزب خان، أنصاره على الاستعداد لتعبئة شعبية، علماً أن الوزير السابق مراد سعيد ذكر أن الشرطة أصدرت أوامر باعتقال خان. لكن الشرطة في إسلام آباد رفضت تأكيد ذلك.
وقال فؤاد تشودري، وهو مساعد لخان وقيادي في حزبه حركة الإنصاف الباكستانية، أمام محكمة في إسلام آباد، إن الحزب قدّم طلباً للإفراج عن رئيس الوزراء السابق بكفالة، قبل اعتقاله.
وأشار تشودري إلى أن "مئات الأشخاص احتشدوا في منزل خان، فيما يتجه آلاف إلى المنزل من أجزاء أخرى من البلاد، تعبيراً عن دعمهم لزعيمهم".
وأضاف أن "الشرطة انسحبت الآن، بعدما رأت الأعداد الهائلة (من أنصاره). دعونا نرى ما سيحدث لاحقاً".
قوانين مكافحة الإرهاب
استخدام قوانين مكافحة الإرهاب في محاكمة قادة سياسيين، أمر شائع في باكستان، واعتمدته حكومة خان أيضاً ضد معارضين ومنتقدين لها، بحسب "رويترز".
وأشار تقرير للشرطة إلى تصريحات أدلى بها خان، ورد فيها أنه "لن يجنّب" قائد الشرطة في العاصمة، وقاضية، المسؤولية عن اعتقال مساعده، متعهداً بملاحقة القاضية وقائد الشرطة قضائياً.
وأضاف التقرير: "الخطاب استهدف ترويع الشرطة والقضاء، ومنع (أفرادهما) من أداء واجبهم".
وذكر خبراء قانونيون أن التهديدات العلنية تعرّض حياة المسؤولين للخطر، وترتقي إلى حدّ تهديد الدولة، بحيث تنطبق عليها تهم مكافحة الإرهاب.
وأصبح الجيش أيضاً هدفاً لخان، الذي شكا من أنه لم يساعده في درء مؤامرة أميركية أطاحت به، في اتهامات نفتها واشنطن.
ورفض الجيش مزاعم خان، وتدخله في السياسة، علماً أنه حكم باكستان بشكل مباشر، أكثر من 3 عقود منذ تأسيسها قبل 75 عاماً.
ومنعت هيئة تنظيم وسائل الإعلام في باكستان، البثّ المباشر لخطابات خان، باعتبارها تحريضي. لكن رئيس الوزراء السابق وصف الحكومة بأنها "فاشية".
مخاوف من اضطرابات
صحيفة "نيويورك تايمز" وصفت توجيه اتهامات لخان بموجب قانون مكافحة الإرهاب، بأنه تصعيد خطر لصراع محموم على السلطة بين الحكومة ورئيس الوزراء السابق، يهدد بجولة جديدة من الاضطرابات.
وأضافت أن خان الذي أُرغم على التنحّي عن منصبه، في أبريل، أثبت أنه لا يزال قوة لا يُستهان بها في المشهد السياسي بالبلاد. ففي الأشهر الأخيرة، استقطب عشرات الآلاف من الأشخاص في تجمّعات حاشدة بكل أنحاء البلاد، وتمكّن حزبه من استغلال ذلك انتخابياً، إذ حقق في يوليو، فوزاً ساحقاً في انتخابات محلية بإقليم البنجاب، الأكثر اكتظاظاً بالسكان في البلاد، وفي انتخابات بكراتشي، العاصمة الاقتصادية لباكستان.
وقال عادل نجم، عميد كلية فريدريك إس باردي للدراسات العالمية، بجامعة بوسطن، وهو خبير في السياسة الباكستانية: "واضح أن عمران خان بات أقوى بكثير ممّا كان عليه عندما أُطيح به من السلطة. ربما كانت هذه الإطاحة أفضل شيء حدث له".
لكن رئيس الوزراء السابق وأنصاره يواجهون حملة قمع متصاعدة، تستهدف تقويض النجاحات الانتخابية التي حققها حزبه، كما نقلت "نيويورك تايمز" عن محللين.
اعتقال مساعد لخان
في السياق ذاته، فرضت هيئة تنظيم الإعلام في باكستان حظراً على البثّ المباشر لخطابات خان، في شبكات التلفزة الإخبارية. وشكا صحافيون ومقدّمو برامج حوارية، يتعاطفون مع خان، تعرّضهم لمضايقات وتهديدات من السلطات في الأسابيع الأخيرة.
وفي وقت سابق من أغسطس، سجنت السلطات شهباز جيل، أحد أبرز مساعدي خان، لاتهامه بالإدلاء بتصريحات مناهضة للجيش خلال برنامج تلفزيوني، إذ رأى مسؤولون في دعوته الضباط إلى عصيان أوامر قادة المؤسسة العسكرية، محاولة لتحريضهم على التمرّد.
وأوقفت السلطات الباكستانية بثّ قناة "آري نيوز" (ARY News)، التي أدلى عبرها جيل بتصريحاته.
وشكا خان وقياديون في حزبه من تعرّض جيل لتعذيب وإيذاء جنسي في محبسه، لكن وزراء بارزين وقادة الشرطة في إسلام آباد نفوا ذلك.
وقال وزير الداخلية الباكستاني رنا صنع الله: "أستطيع أن أؤكد، بصفتي وزيراً للداخلية، أن جيل لم يتعرّض لتعذيب خلال احتجازه لدى الشرطة".
عدم استقرار وانقلابات عسكرية
وشهدت باكستان عدم استقرار سياسي وانقلابات عسكرية، منذ تأسيسها. وحتى في ظلّ الحكومات المدنية، يُعتبر الجيش أبرز مفاتيح السلطة في البلاد، ويتمتع بتأثير ضخم في السياسات الانتخابية.
وذكّرت "نيويورك تايمز" بأن خصوماً لخان أدرجوا انتخابه رئيساً للوزراء، في عام 2018، في إطار صفقة سرية أبرمها مع الجيش، واتهموا قوات الأمن بتنفيذ حملة إكراه وترهيب، أدت إلى ردع معارضي خان، وقلّصت الساحة الانتخابية بالنسبة إليهم، ممّا مكّنه من الفوز. لكن المسؤولين العسكريين نفوا هذه الاتهامات.
لكن خان أُقصي من الحكم، خلال تصويت بحجب الثقة عنه في البرلمان، بعدما بدا أن القادة العسكريين الباكستانيين سحبوا تأييدهم له. وفي الأشهر التي تلت ذلك، طالب خان بإجراء انتخابات جديدة، واتهم الولايات المتحدة والجيش الباكستاني بتدبير مؤامرة لإسقاط حكومته.
وخلال خطاب ألقاه في مدينة روالبندي، الأحد، كرّر خان هجومه على الجيش، متسائلاً: "هل أنتم محايدون حقاً أم لا؟".
اقرأ أيضاً: