Open toolbar

برمجية لتتبع وتحليل خطابات التطرف عبر الأنترنت. لندن. 16 فبراير 2018 - REUTERS

شارك القصة
Resize text
لندن-

تدرس الحكومة البريطانية قوانين جديدة تبدو أكثر "تسامحاً" مع الأطفال واليافعين الذين يتهمون بجرائم "إرهابية" خفيفة، وذلك في إطار المراجعة المرتقبة لبرنامج مكافحة التطرف.

ويحاول القائمون على التشريعات المختصة في هذا الشأن، إيجاد صيغ وحلول لتقويم سلوك الأطفال واليافعين ممن يتورطون في نشر أو تنزيل مواد مرتبطة بـ"الإرهاب" عبر الإنترنت، بما يجنبهم الاعتقال والوقوف أمام المحاكم. 

وتأتي مساعي الحكومة في هذا الإطار مع ازدياد أعداد المعتقلين بتهمٍ "إرهابية" خفيفة، ممن تقلُّ أعمارهم عن 18 عاماً، بما يشمل التطرُّف في سياق الحركات اليمينية، أو في السياق الديني، خاصة وأنَّ أبحاثاً متخصصة تشير لارتفاع أرقام المراهقين المتأثرين بالأفكار المتشددة إلكترونياً، منذ تفشيجائحة كورونا.

ولا يبدو أنَّ المرونة التي تسعى إليها الحكومة في معاملة "المتطرفين" الصغار داخل البلاد، تشمل أيضاً الأطفال من أبناء عناصر "داعش" من حملة الجنسية البريطانية. لكن تقارير إعلامية تتوقع انفتاحاً رسمياً محدوداً إزاء هؤلاء الأطفال، خصوصاً بعدما وافقت الحكومة على إعادة أم بريطانية وطفلها من مخيم شمال شرقي سوريا نهاية العام الماضي. 

ويترافق الحديث عن تغيرات محتملة في التعامل مع الصغار المشتبه بتطرفهم، مع خلاف حكومي بشأن المراجعة المرتقبة لبرنامج مكافحة التطرف في البلاد. ويؤخر الخلاف إعلان نتائج المراجعة المرتقبة منذ أشهر طويلة، وهو يدور بشكل أساسي بين وزيرة الداخلية سويلا برافرمان ووزير المجتمعات المحلية مايكل جوف.  

الاختيار بين السجن أو التأهيل  

وتقول صحيفة "ذا جارديان" البريطانية إنَّ الحكومة تدرس تعديلات تقدم بها المستشار الخاص بقوانين الإرهاب جوناثان هول، للتعامل مع الصغار المتورطين بجرائم إرهابية "خفيفة".

وتقترح هذه التعديلات منح المتورطين بتهم كمشاركة دعاية إرهابية أو تنزيل مواد ذات محتوى متطرف، فرصة الاختيار بين السجن والمحاكمة، أو الخضوع لبرنامج تأهيلي صارم لفترة من الزمن وتحت رقابة حثيثة من الجهات المختصة. 

ونقلت الصحيفة عن هول قوله إنَّ التعديلات المقترحة تشمل الجرائم الإلكترونية التي لا تنطوي على تخطيط أو تنفيذ هجوم إرهابي، منوهاً إلى أنَّ أطفالاً دون 13 عاماً من عمرهم اعتقلوا بما يسميه "تهماً توثيقية"، واقتياد مثل هؤلاء اليافعين إلى السجن، وإحالتهم  للقضاء قد لا يكون هو الإجراء الصحيح على المدى الطويل. 

ولفت المستشار الحكومي إلى أن محاولة التخلف عن البرنامج الإصلاحي، أو عدم الالتزام به سيتم مواجهته بإجراء قانوني وعقوبات منها السجن.

وشدد على أنَّ المرونة في التعامل مع الصغار واليافعين لا تعني بأي حال من الأحوال غضَّ الطرف، أو عدم الجدية في مواجهة الأخطار الإرهابية، ما يعني أنَّ برنامج الإصلاح هو فرصة لهؤلاء لإثبات أنَّ تورطهم في الأفكار المتطرفة جاء بشكل عارض وليس مقصود. 

أرقاّم وحالات متزايدة 

وتظهر بيانات شرطة "مكافحة الإرهاب" نمواً سريعاً في عدد الصغار المشتبه بارتكابهم "أعمالاً إرهابية" في إنجلترا واسكتلندا وويلز.

وتشير الأرقام إلى أنَّ 4% من المعتقلين بتهم "الإرهاب" خلال 2020، كانت أعمارهم تقل عن 18 عاماً،  وارتفعت النسبة إلى 17% العام الماضي، بما يعادل 32 اعتقالاً. 

وتبين التقارير أنَّ 12 معتقلاً من الصغار واليافعين العام الماضي، متورطون بدعم اليمين المتطرف، و16 يتهمون بـ"التشدد"، فيما لم يتم تصنيف الأيدلوجية المتعصبة لأربعة من المعتقلين. كما توضح الشرطة أنَّ ألعاب فيديو محرضة على العنف في تطبيق العقائد تستدرج أبناء الطبقة المتوسطة إلى "الإرهاب اليميني".

ويقول الباحث في شؤون الجماعات اليمينية بمعهد الحوار الاستراتيجي جاكوب ديفي، إن الزمن الذي يقضيه الصغار على أجهزتهم الإلكترونية يتزايد، وهناك كم كبير من "المحتوى الإرهابي" على الإنترنت، منوهاً في حديث مع "هيئة الإذاعة البريطانية"، إلى وجود حسابات وصفحات كثيرة تنشر التطرف عبر بعض منصات التواصل.  

وبحسب ديفي، أتاحت الجائحة والإغلاق الذي رافقها، فرصة كبيرة للجماعات المتطرفة للتواصل مع الشباب واليافعين، لافتاً إلى أنَّ الأشخاص الذين يشعرون بالقلق إزاء أفكار تتعلَّق بالعقائد والانتماءات، وجدوا عبر صفحات ومواقع تلك الجماعات، إجاباتٍ سهلة ومضللة لأسئلتهم، الأمر الذي أدى لازدياد عدد المتأثرين بالأفكار المتعصبة. 

عائلات عناصر "داعش"

إعادة النظر في قوانين ملاحقة ومحاسبة الصغار المشتبه بتورطهم بجرائم "إرهابية" خفيفة، يفتح الباب أمام تساؤل يتعلَّق بمصير الأطفال البريطانيين من أبناء عناصر "داعش"، الذين يعيشون منذ سنوات في مخيمات شمال شرق سوريا، خصوصاً وأنَّ الحكومة سمحت في أكتوبر الماضي بعودة أول بريطانية من "داعش" وابنها إلى المملكة المتحدة. 

ويشير تقرير لصحيفة "صنداي تايمز" إلى أنَّ نحو 60 امرأة وطفلاً بريطانياً من عائلات عناصر "داعش" يعيشون في سوريا. معظمهم في "مخيم روج" الذي يبعد مسيرة ثلاث ساعات بالسيارة  قرب الحدود العراقية. غالباً ما يشار إلى ذلك المكان بـ"مخيم الأرامل"، حيث يضم النساء والأطفال فقط، ويوجد به حوالي 2600 معتقل من 62 جنسية.

ولم تفصح الحكومة عن اسم المرأة وطفلها اللذين أعيدا إلى البلاد، فيما شدد متحدث باسم "داونينج ستريت" على أنَّ هذه الخطوة لا تعني تغير السياسة البريطانية في التعامل مع مواطنيها المنتمين لـ"داعش" والمحتجزين في سوريا، وإنما تنظر الجهات المختصة لكل قضية على حدة، وتدرس بدقةٍ وتروٍ شديدين الظروف المحيطة بها.

ويقدر عدد الأطفال البريطانيين في "مخيمات معتقلي داعش" شمال شرق سوريا بنحو 35 طفلاً. ومنذ ما يقرب من ثلاث سنوات، أعادت حكومة لندن عدداً من الأيتام في تلك المخيمات إلى أوطانهم، حيث قال وزير الخارجية آنذاك دومينيك راب، إنَّ إعادة هؤلاء إلى الوطن هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله. 

برنامج مكافحة التطرف

ويستبعد الباحث في الشأن البريطاني رياض مطر، أن تعيد لندن النظر في سياستها إزاء عناصر "داعش" المحتجزين في سوريا، ولا حتى بعد صدور المراجعة الخاصة ببرنامج مكافحة التطرف الذي يسمى "بريفينت".

وقال مطر في حديث مع "الشرق"، إنَّ "حزب المحافظين الحاكم لطالما قدَّم نفسه حازماً وصارماً في التعامل مع الإرهاب، ولن تتغير هذه الصورة في عهد رئيس الوزراء الجديد ريشي سوناك، الذي لايحمل تاريخه السياسي تعاطفاً مع المسلمين"، على حد تعبيره. 

ولفت مطر إلى أنَّ الرجل الذي أشرف على مراجعة برنامج مكافحة التطرف، هو الرئيس السابق لهيئة المنظمات الخيرية ويليام شوكروس، معتبراً أنَّ الأخير "معروف للجميع بمعاداته للمسلمين، حتى إن منظمة العفو الدولية و16 مجموعة حقوقية أخرى، قاطعوا المراجعة عندما تولاها شوكروس العام الماضي، وبعثوا برسالة إلى الحكومة البريطانية يحذرون فيها من غياب  النزاهة والموضوعية عن تلك المراجعة".    

خلافات داخل الحكومة 

وبدأ العمل على مراجعة برنامج مكافحة التطرف في بريطانيا منذ عام 2019، ولكنه لم ينته حتى الآن، فيما تقول تقارير صحافية إن المراجعة اكتملت، لكن خلافاً داخل الحكومة هو ما يعيق الإعلان عن نتائجها، موضحة أنَّ الخلاف ينحصر بين وزيرة الداخلية سويلا برافرمان، ووزير المجتمعات المحلية مايكل جوف. 

جوهر الخلاف بين الوزيرين يدور حول أسماء شخصيات ومؤسسات ومنظمات تتضمنها المراجعة، ويشتبه بتورطها في نشر التطرف والتعصب، ففي حين لا تفضل برافرمان نشر أسماء هذه الجهات خشية من إثارة ردود فعل غير إيجابية، يقول الوزير جوف إنه يجب على الحكومة نشر كامل تفاصيل المراجعة دون أي استثناء. 

ويؤيد الباحث في جامعة "أيدج هيل"، وأحد الناجين من هجوم ويستمنستر في عام 2017، ترافيس رين، ضرورة نشر الحكومة لكامل مراجعة "بريفينت".

ويلفت رين في مقالة نشرتها صحيفة "ذا سبيكتيتر"، إلى أنَّ وزارة الداخلية يجب أن تكون جريئة وحازمة في نهجها تجاه التطرف، معتبراً أنَّ هناك منظمات "تتستر وراء العمل الخيري وحقوق الإنسان، بينما تنشر الأيدلوجية المتطرفة في البلاد". 

وسُلّمت مراجعة "بريفينت" في سبتمبر الماضي، ولكن إعلان نتائجها تأخر في ظل معارك حزب المحافظين على رئاسة الحكومة.

وتوقعت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية صدور المراجعة خلال وقت قصير، ونقلت عن مصدر مطلع قوله إنَّ "المراجعة تتضمن أسماء منظمات وجهات تحصل على دعم من أموال دافعي الضرائب وتنشر التطرف في بريطانيا، وهذا لا يشمل مؤسسات إسلامية فقط، وإنما جماعات يمينية أيضاً". 

ومنذ إنشائه عام 2006، كان الدور الرئيس لبرنامج "بريفينت" هو توزيع الدعم على مؤسسات ومنظمات مجتمعية لتوجيه الشباب البريطاني بعيداً عن التطرف. ولكن في شهر مايو الماضي، كشفت مقتطفات مسربة من مراجعة البرنامج، أنَّ بعض المنظمات الممولة من "بريفنت" روَّجت لأفكار متشددة ومتعصبة.

وتشير أرقام مكتب الإحصاء الوطني إلى أنَّ عدد ضحايا "العمليات الإرهابية" في إنجلترا وويلز بلغ 93 شخصاً، خلال الفترة بين شهر أبريل عام 2003 وحتى شهر مارس من العام 2021.

وفي عام 2017 وحده، تعرضت إنجلترا لثلاث هجمات، الأولى وقعت على جسر لندن وسقط خلاله 6 ضحايا، ثم أرينا في مانشستر وضحاياه 23 شخصاً، ثم عملية أخرى على جسر لندن أودت بحياة 11 شخصاً. 

اقرأ أيضاً:

Google News تابعوا أخبار الشرق عبر Google News

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.