قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن بلاده مستعدة الآن لشن هجوم مضاد طال انتظاره، لكنه خفف من توقعات النجاح، قائلاً إن الأمر سيستغرق بعض الوقت ويؤدي لتكلفة باهظة.
وأعرب زيلينسكي في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" عن ثقته في نجاح الهجوم، قائلاً "نعتقد اعتقاداً راسخاً أننا سننجح"، في وقت يستعد فيه جيش بلاده لما يمكن أن يكون أحد أكثر مراحل الحرب أهمية حيث يهدف إلى استعادة الأراضي التي تحتلها روسيا.
وأضاف: "لا أعرف كم من الوقت سيستغرق الأمر.. لأكون صادقاً، يمكن أن يسير بعدة طرق مختلفة تماماً. لكننا سنفعل ذلك، ونحن مستعدون".
وفي حوار مطول واسع النطاق استمر ساعة، قال زيلينسكي إنه يخشى أن تأتي الانتخابات الأميركية العام المقبل بإدارة أقل دعماً لبلاده، داعياً حلف شمال الأطلسي إلى تقديم مسار واضح لعضوية كييف.
كما حث الصين على محاولة كبح جماح روسيا، وقال إن أوكرانيا بحاجة ماسة إلى مزيد من أنظمة باتريوت للدفاع الصاروخي أميركية الصنع لحماية مواطنيها من القصف الجوي، وحماية قوات الخطوط الأمامية.
تفوق جوي روسي
وأقر زيلينسكي بالتفوق الجوي الروسي على الخطوط الأمامية، وقال إن الافتقار إلى الحماية من القوة الجوية الروسية يعني أن "عدداً كبيراً من الجنود سيموتون" في الهجوم المضاد.
وقال إن "أوكرانيا ترغب في الحصول على المزيد من الأسلحة التي يوفرها الغرب للحملة المقبلة. ومع ذلك، فإن أوكرانيا مستعدة للتحرك"، مضيفاً: "نود أن نحصل على أشياء معينة، لكن لا يمكننا الانتظار لأشهر".
وأوضح زيلينسكي أن القوات البرية الأوكرانية "أقوى وأكثر تحفيزاً" من القوات الروسية المتخندقة التي تحاول التمسك بما يقرب من 20% من أوكرانيا التي تسيطر عليها في شرق وجنوب البلاد.
كان زيلينسكي قال في مايو الماضي إن بلاده بحاجة إلى انتظار وصول المزيد من العربات المدرعة الغربية قبل شن الهجوم المضاد. وبذل مساعي دبلوماسية للحفاظ على الدعم الغربي، وطلب المزيد من المساعدات العسكرية والأسلحة، وهو أمر أساسي لنجاح أوكرانيا في خططها.
وتسيطر روسيا على مساحات شاسعة من الأراضي الأوكرانية في الشرق والجنوب والجنوب الشرقي.
وبحسب "وول ستريت جورنال"، يشكل الهجوم المضاد لحظة محورية لزيلينسكي، الممثل الكوميدي السابق الذي دفعته قيادته خلال الحرب إلى الصدارة العالمية. وستشكل النتيجة ملامح الدعم العسكري الغربي والمناورات الدبلوماسية بشأن مستقبل أوكرانيا.
"لا مكان للضعف"
وقدم مؤيدو أوكرانيا مليارات الدولارات من الدعم العسكري والمالي، الذي كان ضرورياً للمجهود الحربي لكييف، وقد تزداد الدعوات لزيلينسكي للسعي إلى اتفاق سلام إذا فشل الهجوم المضاد في تحقيق انفراجة كبيرة.
وقالت الصحيفة إن زيلينسكي تحول من تعبيرات الامتنان للمؤيدين الغربيين لتسليم الأسلحة، إلى كلمات الإحباط بسبب ترددهم في منح أوكرانيا كميات أكبر من الأسلحة القوية لصد الروس.
وعكست تصريحاته التوازن الذي يتعين عليه أن يجده بين الضغط للحصول على ما يحتاج إليه للاحتفاظ باستقلال أوكرانيا، والدعم السياسي الداخلي.
وقال زيلينسكي إنه يدرك أن القادة الغربيين ينتقدون أحياناً لهجته القاسية، لكنه لا يستطيع أن يفهم لماذا كانوا يتلكأون في تقديم أسلحة أكثر تقدماً يعرفون أنها ستحمي الأرواح وتساعد أوكرانيا على الفوز، على حد تعبيره.
وأوضح زيلينسكي أنه إذا لم تكن أوكرانيا قادرة على الصمود أمام روسيا، فإن "هذا الوحش ستتسع شهيته للغزو ويذهب إلى أبعد من ذلك"، وقال: "دعونا لا نقارن من يجب أن يكون ممتناً لمن".
وتحدث زيلينسكي في مقر حكومي، بعد يوم من زيارة الجنود الجرحى والاجتماع مع القادة العسكريين وزيارة لميناء لمناقشة كيفية زيادة الصادرات.
وذكرت الصحيفة أنه كان يرتدي قميصاً أسود عليه اسم بلاده، وبدا مرهقاً، لكنه انتبه عندما سئل كيف يحافظ على معنوياته مرتفعة، وقال: "لا مكان للضعف".
هجوم وشيك
وساعد الغرب في تدريب وتجهيز عشرات الآلاف من الجنود الأوكرانيين، في محاولة لتعزيز قبضة كييف في الهجوم المضاد.
وصدت أوكرانيا هجوماً روسياً على عاصمتها في فبراير من العام الماضي، واستعادت مساحات شاسعة من الأراضي في الشمال الشرقي والجنوب، في هجومين مضادين سابقين في عام 2022.
وفي الأسابيع الماضية، صعدت أوكرانيا هجماتها بعيدة المدى بالصواريخ والطائرات المسيرة، التي تهدف إلى شل خطوط الإمداد الروسية قبل الحملة.
وقال مسؤولون غربيون إنهم يعتقدون أن الهجوم الأوكراني المضاد وشيك، وإن كييف تنتظر أن تجف الأرض.
وأسفرت الجهود الهجومية الروسية هذا العام عن مكاسب ضئيلة، بما في ذلك السيطرة على مدينة باخموت الصغيرة في شرق البلاد، لكنها كلفت آلاف الأرواح وأجهدت الجيش الروسي.
وقال مسؤول غربي إن الداعمين الغربيين لأوكرانيا يدركون أن هجوم كييف لن ينهي الحرب، لكنهم يريدون أن يُظهر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عدم جدوى استراتيجيته المتمثلة في التخندق بأوكرانيا، وانتظاره تآكل الدعم لها.
والتزمت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بأكثر من 37 مليار دولار من المساعدات الأمنية لأوكرانيا، منذ بدء الغزو الروسي واسع النطاق، وتعهدت بمزيد من المساعدات العسكرية. فيما تعهد الحلفاء الأوروبيون بذلك أيضاً.
تغيير الإدارة
غير أن الرئيس السابق دونالد ترمب، المنافس الجمهوري المحتمل في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، رفض الشهر الماضي القول إنه سيدعم أوكرانيا، وبدلاً من ذلك أكد أنه سيسعى إلى إنهاء سريع للحرب، دون أن يذكر كيفية ذلك.
وقال زيلينسكي إنه قلق من أن أي تغيير في الإدارة قد يؤثر على المساعدات.
وأضاف: "في مثل هذا الوضع، عندما يكون هناك دعم، يمكنك التخوف من التغييرات. ولكي أكون صادقاً، عندما أتطرق إلى تغيير في الإدارة (الأميركية)، أشعر بنفس الطريقة مثل أي شخص آخر.. فأنت تريد تغييرات للأفضل، ولكن يمكن أن يكون العكس أيضاً".
وقال زيلينسكي إنه لا يستطيع فهم ادعاء ترمب بأنه يمكن أن ينهي الحرب في غضون 24 ساعة، لأن ترمب لم يفعل ذلك أثناء وجوده في منصبه، عندما كانت روسيا تحتل بالفعل شبه جزيرة القرم وأجزاء من شرق أوكرانيا.
وأوضح زيلينسكي أن بايدن لديه ارتباط عاطفي بأوكرانيا عزز دعم إدارته للبلاد. وقال إن رئاسة ترمب جاءت قبل الغزو الشامل، و"لست متأكداً من كيفية تصرف ترمب".
ومع ذلك، قال الرئيس الأوكراني إنه متفائل بدعم الحزبين في الولايات المتحدة ودعم المواطنين العاديين، وأعرب عن أمله في أن يواصل الحزبان والكونجرس دعم أوكرانيا، والضغط على أي إدارة جديدة للحفاظ على تدفق المساعدات.
عضوية الناتو
ويتمثل مصدر القلق الأكثر إلحاحاً لزيلينسكي في تأمين مسار واضح لعضوية الناتو، في قمة الحلف يوليو بالعاصمة الليتوانية فيلنيوس.
وقال حلف شمال الأطلسي في عام 2008 إن أوكرانيا ستصبح عضواً، لكنه لم يحدد جدولاً زمنياً. وتقدمت كييف بطلب للحصول على العضوية العام الماضي، لكن الولايات المتحدة تجنبت إلى حد كبير المناقشات بشأن كيفية أو موعد انضمام أوكرانيا إلى الناتو ، وركزت بدلاً من ذلك على تعزيز قوة كييف الأمنية والعسكرية.
وذكر زيلينسكي أن البعض في الحلف غير مستعدين لقبول أوكرانيا بسبب الخوف من روسيا. لكن الضغوط تتزايد على الحلف لتقديم ضمانات أمنية ملموسة ومسار للعضوية.
وقال زيلينسكي إنه لا يتوقع أن تنضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي بينما يستمر القتال، لكنه يريد تعهداً بقبولها بعد الحرب.
وأضاف: "إذا لم نحصل على إشارة في فيلنيوس، أعتقد أنه لا جدوى من أن تكون أوكرانيا في هذه القمة". ورداً على سؤال بشأن ما إذا كان يعتقد أنه سيحصل على مثل هذه الإشارة، أجاب: "لا أعرف. أنا بصراحة لا أعرف".
وقال زيلينسكي إنه ممتن للدول الغربية لتزويدها أنظمة أسلحة، لكن عمليات التسليم يجب أن تكون أسرع وبأعداد أكبر لأن التأخير يكلف أرواح.
بطاريات باتريوت
وأضاف أن أوكرانيا تحتاج على وجه الخصوص إلى المزيد من بطاريات صواريخ باتريوت، التي تتكون من عدة قاذفات ورادار قوي ومحطة تحكم ومعدات دعم أخرى، لحماية مدنها وقوات الخطوط الأمامية.
وتمتلك أوكرانيا الآن بطاريتي باتريوت على الأقل، لكن زيلينسكي قال إنه يرغب في ما يصل إلى 50، لأنه النظام الوحيد القادر على اعتراض بعض الصواريخ المتقدمة التي تطلق من روسيا.
وعملت إدارة زيلينسكي على عزل روسيا، من خلال العمل على كسب الدعم من دول مثل الصين والهند والبرازيل التي تحافظ على علاقات ودية مع روسيا.
كما يحاول عقد قمة بشأن خطته للسلام المكونة من 10 نقاط، والتي تدعو القوات الروسية إلى الانسحاب من الأراضي الأوكرانية.
وقال: "على بوتين أن يعلم أن الناس لن يصافحوه، وأنه لم يعد يجلس على الطاولة مع دول جادة، وأن روسيا ليست جزءا من المنظمات الدولية".
وساطة الصين
وسعت الصين، التي لم تقم بإدانة الغزو الروسي وألقت باللوم على الولايات المتحدة وحلفائها في الحرب، إلى إقحام نفسها في الدبلوماسية التي تهدف إلى السلام.
وقالت أوكرانيا إنها مستعدة للاستماع إلى وجهات نظر الصين، لكنها لن توافق على أي اقتراح يتضمن التنازل عن الأرض.
وقال زيلينسكي إنه حث الرئيس الصيني شي جين بينج، في مكالمة هاتفية في أبريل، على عدم تزويد روسيا بأسلحة أو تقنيات أخرى، وطمأنه شي بأن الصين لا تقدم أسلحة لروسيا.
وأشار زيلينسكي إلى أن الصين أكبر وأقوى من روسيا، ويمكن أن تلعب دوراً مهماً في إحلال السلام.
وقال: "لا أريد لمثل هذا البلد أن يقف مكتوف الأيدي ويشاهد الناس يموتون. إذا كنت كبيراً، فهذا ما تعنيه العظمة الوطنية. هذه ليست لوحة أو متحف. إنها حرب دموية حقيقية".