
بعد أن بقيت مدينتهم بمنأى عن الحرب والمعارك في سوريا لسنوات، يجد سكان مدينة جبلة الساحلية أنفسهم اليوم يتقاسمون الحزن والدمار مع بقية المناطق المنكوبة في البلاد جراء الزلزال، ويعيشون المعاناة ذاتها.
وانتقلت مشاهد الدمار، الذي عرفته مناطق أخرى في سوريا بفعل سنوات الحرب إلى المدينة الهادئة، بعد أن دمّر الزلزال عشرات الأبنية فيها، ومحاصرة مدنيين تحت الأنقاض، ونزوح الناجين من منازل وأبنية متصدّعة.
وقال النجّار عبد الهادي العجي لوكالة "فرانس برس": "إنها المرة الأولى التي تشهد فيها جبلة فاجعة مماثلة، أبلغ من العمر 52 عاماً ولم أر شيئاً مماثلاً في حياتي". وأضاف: "إنه رعب لا يُمكن وصفه".
"لم أر كهذا بحياتي"
وأشار العجي، وهو أب لأربعة أطفال ويقطن حالياً في منزل متصدّع يقابل بناءً منهاراً، إلى أن مدينته بقيت "آمنة طيلة سنوات الحرب".
وأضاف: "سألتُ أمي البالغة من العمر 80 عاماً، وأخبرتني أنها لم تشهد في حياتها شيئاً مماثلاً على الإطلاق".
وأعلنت الحكومة مدينة جبلة في محافظة اللاذقية، منطقة منكوبة كحال المناطق الأخرى المتضررة جراء الزلزال.
وأودى الزلزال المدمّر، الذي ضرب تركيا وسوريا، بحياة آلاف الأشخاص في البلدين، في إحدى أسوأ الكوارث التي تشهدها المنطقة منذ قرن.
وفي محافظة اللاذقية وحدها، لقي 623 شخصاً حتفهم، جراء الزلزال في وقت تزداد حصيلة الضحايا تباعاً وفق ما أفاد رئيس الدفاع المدني في مدينة جبلة علاء مبارك، الجمعة.
وإن كانت أبنية جبلة خلت من آثار الرصاص ومخلفات القذائف والقصف، إلا أنها اليوم باتت مشوّهة بتشققات وتصدّعات خلّفها الزلزال.
وعند مدخل المدينة، جرى إخلاء 5 عمارات متلاصقة من سكانها. ويظهر على كل منها صدعٌ كبير يمتدّ من الطابق الأرضي حتى السطح.
ودمّر الزلزال، وفق مبارك، أكثر من 50 مبنى سكنياً في المدينة وريفها بشكل كامل، بينما لا يزال 50 مبنى آخر مهدّدة بالانهيار في أي لحظة.
ووجد ما بين 4 و5 آلاف شخص أنفسهم مجبرين على مغادرة منازلهم منذ وقوع الزلزال، الاثنين، وفق مبارك، واللجوء إلى مراكز إيواء مؤقتة في المساجد والمشافي والملعب الرئيسي في المدينة.
وتدخّل فريق إنقاذ من الإمارات العربية المتحدة، الجمعة، في مبنى سوّي بالأرض بعدما قسمه الزلزال إلى جزأين، انهار الأول على الفور ما أودى بحياة 15 شخصاً من قاطنيه.
وما زال القسم الثاني معلّقاً في الهواء، وتمكنت فرق إنقاذ من إجلاء العالقين منه بواسطة رافعة، بينهم عماد الداو وزوجته وطفليه. ويقول الداو (42 عاماً): "هذه أول كارثة أواجهها.. في حياتي".
مشاكل مابعد الصدمة
وتستقبل جبلة قاعدة حميميم، أكبر القواعد الجوية الروسية، على بعد 5 كيلومترات من مركزها.
وبخلاف ملايين السوريين الذين شرّدهم النزاع أو هجرهم، لم يختبر أي من سكان جبلة طعم النزوح قبل وقوع الزلزال.
وفي حي الفيض وسط المدينة، تجمّع العشرات من الناجين في مسجد تحوّل إلى مركز إيواء مؤقت، ريثما يُحدّد مصير العائلات التي لم تعد منازلها آمنة.
وتقول فاطمة حمود (42 سنة): "سأضع خيمة في الطريق إذا لم أتمكن من العودة إلى المنزل".
وفرّت فاطمة مع زوجها وأولادها الأربعة من منزلهم المتصدّع، الاثنين، خشية انهيار السقف فوق رؤوسهم. وأضافت: "لا أستطيع الأكل لا أستطيع النوم، وأشعر بالذعر عند أي اهتزاز صغير".
ويلاحق الذعر الناجين من الكارثة، ومنهم حليمة أسود، التي تمدّدت على أرضية المسجد وحولها أطفالها الثلاثة. وقالت بحرقة: "أين سأذهب؟ لا يوجد مكان آمن سوى المسجد".
وأضافت وهي تغصّ باكية: "نبحث عن الأمان فقط، أي مكان فيه أمان سنذهب إليه".
اقرأ أيضاً: