ثمة كلام كثير أثير أخيراً عن انتشار مرتزقة مجموعة "فاجنر" الروسية في العديد من الدول الإفريقية بعدما كان تواجدهم المعلن يتركز في ليبيا، ومن ثم في مالي. فأين يتواجد هؤلاء؟ وما حجم تواجدهم؟ وماذا يفعلون في البلاد التي ينتشرون فيها؟
مالي
فاجأت الحكومة الانتقالية في مالي الدنمارك الاثنين، بعدما طالبتها بسحب قوات نشرتها على أراضيها، في إطار قوة أوروبية لمكافحة الإرهاب، بقيادة فرنسا، وشَكَت من أن أحداً لم يتشاور معها بشأن الوجود العسكري الدنماركي.
لكن الدنمارك أشارت إلى أن انتشار الكتيبة التي تضمّ حوالى مئة جندي، تمّ بناءً على "دعوة واضحة"، من أجل المشاركة في مجموعة القوات الخاصة الأوروبية "تاكوبا" التي تساعد جيوش مالي وبوركينا فاسو والنيجر في الساحل الإفريقي، على مواجهة متشددين مرتبطين بتنظيمَي "داعش" و"القاعدة"، احتلوا مساحات شاسعة من الأراضي في المثلث الحدودي لتلك الدول. وانتقدت الدنمارك أيضاً وجود مرتزقة روس في مالي، ووصفته بأنه "إشكالي جداً"، بحسب وكالة "رويترز".
المرتزقة الروس، المنضوون في إطار مجموعة "فاجنر"، يثيرون أيضاً ريبة باريس، إذ ذكر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أنهم "يدعمون" المجلس العسكري في مالي، تحت ستار مكافحة المتشددين، متهماً موسكو بـ"الكذب" بشأنهم، علماً أن سلطات مالي تنفي انتشار المجموعة في البلاد، وتؤكد وجود مدربين روس، مثل المدربين الأوروبيين.
"دعم من الجيش الروسي"
رئيس القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا، الجنرال ستيفن تاونسند، أكد أخيراً أن "مئات" من مسلحي "فاجنر" ينتشرون في مالي "بدعم من الجيش الروسي، وتنقلهم طائرات تابعة لسلاح الجوّ الروسي".
ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مسؤولين عسكريين ماليين إن حوالى 400 مدرب عسكري روسي انتشروا خصوصاً في قاعدة تمبكتو شمال البلاد، التي غادرها الجنود الفرنسيون أخيراً، علماً أن باريس قلّصت قوة "برخان" التي سيتراجع عديدها من حوالى 5000 عنصر في منطقة الساحل في صيف 2021، إلى حوالى 3000 في صيف 2022.
في السياق ذاته، أعلن مسؤول بارز في وزارة الدفاع الفرنسية أن ما بين 300 و400 من مرتزقة "فاجنر" ينتشرون إلى جانب قوات مالي في وسط البلاد، مضيفاً: "هناك أيضاً مدربون روس يقدّمون المعدات"، بحسب "رويترز".
جمهورية إفريقيا الوسطى
وجود "فاجنر" لا يقتصر على مالي، بل يشمل أيضاً "23 دولة إفريقية"، كما قالت نبيلة مصرالي، الناطقة باسم وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل. وذكّرت بأن "تقارير حديثة موثّقة وطنية ودولية، تندد بانتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبها مدرّبون روس وموظّفون في مجموعات خاصة تنشط في إفريقيا الوسطى".
"هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي) أشارت إلى أن المرتزقة الروس موجودون في إفريقيا الوسطى لدعم الرئيس فوستين أرشانج تواديرا، في القتال ضد متمردين يسيطرون على أجزاء كثيرة من البلاد التي تشهد اضطرابات مدنية منذ الإطاحة بالرئيس فرانسوا بوزيزي في عام 2013.
ويُعتقد بأن "فاجنر" بدأت نشاطها في إفريقيا الوسطى عام 2017، بعدما أقرّ مجلس الأمن مهمة تدريب روسية، ورفع حظر تسلّح فُرض في عام 2013، علماً أن ثمة قوات فرنسية وقوة للأمم المتحدة في البلاد. وأفادت "فرانس برس" بسيطرة المجموعة على كتيبة لجيش إفريقيا الوسطى درّبها الاتحاد الأوروبي.
ليبيا
ظهر مسلحو "فاجنر" في ليبيا في أبريل 2019، إذ انضمّوا إلى قوات قائد الجيش الوطني الليبي، اللواء خليفة حفتر، في قتالها ضد وحدات تابعة للحكومة السابقة التي ترأسها فايز السراج.
وذكرت "بي بي سي" أن تقديرات تفيد بأن حوالى ألف مسلح من "فاجنر" قاتلوا مع قوات حفتر في ليبيا، بين عامَي 2019 و2020.
السودان
أفاد "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" (مقره واشنطن) بأن روسيا استخدمت مجموعة "فاجنر" في السودان، لتقديم دعم عسكري وسياسي للرئيس السابق عمر البشير، في مقابل امتيازات لتعدين الذهب.
في نوفمبر 2017، سهّلت موسكو اتفاقاً لعمليات تعدين مع شركة روسية مرتبطة بـيفغيني بريغوجين، الذي يُعتقد بأنه مؤسّس "فاجنر"، كما أنه مقرّب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأمّن المرتزقة، الذين وصلوا في الشهر التالي، تدريباً ومساعدة عسكرية للقوات المحلية.
وأُعلن أواخر عام 2020، اتفاق بين الخرطوم وموسكو لتشييد قاعدة للبحرية الروسية في ميناء بورتسودان على البحر الأحمر. لكن قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، لفت إلى أن لبلاده "ملاحظات" على الاتفاق، مطالباً بمعالجتها قبل تنفيذ الاتفاق.
موزمبيق
في عام 2019، أرسلت "فاجنر" مسلحين لقتال متشددين في مقاطعة كابو ديلغادو شمال موزمبيق. لكن هؤلاء انسحبوا، بعد مقتل حوالى عشرة منهم، بعضهم قُطعت رؤوسهم، بحسب مجلة "ذي إيكونوميست".
وذكر "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" أن موسكو قايضت النشاطات العسكرية للمجموعة، بالحصول على الغاز الطبيعي. وأضاف أن موزمبيق أبدلت "فاجنر" بـ"مجموعة ديك الاستشارية"، وهي شركة عسكرية خاصة من جنوب إفريقيا.
مدغشقر
في ربيع 2018، أرسلت "فاجنر" محللين سياسيين إلى مدغشقر لدعم محاولة إعادة انتخاب الرئيس السابق هيري راجاوناريمامبيانينا، في مقابل اتفاقات اقتصادية مرتبطة بالتعدين (الكروميت والذهب)، والنفط، والزراعة، إضافة إلى ميناء تواماسينا، بحسب "ذي إيكونوميست".
ثم وصلت قوات إضافية لتأمين تدريب أمني وعسكري، بمساعدة مزعومة من أجهزة الاستخبارات الروسية. وعلى رغم أن راجاوناريمامبيانينا خسر الانتخابات، إلا أنه سهّل هذه الاتفاقات قبل تنحّيه.
فرض الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي عقوبات على "فاجنر"، متهماً إياها بإثارة عنف وارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. واعتبر بوريل أن "نشاطات هذه المجموعة تعكس حرباً روسية هجينة"، منبّهاً إلى أنها "تمثل تهديداً وتثير عدم استقرار في بلدان بالعالم أجمع".
اقرأ أيضاً: