فاجنر.. ما حقيقة الشركة العسكرية التي تطاردها عقوبات الغرب؟

time reading iconدقائق القراءة - 12
عربة عسكرية تابعة لمجموعة "فاجنر" في قاعدة بنجاسو في إفريقيا الوسطى. 3 يناير 2021. - AFP
عربة عسكرية تابعة لمجموعة "فاجنر" في قاعدة بنجاسو في إفريقيا الوسطى. 3 يناير 2021. - AFP
دبي-الشرق

أعاد إعلان الاتحاد الأوروبي، الاثنين، عقوبات على مجموعة "فاجنر" الروسية شبه العسكرية التساؤلات عن حقيقة الشركة، التي تنفي الحكومة الروسية صلتها بها، فيما تفيد التقارير  الغربية بأنها تخدم مصالح موسكو في الخارج.

ويقول الاتحاد الأوروبي إن مقاتلي شركة فاجنر موجودون في عدة دول في إفريقيا جنوب الصحراء، حيث تبحث روسيا عن تعزيز نفوذها، ولا سيما في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى، لكنها تنشط أيضاً في ليبيا وسوريا وأوكرانيا.

وتقدم مجموعة فاجنر التي تنفي السلطات الروسية أي صلة بها، خدمات صيانة للمعدات العسكرية والتدريب بالإضافة إلى المقاتلين لكنها متهمة من قبل الدول الغربية بأنها تتقاضى أجراً من موارد البلدان المضيفة وتخدم مصالح الكرملين.

لماذا يقلق الغرب من فاجنر؟

المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والأمن، بيتر ستانو قال لـ"الشرق"، إن مجموعة فاجنر "تشارك في انتهاكات حقوق الإنسان بما في ذلك التعذيب والقتل غير المشروع وتساهم في زعزعة استقرار بعض الدول من قبل سوريا وأوكرانيا وبلدان إفريقية" وضمنها مالي.

وبسؤاله عن الفرق بين نشاط مقاتلي "فاجنر" والقوات الفرنسية في مالي، والتي واجهت بدورها تهماً بانتهاك حقوق الإنسان في الساحل الإفريقي، قال ستانو إنه "يمكن إخضاع فرنسا للمساءلة حين توجد شبهات بشأن أنشطة قواتها في الخارج سواءً أمام نظامها القضائي أو النظام القضائي للدول التي تنشط بها، وحتى أمام الأمم المتحدة".

وتابع: "هذا الأمر لا ينطبق على مجموعة فاجنر. فبالرغم من أننا نعلم بارتباط المجموعة بدوائر السلطة في روسيا، فإن أنشطتها تطبعها السرية وهي غير مسجلة أساساً في أي دولة، وهو ما يصعب متابعتها قضائياً".

ولفت المتحدث إلى أن "المجموعة لديها نفوذ سلبي للغاية في أكثر من 20 دولة في العالم، فبالإضافة إلى زعزعة الاستقرار وتجاوزات حقوق الإنسان، تقوم الشركة أيضاً بنهب الموارد الطبيعية في بعض البلدان التي تنشط بها".

وأفادت وكالة "فرانس برس"بأن العقوبات جاءت إثر جهود قادتها فرنسا لاستهداف فاجنر بعد اتفاق أبرمته المجموعة مع المجلس العسكري في مالي لإرسال ألف مقاتل للمساعدة في النزاع المتواصل منذ سنوات ضد المتشددين في البلاد.

ووفقاً لوكالة "رويترز"، فإن الاتفاق ينص على حصول "مجموعة (فاجنر) على نحو 6 مليارات فرنك إفريقي (10.8 مليون دولار) شهرياً مقابل خدماتها".

ما حقيقة فاجنر؟

ظهرت "فاجنر" للمرة الأولى بجانب انفصاليين من إقليم دونباس شرق أوكرانيا في 2014.  ومنذ ذلك الحين تفرعت شبكة المجموعة لتنتشر قواتها شبه العسكرية في سوريا، حيث قاتلوا لدعم الرئيس بشار الأسد، وكذلك في ليبيا ومدغشقر وموزمبيق وجمهورية إفريقيا الوسطى ومالي، وفقاً لمجلة "فورين بوليسي".

ولا تملك  المجموعة أي "وجود شرعي" في روسيا، حيث الشركات شبه العسكرية محظورة، بحسب مجلة "فورين بوليسي". عدم وضوح مكان تسجيل الشركة أو مقرها الرئيسي جعل وسائل الإعلام الغربية تعطيها توصيفات تتراوح بين "المرتزقة" والشركة العسكرية الخاصة.

وبحسب موقع، "The Inside Over" الإيطالي، فإن شركة  فاجنر لا تستوفي معايير الشركة العسكرية، مادامت غير مسجلة كعلامة تجارية ربحية في أي بلد، مشيراً إلى أن المجموعة تعد بمثابة "كيان خفي، خصوصاً وأن التقارير عن المكاتب المسجلة للشركة تُثير تساؤلات بشأن طبيعة وجودها".

مجلة "فورين بوليسي" أكدت عدم وجود أي شركة تجارية مسجلة باسم "فاجنر"، مشيرةً إلى أن المجموعة عبارة عن شبكة معقدة من الشركات التي تعمل في مجال النقل اللوجستي ومجموعات توفر المرتزقة. ولفتت المجلة إلى أن عدداً من الشركات المرتبطة بالشبكة الكبيرة، التي تلقب بـ "فاجنر"، مدرجة في لائحة العقوبات الأميركية بسبب أنشطة متنوعة، ضمنها قمع الاحتجاجات المناصرة للديمقراطية ونهب الدهب والألماس والانخراط غير المشروع في أعمال شبه عسكرية.

وأوضحت المجلة أن المجموعة تتحدى التعريف التقليدي للشركة العسكرية الخاصة، مضيفةً أن الطبيعة الغامضة للشبكة تشكل تحدياً هائلاً للضحايا والحكومات والمؤسسات الدولية التي تسعى إلى محاسبة المجموعة على الفظائع المزعومة.

"جيش بوتين الخاص"

في أبريل الماضي، رصدت صحيفة "تليجراف" البريطانية صوراً استخباراتية تظهر أن روسيا زودت "مجموعة فاجنر الروسية للأمن الخاصة"، بالدبابات والطائرات لشن حرب سرية شبه عسكرية في ليبيا.

وقالت الصحيفة إن المجموعة  تحولت إلى "جيش خاص" في يد الرئيس الروسي فلاديمر بوتين، "يستغله في مناطق النزاع، التي لا يريد أن تتدخل فيها روسيا بشكل مباشر".

وأضافت أن فاجنر تستخدم المعدات العسكرية الروسية النظامية في ليبيا، ما يكشف أنها "جزء لا يمكن إنكاره من جيش الكرملين"، مضيفة أن "خبراء الأمن يعتقدون أنه يتم استخدام هذه الشركة، لاستعراض قوة موسكو العسكرية، وأن الأمر يتم أحياناً بدعم عسكري مباشر من الجيش الروسي".

وأشارت الصحيفة، إلى أن المجموعة الروسية الخاصة تنشط بشكل خاص في سوريا وليبيا وعبر إفريقيا، حيث تتم مكافأتها على مساعداتها المسلحة من خلال "منحها الوصول إلى احتياطيات الطاقة والذهب والمعادن النفيسة الأخرى".

وقالت الصحيفة إنه  "يزعم أن روسيا اليوم تفضل استخدام قوات فاجنر شبه العسكرية في مناطق مثل أوكرانيا وسوريا وليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى، وذلك لأغراض سياسية وكوسيلة لجمع الأموال، حيث يبدو الرئيس فلاديمير بوتين حريصاً، بشكل خاص، على توسيع نفوذ موسكو عبر إفريقيا، وتحديداً في ليبيا، الغنية بالنفط، والتي يمكنه التحكم في تدفق المهاجرين إلى جنوب أوروبا من خلالها".

وأكد وزير الدفاع الدفاع البريطاني، بن والاس لـ"تليجراف"، أنه "قد بات على بريطانيا مواجهة مجموعات المرتزقة هذه" مشيراً إلى أن "هؤلاء المرتزقة التابعين لمجموعة فاغنر الروسية والتي يديرها شخص يُعرف باسم (طباخ بوتين) أظهرت كيف يمكن أن تتغير الحرب في العصر الحديث".

وأضاف والاس: "تشكل هذه الجماعات الغامضة، التي باتت مدعومة الآن من قبل جيوش جيدة التمويل وخاضعة لتدريب عالٍ، وضعاً معقداً للقوات المسلحة الغربية، وستحتاج المملكة المتحدة، وحلفائها الآخرين، إلى الاستعداد لتحدي المرتزقة".

ويرى والاس أن جمع موسكو بين الأصول العسكرية وغير العسكرية يبدو نموذجاً لما يسميه بـ"العمل داخل المنطقة الرمادية".

موقف روسيا من فاجنر 

في العام الماضي، قال تقرير لوزارة الخارجية الألمانية إن روسيا "حصلت على تأكيدات تعاقدية تسمح لها ببناء قواعد عسكرية في 6 دول" بحسب "تلغراف"، التي أشارت إلى أن بوتين جعل إفريقيا "أولوية قصوى". 

كما يبدو أن طبيعة العلاقة بين موسكو ومجموعة فاجنر غير واضحة أيضاً، حيث يشير مسؤولون أميركيون إلى أنه قد تم استخدام المجموعة في سوريا لتأمين المنشآت النفطية لنظام الرئيس بشار الأسد، مع إعطاء موسكو تعويضاً مناسباً.

وفي مارس 2018، صوت البرلمان الروسي على جعل استخدام الشركات العسكرية الخاصة أمر غير قانوني، ومع ذلك، قال بوتين، في مؤتمره الصحفي السنوي في ديسمبر  الماضي: طالما أن الشركات العسكرية الخاصة لا تنتهك القانون الروسي، فإنها ممتع بالحق في العمل، ومتابعة مصالحها التجارية في أي مكان على هذا الكوكب".

غير أن بوتين ظل يشدد على أن الحكومة الروسية لا تربطها أي علاقة بشركة فاجنر، وقال في أكتوبر الماضي رداً على تحذيرات من فرنسا وألمانيا لروسيا من دخول مقاتلي فاجنر إلى مالي، إن مجموعة فاجنر لا تخدم مصالح الكرملين.

وقال بوتين، خلال مشاركته في الاجتماع السنوي لـ "نادي فالداي" للحوارفي مدينة سوتشي الروسية،  "إنهم لا يعكسون مصالح الدولة الروسية".

وأوضح الرئيس الروسي أن فاجنر "شركة خاصة" لديها "مصالح خاصة مرتبطة باستخراج موارد الطاقة ومختلف الموارد" مثل الذهب والأحجار الكريمة. لكن إذا تضاربت أنشطتها مع "مصالح الدولة الروسية، بالتأكيد يجب أن نتصرف"، وفق ما نقلت وكالة "فرانس برس" عن بوتين.

ونقلت "تليجراف" عن البروفيسور كيمبرلي مارتن، من قسم العلوم السياسية في جامعة كولومبيا القول إنبعض جنود فاغنر، الذين قتلوا في المعارك، قد حصلوا على وسام الشجاعة العسكرية في روسيا، والذي يُمنح عادةً لأفراد الخدمة العسكرية فقط، مضيفة أن "المصطلح الأفضل لها، بدلاً من شركة عسكرية خاصة أو جماعة مرتزقة، قد يكون مجموعة أمنية شبه رسمية".

من هو "طباخ بوتين"؟

وارتبطت مجموعة "فاجنر" برجل الأعمال الروسي يفجيني بريجوجين، حليف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلا أن بريجوجين نفى تلك المزاعم.

ويعتبر بريجوجين من ضمن الدائرة المقربة من الرئيس الروسي. وكانت شركة المطاعم التي يملكها لفترة من الوقت، أحد موردي الكرملين بالغذاء، ليكتسب بذلك لقب "طباخ بوتين".  

وبالإضافة إلى مجموعة فاجنر، يُعتقد أن بريجوجين هو الراعي لوكالة سانت بيترسبرغ لأبحاث الإنترنت، والتي يُعتقد أنها مسؤولة عن إنتاج معلومات مضللة وعن التدخل في المؤسسات الديمقراطية في البلدان التي تعتبر معادية لموسكو.

وفي ديسمبر 2020، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على بريجوجين ، لدوره المزعزع للاستقرار في ليبيا عبر شركة فاجنر.

واعترض رجل الأعمال الروسي البارز، على العقوبات، وقالت شركة "كونكورد" التي يملكها بريجوجين، "إن بريجوجين ليس لديه أي معلومات عن وجود شركة باسم مجموعة فاغنر، وليست لديه، ولم تكن لديه أي علاقات معها، بما في ذلك أي علاقات مالية". 

وكانت الولايات المتحدة عاقبت بريغوجين، بعد أن اتهمته بأنه لعب دوراً في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016. 

وفي فبراير الماضي، أعلن مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي "إف بي أي"، وضع يفجيني بريجوجين في قائمة المطلوبين، بمكافأة تصل إلى 250 ألف دولار، في حال توفر أي معلومات تؤدي لاعتقاله.

ويتهم مكتب التحقيقات الفيدرالي بريجوجين بـ "التآمر للاحتيال على الولايات المتحدة"، وذلك من خلال "دعم وكالة أبحاث الإنترنت، والتي أشرفت على عمليات التدخل السياسي والانتخابي في الولايات المتحدة".

وأوضح مكتب التحقيقات في بيان أن "وكالة الأبحاث التي دعمها رجل الأعمال الروسي، عملت على "إنشاء مئات الحسابات الوهمية على الإنترنت، واستخدام هويات مسروقة لأشخاص من الولايات المتحدة، بهدف التأثير على الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016"، والتي انتهت بفوز دونالد ترمب.