لليوم السابع على التوالي، يواصل الآلاف في مدينة السويداء جنوب غربي سوريا الخروج في احتجاجات مناهضة للحكومة، رافعين شعارات تُطالب بـ"إسقاط النظام"، وتحسين الظروف المعيشية، بالتزامن مع استمرار الإضراب العام في المحافظة.
وكانت الكثير من المدن والبلدات في عموم محافظة السويداء شهدت، الجمعة، خروج مظاهرات تنادي بإسقاط النظام وتأييداً للإضراب.
ونشر موقع "السويداء 24" وهو منصة مستقلة تُوفر تغطية لأخبار المحافظة، صوراً ومقاطع فيديو تُظهر المشاركة في الاحتجاجات، مشيراً إلى أنه منذ صباح السبت توافد المئات المحتجين من السويداء والقرى والبلدات التابعة لها إلى ساحة "الكرامة" وسط المدينة.
ونشرت منصات محلية مقاطع فيديو أظهرت قيام محتجين بإزالة صورة الرئيس السوري بشار الأسد الموجودة على المبنى الخارجي لمجلس مدينة السويداء عبر طلائها باللون الأحمر.
وشهدت الاحتجاجات حضوراً واسعاً من النساء، وذلك بحسب ما أظهرت المقاطع المتداولة.
اعتقال ناشط
في شأن ذي صلة، قال ناشطون إن الأجهزة الأمنية اعتقلت الناشط أيمن فارس من أبناء محافظة اللاذقية، قبل وصوله إلى السويداء التي كان ينوي الاحتماء فيها، بعد أيام من هروبه من منزله، وانتشار خبر اعتقاله.
وذكر موقع "السويداء 24"، أن أيمن فارس الناشط المعروف الذي اشتُهر ببث مقاطع فيديو ينتقد فيها الحكومة السورية ومسؤوليها كان مختبئاً في مدينة جرمانا بريف دمشق ويتحضر للتوجه إلى السويداء، بعد أن طلب الحماية فيها بالتنسيق مع بعض الناشطين هناك.
وأضاف الموقع أنه أثناء محاولة تهريب فارس إلى السويداء، اعتقلته الأجهزة الأمنية على حاجز العادلية في ريف دمشق، مع شاب من السويداء كان رفقته، إذ اقتادتهما إلى جهة مجهولة.
وطالب المتظاهرون في السويداء بالإفراج عن الناشط أيمن فارس.
رجال الدين يؤيدون الحراك
وشكّل موقف السلطة الدينية الدرزية من الحراك مؤشراً على واقع جديد في محافظة السويداء، إذ لأول مرة منذ العام 2011 يؤيد الرؤساء الثلاثة لهذه الطائفة التي لا تتعدى نسبتها 3% من سكان سوريا، احتجاجات مناهضة للحكومة بشكل صريح وعلني.
وفي وقت سابق الخميس، أصدرت "دار طائفة المسلمين الموحدين الدروز في سوريا"، بياناً أكدت فيه على "مطالب المحتجين المحقة في إعطاء الحقوق لأصحابها ونيل العيش الكريم، التي فقدت جل مقوماته بسبب الفساد المتفشي والإدارة الفاشلة، وترحيل المسؤوليات، واعتماد اللامبالاة منهجاً، وهو ما أهلك البلاد والعباد".
وجاء البيان ممهوراً بتوقيت شيخي العقل حمود الحناوي ويوسف جربوع، محدداً 6 مطالب من الحكومة، وهي إجراء تغيير حكومي، وتشكيل حكومة جديدة قادرة على إدارة الأزمة، وتحسين الواقع وإيجاد الحلول وعدم ترحيل المسؤوليات، والتراجع عن كل القرارات الاقتصادية الأخيرة، والعمل على تحسين الواقع المعيشي للمواطنين، ومحاربة الفساد.
ومن بين المطالب "إعداد دراسة تشغيل معبر حدودي لمحافظة السويداء لإنعاشها اقتصادياً، في إشارة غير مباشرة إلى فتح معبر جنوباً مع الأردن.
وكان الشيخ حكمت الهجري الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز التي تُشكل الغالبية في محافظة السويداء، أصدر بياناً قبل أيام أعلن خلاله تأييد التحركات الاحتجاجية، معبّراً في الوقت نفسه، عن قلقه إزاء الأوضاع الحالية. ودعا إلى التحرك من أجل تحقيق التغيير والعدالة.
كما حمّل الهجري الحكومة السورية مسؤولية تردي الأوضاع، قائلاً: "ما هكذا يُعامل شعب من قبل حكومته، ولا هكذا تكون القرارات ولا التصرفات، والحجة حرب كونية، وأي حرب كونية وأنتم تدمرون شعبكم وتحبسون مقدراته عنه، وتسقطون اقتصاده الوطني إلى الحضيض بقرارات بخسة، وتعاملات لا تهمها سوى الجباية القسرية وتدمير البنى التحتية".
وفي وقت سابق الخميس، اجتمع الزعماء الدينيون البارزون بالطائفة الدرزية للمرة الأولى منذ اندلاع الاحتجاجات، وأقروا بالحق في الاحتجاج السلمي على سياسات الحكومة.
وقال الشيخ حكمت الهجري الزعيم الروحي للطائفة الدرزية السورية إن "هذا الحراك هو صوت الحق للشعب السوري".
ظروف معيشية قاسية
وعلى غرار باقي المناطق السورية، يُعاني سكان السويداء أوضاعاً اقتصادية صعبة، وتراجعاً كبيراً في مستوى الخدمات، وبشكل خاص الكهرباء التي لا تصل المنازل أكثر من ساعات قليلة في اليوم.
ونتيجة لذلك، اضطر الكثيرون خلال العقد الماضي إلى مغادرة البلاد، لاسيما اتخاذ طرق الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
وهذه ليست المرة الأولى التي تخرج فيها احتجاجات شعبية مناهضة للحكومة في السويداء، إلا أنه لم يحدث سابقاً أن وصل حجم الاحتجاجات إلى هذا المستوى الذي يتزامن مع إضراب عام وتأييد من الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية.
منذ بدء الأزمة السورية في مارس 2011، اتخذت السويداء التي تُشكل الطائفة الدرزية غالبية سكانها، موقفاً أقرب إلى الحياد، فرغم أن المحافظة شهدت في وقت مبكر حراكاً نخبوياً، وتظاهرات محدودة وبرزت فيها شخصيات مدنية وعسكرية معارضة، إلا أن غالبية سكانها أبدوا عزوفاً عن الانخراط في الصراع.
ومنذ سنوات تعيش السويداء حالة من الفوضى والانفلات الأمني، إذ تنتشر الكثير من العصابات التي تقوم بأعمال السلب والنهب والخطف، إلى جانب تجارة المخدرات والمحروقات المهربة. وكثيراً ما أدى السلاح العشوائي إلى سقوط ضحايا مدنيين.
ورغم وجود مؤسسات الدولة كافة في السويداء، إلا أن سلطة أجهزتها الأمنية تراجعت إلى حد كبير، وذلك بفعل الضغط الذي شكّلته الفصائل المحلية المسلحة التي تتهم السلطات بالتراخي في ضبط الوضع الأمني، والارتباط مع عصابات في المحافظة.
وكان من الواضح أن السلطات في دمشق تُحاول تفادي أي تصعيد قد يؤدي إلى تفجر الصراع في هذه المنطقة التي تعيش فيها أقلية لا تشكّل أكثر من 3% من سكان سوريا.
وكان الأسد أصدر، الثلاثاء قبل الماضي، مرسوماً بزيادة الأجور بنسبة 100%، وأعلنت الحكومة السورية قرارات برفع أسعار المحروقات بنسبة 150 إلى 200%.
اقرأ أيضاً: