قال مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، جون بولتون، إن "الصين تعتمد سياسة إيقاع الدول في شرك الدين لتحقيق مكاسب سياسية"، معتبراً أن مبادرة "الحزام والطريق" تتماهى مع هذه السياسة، وتشمل المساعدة الاقتصادية والتنموية للبلدان وتُستكمل بأهداف سياسية وعسكرية.
وشدد بولتون في حديث لتلفزيون "الشرق"، ضمن برنامج "دائرة الشرق"، على ضرورة ألا تقلص الولايات المتحدة وشركاؤها انخراطهم في مناطق العالم للتركيز فقط على الصين، "لأن الحاجة الآن هي للانخراط المتزايد وليس المتقلص"، لافتاً إلى أن التوترات بين بلاده والصين تتصاعد.
قاعدة صينية في إفريقيا
وجاء حديث بولتون لـ"الشرق" تعليقاً على تقارير استخباراتية أميركية قالت إن الصين تعتزم إنشاء قاعدة عسكرية لها في غينيا الاستوائية، لتتمركز بذلك، للمرة الأولى، في موقع استراتيجي في المحيط الأطلسي وبمواجهة الساحل الشرقي للقارة الأميركية.
ووفقاً للتقارير، سيمنح وجود قاعدة عسكرية في هذه المنطقة السفنَ الحربية الصينية مكاناً للتوقف وإعادة التسلح ونشر قوة لها في مواجهة الساحل الشرقي للقارة الأميركية، وتهديد أمنها القومي.
وكانت الولايات المتحدة تعلم بمساعي الصين ونواياها العسكرية في غينيا الاستوائية منذ عام 2019، إذ حاولت الإدارة الأميركية الجديدة إثناء غينيا عن هذه الخطوة، ودعتها إلى الوقوف بعيداً عن خط المواجهة الأميركية الصينية، وأبلغتها بأن موافقتها على أي نشاط صيني في هذه المنطقة سيؤثر على أمنها القومي.
وحاولت واشنطن أيضاً استخدام المساعدات والتحالف لكسب ود غينيا وإفشال المساعي الصينية. ففي مارس الماضي، عرضت واشنطن على غينيا المساعدة بعد سلسلة انفجارات دمّرت قاعدة عسكرية، وحاولت توطيد العلاقات العسكرية معها من خلال إشراكها في مناورات بحرية بقيادة الولايات المتحدة في خليج غينيا.
يبدو أن محاولات واشنطن لم تفلح، وتمكنت بكين التي تربطها بغينيا علاقات جيدة اقتصادياً، تتمثل في مشاريع تنموية وقروض بالمليارات، من تحقيق هدف عسكري كبير لها ونشر قواتها في المحيط الأطلسي مقابل واشنطن.
وهذه ليست المرة الأولى التي تستطيع فيها الصين التواجد بأماكن تهدد المصالح الأميركية. ففي عام 2017، أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية خارج حدودها، في جيبوتي، على الجانب الآخر من إفريقيا، وتبعد نحو 10 كيلومترات فقط من معسكر ليمونيه حيث تقع أكبر قاعدة أميركية في إفريقيا.
"سياسة الشرك" الصينية
وقال بولتون لـ"الشرق" إن "هذه الجهود هي استكمال للسياسة الصينية التي ليست بجديدة، والتي تعتمد على إيقاع الدول في شرك الدين، في إفريقيا وآسيا وغيرها...". وأضاف أن "الصين تمد حكومات متعددة بهذه التمويلات، ولكن بعد فترة من الزمن تبدأ تلك البلدان بالشعور بعبء الديون".
وتابع: "الصين تدرك أنها في هذه النقطة ستتمتع بمزايا متزايدة بالنسبة للأهمية العسكرية، وهذا ما جرى في غينيا الاستوائية، لأن الصين الآن تفتقر للتواجد الكبير على السواحل الأطلسية، وتودّ النفوذ والنفاذ إلى المحيط الأطلسي".
وذكر أن القاعدة العسكرية في جيبوتي "هي جزء من هذا التصرف النمطي"، معتبراً أن مبادرة الحزام والطريق تتماهى مع كل هذه الجهود التي تشمل المساعدة الاقتصادية والتنموية لهذه البلدان وتستكمل بأهداف سياسية وعسكرية.
وخلص إلى أن "هذه البلدان تبدأ باستقبال الصين اقتصادياً، ولكن سرعان ما تجد نفسها في هذه الهيمنة الصينية".
زيادة الانخراط الأميركي عالمياً
وعما إذا كان هذا التوسع الصيني سيدفع الولايات المتحدة إلى تغيير استراتيجيتها الدولية، قال بولتون إنه "للأسف، فيما يتعلق بإفريقيا، لم نرَ انخراطاً أميركياً كبيراً عام 2019 في السياسة الإفريقية الجديدة، وبعض الأشخاص اتهمونا وأيضاً انتقدونا لمواضع الخلل في السياسة الإفريقية، حيث إننا ركزنا على روسيا والصين وأهملنا إفريقيا بعض الشيء، وهذا يتبلور الآن في غينيا الاستوائية، لأننا كنا محقين في مخاوفنا من النفوذ الصيني المتزايد في هذه القارة وكل تبعاته".
وتابع: "للأسف، أظن أن هذه أدلة واضحة جداً لما يجب على الولايات المتحدة أن تقوم به الآن. فمع تركيزها على الصين، يحب ألا تتخلى عن المناطق الأخرى، مثل وسط آسيا والخليج وإفريقيا وغيرها... أظن أن الولايات المتحدة يجب أن تركز على التهديد الصيني في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، ولكن التهديد الصيني عالمي والمصالح الأميركية أيضاً عالمية".
وقال: "إذاً، لا ينبغي للولايات المتحدة وشركائها أن يقلصوا انخراطهم في هذه المناطق الأخرى من العالم للتركيز فقط على الصين، لأن الحاجة الآن هي للانخراط المتزايد وليس المتقلص".
قلق أميركي
وعما إذا كانت التوترات بين الصين والولايات المتحدة وصلت إلى حد مقلق، قال بولتون: "أظن أن التوترات تتصاعد بشكل مطرد، وهذا ما نراه الآن بالنسبة لما قامت به الإدارة الأميركية بإعلانها مقاطعة الألعاب الأولمبية (الشتوية 2022 في بكين مبررة ذلك بوجود انتهاكات لحقوق الإنسان)، والصين ردت بشكل جدي، وهناك أيضاً وجهات النظر المختلفة فيما يتعلق بمعاملة الإيجور وغيرها...".
ولفت إلى أن "هذه أمثلة من مئات الأمثلة التي تخص النشاط الحكومي والإنساني والاقتصادي والعسكري، هذا تهديد تشكله الصين بالنسبة للغرب برمته، ولطريقة تعاطينا وقيامنا بأعمال مع المناطق المختلفة، وهذا ما يقلقنا الآن للسنوات المقبلة".
اقرأ أيضاً: