
اعتبرت مجلة "فورين بوليسي" أن الثقة بـ "شبكة حقاني" الأفغانية سيكون "ضرباً من الجنون"، مشيرة إلى أنها مقرّبة جداً من تنظيم "القاعدة" وجماعات إرهابية أخرى، بما في ذلك "داعش".
وأشارت إلى أن تنظيم "داعش - ولاية خراسان" أعلن مسؤوليته عن الهجمات التي استهدفت مطار كابول الخميس، وأسفرت عن مقتل حوالى 170 شخصاً، بينهم 13 جندياً أميركياً.
ونبّهت إلى أن "ولاية خراسان" ليست الجماعة المتشددة الوحيدة التي على الولايات المتحدة أن تقلق بشأنها، قبل أن تستكمل انسحابها من أفغانستان. وأضافت أن "شبكة حقاني" هي في صميم شبكات مسلحة كثيرة، والحكومة الأفغانية الجديدة التي تهيمن عليها حركة طالبان، لافتة إلى أن أحداً لا يعتقد بأنها تعتزم قطع علاقاتها مع الجماعات الإرهابية، رغم أن قادتها يتظاهرون بأنهم بدّلوا مواقفهم، مع مشاركتهم في السلطة.
وخلال العقدين الماضيين، باتت "شبكة حقاني" فصيلاً قيادياً في العارضة المسلحة للقوات الأميركية، ونفذت هجمات مميتة، بما في ذلك حصار دام 19 ساعة للسفارة الأميركية في كابول. كذلك أصبحت "مافيا عابرة للحدود"، تتاجر في قطاعات، تتراوح بين عمليات الفدية والعقارات والهواتف وتجارة السيارات وتهريب المعادن والمخدرات، بحسب المجلة.
واستدركت أن ما يميّز "حقاني" هو علاقتها الوثيقة بـ "القاعدة"، مشيرة إلى تبنّيهما "الأيديولوجية الديوبندية الدينية المتطرفة"، مضيفة أن لمؤسّس الشبكة، جلال الدين حقاني، علاقة صداقة شخصية مع الزعيم الراحل لتنظيم "القاعدة"، أسامة بن لادن.
رابط بين طالبان و"القاعدة"
وأفاد تقرير أعدّه "فريق الدعم التحليلي ومراقبة العقوبات"، وقُدّم إلى مجلس الأمن في مايو الماضي، بأن "شبكة حقاني" تشكّل رابطاً أساسياً في الحفاظ على العلاقات بين طالبان و"القاعدة"، علماً أن التنظيم أدى دوراً نشطاً في مساعدة طالبان خلال معارك للسيطرة على أفغانستان.
ولا تزال الشبكة مرتبطة أيضاً بتنظيمات متشددة إقليمية، بما في ذلك "الحركة الإسلامية في أوزبكستان"، و"جيش محمد" المناهض للهند، وكذلك "داعش - ولاية خراسان". وأشار تقرير الأمم المتحدة إلى أن التنظيم الأخير "يفتقر إلى القدرة على شنّ هجمات معقدة في كابول بنفسه"، فيما تحمّل مسؤولية عمليات يُرجّح أن تكون "شبكة حقاني" نفذتها. ولطالما لفت خبراء إلى أن الشبكة تسمح لـ "ولاية خراسان" بتنفيذ هجمات تخدم أهدافها الخاصة، ولكنها لا تريد ربطها بها. ويتيح التنظيم الداعشي لـ "شبكة حقاني" إمكان إنكار تورّطها بهجمات مشابهة، كما ذكرت "فورين بوليسي".
وسلّمت طالبان، الشبكة، مسؤولية الأمن في كابول. وكلّف سراج الدين حقاني، زعيم الشبكة ونائب زعيم طالبان، عمّه خليل حقاني، السيطرة على الأمن في العاصمة، علماً أن الأخير مُدرج على لائحتَي الإرهاب في الولايات المتحدة ولدى الأمم المتحدة.
وكان حبيب الرحمن آغا، وهو عضو في طالبان ونجل أحد زعمائها، سيد أكبر آغا، من الذين التقوا حقاني لمناقشة الوضع الأمني في كابول. وبرّر تسليم الشبكة مسؤولية الأمن في العاصمة، بوجودها الأمني المديد فيها، وعملها السري في موازاة الشرطة والجيش. وأضاف: "لديها جهاز أمني في كابول منذ فترة طويلة". واعتبرت المجلة أن لا شيء يحدث في العاصمة، من دون علم "حقاني".
"بدري 313"
"فورين بوليسي" ذكرت أنه لم يتضح بعد هل أدت "شبكة حقاني" دوراً نشطاً في الهجوم على المطار، أو تجاهلته، أم لم تعلم به. واستدركت أن الاعتداء حصل في محيط المطار، الذي كان يُفترض أن يكون تحت سيطرتها.
وكلّفت "حقاني" وحدتها الخاصة، المعروفة باسم "بدري 313"، بتنفيذ دوريات خارج المطار، وكانت تتباهى على الإنترنت طيلة الأسبوع بنجاحها في ذلك. ونشرت الذراع الدعائية للشبكة، وتُسمّى "منبع الجهاد"، تسجيلات مصوّرة لـ "بدري 313"، بدا خلالها أفرادها يرتدون زياً عسكرياً حديثاً، وأقنعة، ونظارات واقية، ويحملون أسلحة أميركية حديثة. لكن ذلك لم يسعفهم عندما نفذ انتحاريان من "خراسان" الهجوم على مطار كابول، في ممارسة كان أتباع "حقاني" رائدين فيها خلال معارك أفغانستان.
وزعمت "طالبان" أن الهجوم أسفر عن مصرع 28 من مسلحيها، في مقابل 13 جندياً أميركياً. ولكن رغم أن "داعش - ولاية خراسان" هو عدو لدود للحركة، إلا أن علاقته مع "شبكة حقاني" أكثر غموضاً بكثير. وسواء أدت الشبكة دوراً في هذا الهجوم أم لا، فإن متتبعيها يعتبرونها غير جديرة بالثقة، ويستبعدون أن تلتزم بالاتفاق الذي أبرمته "طالبان" مع الولايات المتحدة في فبراير 2020، وينصّ صراحة على أن الحركة لن تسمح بأن تكون أفغانستان ملاذاً لجماعات إرهابية مناهضة لواشنطن.
فظائع "شبكة حقاني"
ونقلت "فورين بوليسي" عن بيل روجيو، وهو باحث في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" (مقرها واشنطن)، إن "شبكة حقاني" تستمدّ قوتها من علاقاتها مع أجهزة الاستخبارات الباكستانية، مضيفاً: "يُحتمل أن يكون الجيش الباكستاني درّبهم". واعتبر أن سراج الدين حقاني هو الزعيم الأقوى في "طالبان"، أكثر من زعيمها، هبة الله أخوند زاده.
وتابع روجيو: "سراج (الدين) بدّل مساره. أبلغ جماعته أنهم احتلوا الأرض، ويجب الآن أن يحكموا، وأن يكونوا عادلين، ويلتزموا بالشريعة، ويلبّوا احتياجات الناس. ولكن هل ستحكم (حقاني) بشكل فاعل؟ نعلم أنها ستبقي على تحالفها مع القاعدة". ورجّح أن يكون "بدري 313" استنساخاً لـ "اللواء 313" الذي نفذ قائده، الياس كشميري، وهو ناشط في "القاعدة"، هجمات كثيرة ضد الولايات المتحدة والهند.
وذكر آخرون أن "شبكة حقاني" بارعة في الخداع، ممّا يعني أن ثقة واشنطن بها ستشكّل تهوّراً. وقالت جريتشن بيترز، المديرة التنفيذية لـ "مركز الشبكات غير المشروعة والجريمة المنظمة العابرة للحدود"، والتي أعدّت بحثاً مفصلاً عن الشبكة: "حين زارها وفد من الحكومة المركزية، قدّمت شبكة حقاني لضيوفها وجبة دسمة... اعتقد المندوبون أنهم أبرموا اتفاقاً، وذهبوا للنوم. حقاني ذبحتهم ليلاً... إنهم كذلك دوماً... فعلوا دوماً ما يريدون".
وذكرت المجلة أن هذه القصة المروّعة ليست سوى غيض من فيض فظائع ارتكبتها الشبكة، مشيرة إلى أن ترهيب الأفغان، من أجل إسكاتهم كي يُذعنوا، شكّل دوماً أسلوب عملها. وتحدثت عن "إرث من الخوف" أشاعته الشبكة، بما في ذلك "قطع رؤوس" خصومها وإلقاء جثثهم في الشارع، ليكونوا مثالاً يُحتذى لكل مَن يفكّر في تحدّيها.
"ضبط نفس" إزاء الأفغان
وأشارت المجلة إلى أن معظم سكان كابول مرعوبون، وحبسوا أنفسهم في منازلهم. واستدركت أن ثمة مَن يرى مؤشرات على تحسّن في سلوك "شبكة حقاني"، علماً أن زعيمها سراج الدين أمر رجاله لدى سيطرتهم مجدداً على أفغانستان، بـ "التصرّف بشكل جيد مع الناس".
وقال ريتشارد بونزيو، مدير برنامج الحوكمة والعدالة والأمن العالمي في "مركز ستيمسون"، وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية، إن الشبكة أظهرت ضبط نفس إزاء المواطنين الأفغان، ومنعت النهب ونشاطات إجرامية أخرى في العاصمة. واستدرك أن "مضايقاتها المتكررة، والعنيفة أحياناً، للأفغان الساعين إلى الفرار من البلاد عبر مطار كابول، دفعت القوات الغربية إلى تعزيز وجودها في محيط العمليات حول المطار". وأشار إلى "مخاوف مبرّرة لدى الأفغان"، من أن "شبكة حقاني" ستتراجع عن التعهدات العلنية التي قدّمها الناطقون باسم "طالبان" بالامتناع عن إيذاء المواطنين الأفغان، "بمجرد مغادرة القوات الغربية كابول".
وتساءلت جريتش بيترز كيف سيتصرّف مسلحو الشبكة إزاء مواطنيهم، بمجرد ترسيخ سلطتهم في البلاد، وهل سيواصلون أعمالهم غير المشروعة و"عمليات القتل الوحشية"، أم سيعيشون من الضرائب المحصّلة قانوناً، علماً أن خليل حقاني حاول تهدئة مخاوف مواطنيه، قائلاً: "ليس لدينا عداء مع أيّ شخص. كلنا أفغان".
اقرأ أيضاً: