
اعتبرت وزيرة الشؤون الداخلية الأسترالية كارين أندروز، أن الصين تعمّدت إعلان اتفاقها الأمني مع جزر سليمان خلال الحملة الانتخابية التي تشهدها بلادها، من أجل تقويض فرص حكومتها في إعادة انتخابها. ورجّحت أن ترسل الصين قوات عسكرية إلى الجزر الواقعة في المحيط الهادئ.
الاتهام الذي وجّهته أندروز ينسجم مع حجّة "الحزب الليبرالي" المحافظ الذي تنتمي إليه، بأن بكين تأمل بفوز حزب العمال ليسار الوسط، في الانتخابات العامة المرتقبة في 21 مايو المقبل، لأن نواب حزب العمال كانوا أقلّ عرضة لمواجهة إكراه اقتصادي صيني، كما أفادت وكالة "أسوشيتد برس".
ووصف حزب العمال عجز الحكومة عن منع إبرام الاتفاق الأمني الذي أعلنته الصين وجزر سليمان الأسبوع الماضي، بأنه أكبر فشل في السياسة الخارجية لأستراليا بالمحيط الهادئ منذ الحرب العالمية الثانية.
"تدخل سياسي"
ورأت أندروز أن على الأستراليين أن "يأخذوا علماً ويهتموا" بتوقيت إعلان هذا الاتفاق، علماً أنها مسؤولة عن "منظمة الاستخبارات الأمنية الأسترالية"، أبرز جهاز استخباراتي داخلي في البلاد، ويمكنها الاطلاع على معلومات سرية من أجهزة استخبارات أخرى.
وأضافت في حديث لإذاعة "4 بي سي": "واضح أن بكين تدرك جيداً أننا في خضمّ حملة انتخابية فيدرالية في الوقت الحالي. لماذا الآن؟ لماذا ينكشف كل ذلك، في ظلّ حملة انتخابية فيدرالية؟ إننا نتحدث عن تدخل سياسي، ويتخذ أشكالاً عديدة".
وسُئلت هل يمكن أن تطلب الصين إرسال قوات إلى جزر سليمان العام المقبل، فأجابت أن ذلك "مرجّح جداً"، مضيفة: "مُرجّح أن يكون هذا هو الطريق الذي تسلكه الصين في منطقة المحيط الهادئ".
وحاول رئيس وزراء جزر سليمان، ماناسيه سوغافاري، طمأنة واشنطن وكانبيرا إلى أن الاتفاق مع بكين لا يتضمّن تشييد قاعدة عسكرية، لكنه لم ينشر النسخة النهائية للاتفاق، علماً أن نسخة من مسوّدته سُرّبت الشهر الماضي، وتتيح نشر قوات من الشرطة والبحرية الصينية في الأرخبيل، بحسب وكالة "فرانس برس".
"كأس سامة"
وأغضبت كانبيرا بكين، في عام 2018، بعدما أقرّت قوانين بشأن الأمن القومي، تحظّر تدخلاً أجنبياً سرياً في السياسة الداخلية الأسترالية. وأعلنت وزارة الخارجية الصينية آنذاك أن الحكومة في كانبيرا كانت متحيّزة ضد بكين، وسمّمت أجواء العلاقات الصينية - الأسترالية.
واستبعد النائب البارز عن حزب العمال، جيم تشالمرز، أن تحاول الصين استغلال اتفاقها الأمني مع جزر سليمان، للتأثير في الانتخابات الأسترالية. وقال: "حتى بالمعايير المتدنية بشكل لا يُصدّق لهذه الحكومة، أعتقد بأن ما قالته كارين أندروز كان يائساً ومختلاً بشكل ملحوظ. الشعب الأسترالي سيحدّد مَن سيفوز في هذه الانتخابات".
وتساءل المؤرخ جون بلاكسلاند، أستاذ دراسات الأمن الدولي والاستخبارات في الجامعة الوطنية الأسترالية، عمّا إذا كانت أندروز تعتمد على تقارير استخباراتية سرية في تعليقاتها بشأن جزر سليمان. وقال: "معقول بالتأكيد أنهم اختاروا التوقيت على هذا النحو. كان ممكناً أن يكونوا مدركين لما يحدث في الانتخابات". واستدرك: "سأكون مندهشاً جداً إذا أرادت الصين أن تعلن عن تحيّزها إلى جانب أو آخر، لأن هذا في الأساس كأس سامة تسلّمه إلى هذا الجانب من السياسة".
ورأى بلاكسلاند أن الصين وفرنسا ترحّبان بتغيير حكومة سكوت موريسون، على أمل إعادة العلاقات مع أستراليا. ويشير بذلك إلى تدهور العلاقات بين كانبيرا وبكين، بعد أزمة فيروس كورونا المستجد، وغضب باريس في سبتمبر الماضي، عندما تخلّت أستراليا عن عقد بقيمة 66 مليار دولار مع شركة فرنسية، لشراء غواصات تعمل بالدفع التقليدي، والتزوّد بدلاً من ذلك بغواصات تعمل بالطاقة النووية، من الولايات المتحدة وبريطانيا.
حزب العمال والصين
ورحّبت وزارة الخارجية الصينية بتولّي موريسون منصب رئيس الوزراء، في عام 2018، بعدما أطاح الحزب الليبرالي بسلفه مالكولم تورنبول، الذي حظّر التدخل الأجنبي في سياسات بلاده. وقال مسؤول في الوزارة آنذاك، إن بكين "مستعدة للعمل مع الحكومة الأسترالية الجديدة، لدفع العلاقات الثنائية إلى الأمام على المسار الصحيح".
لكن الوزارة انتقدت هذا الأسبوع، تحذيراً وجّهه وزير الدفاع الأسترالي بيتر داتون، بوجوب أن يستعدّ مواطنوه لحرب، بسبب التهديد من الصين وانعدام الأمن العالمي الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا. وقال ناطق باسم الوزارة: "يسعى ساسة أستراليون غالباً إلى تحقيق مكاسب سياسية أنانية، من خلال الإدلاء بتصريحات جامحة لتشويه سمعة الصين والدعوة إلى الحرب".
في المقابل، اعتبر موريسون أن حزب العمال، من خلال تحميله الحكومة مسؤولية التقصير، يقف إلى جانب الصين في النزاع بشأن الاتفاق مع جزر سليمان، الذي أثار مخاوف من وجود محتمل للبحرية الصينية على بعد أقلّ من ألفي كيلومتر قبالة الساحل الشمالي الشرقي لأستراليا. واتهم حزب العمال بانتهاج أساليب "سياسية بشأن المحيط الهادئ"، معتبراً أن "الحكومة الصينية هي الوحيدة التي تستفيد من هجمات حزب العمال على الحكومة" الأسترالية.
أما دانيال كريتنبرينك، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ، فلفت إلى أن لدى بلاده مخاوف أساسية بشأن الافتقار إلى الشفافية، في النشاطات الصينية في جزر المحيط الهادئ، مشيراً إلى أن "عدداً ضئيلاً من الأشخاص في دائرة محدودة جداً" في جزر سليمان، اطلعوا على تفاصيل الاتفاق مع بكين.
اقرأ أيضاً: