كيف يؤثر حصار الصين لتايوان على التجارة العالمية؟

time reading iconدقائق القراءة - 8
إحدى زوارق خفر السواحل تبحر في ميناء العاصمة التايوانية تايبيه. 9 فبراير 2021 - REUTERS
إحدى زوارق خفر السواحل تبحر في ميناء العاصمة التايوانية تايبيه. 9 فبراير 2021 - REUTERS
دبي -الشرق

أثارت المناورات العسكرية الصينية حول تايوان رداً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى الجزيرة التي تعتبرها بكين جزءاً من أراضيها، مخاوف بشأن "حصار صيني" يقوض التجارة العالمية.

وسلّطت صحيفة "وول ستريت جورنال" الضوء على التوترات المحيطة بمضيق تايوان، والتداعيات المحتملة التي يمكن أن تخلفها على التجارة العالمية في حال حاولت الصين محاصرة الجزيرة.

وبخلاف النتائج التي قد تدفع صناعات حيوية مثل السيارات والإلكترونيات إلى "نفق مظلم" بسبب نقص الرقائق الإلكترونية التي تعتبر تايوان موطناً لها، فإن أي إغلاق للمضيق سيخلف تداعيات ضخمة على قطاع الطاقة والشحن حول العالم تصل إلى حد "تكبيل سلاسل التوريد العالمية"، بحسب الصحيفة.

حركة التجارة العالمية

وأوضحت "وول ستريت جورنال" أن الحصار الصيني لتايوان سيؤدي إلى تكبيل سلاسل التوريد العالمية، ورفع أسعار الشحن في آسيا، وربما ما وراءها، بسبب الدور الضخم الذي تضطلع به الجزيرة، التي يقطنها 23 مليون نسمة، في التجارة العالمية. 

وتقع تايوان بجوار ممرات الشحن في المحيط الهادئ التي تنتقل عبرها تجارة بتريليونات الدولارات من وإلى شرق آسيا، كما توفر حوالي 70% من إمدادات الرقائق في العالم. وتمثل جزءاً مهماً في سلسلة إنتاج السلع، بما في ذلك الهواتف الذكية، وأجهزة الكمبيوتر، والسيارات.

والأسبوع الماضي، كتب الخبير الاقتصادي في شركة "كابيتال إيكونوميكس" للأبحاث، جاريث ليذر، أن "أهمية تايوان للاقتصاد العالمي تفوق بكثير ما تشير إليه حصتها البالغة 1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي".  

وأضاف "ليدز" أن توقف الصادرات التايوانية سيؤدي إلى "دخول صناعة السيارات والإلكترونيات نفق عجز الرقائق الإلكترونية، كما سيفاقم ضغوط التضخم". 

صناعة الرقائق

وفقاً لـ"وول ستريت جورنال" فإن تايوان "مهمة للغاية" بالنسبة لصناعة الرقائق، مرجعة السبب إلى أنها "موطن أكبر شركة لصناعة الرقائق في العالم"، وهي شركة "تايوان لصناعة أشباه الموصلات" (TSM).

وتنتج الشركة التايوانية أشباه الموصلات لشركات من قبيل "أبل" و"كوالكوم"، وامتلكت العام الماضي، أكثر من نصف حصة سوق تصنيع أشباه الموصلات التي تبلغ قيمتها 100 مليار دولار، حسبما أفادت شركة "جارتنر" للأبحاث.

وقد يكلف تعطل سلسلة توريد الرقائق في تايوان، شركات الإلكترونيات العالمية خسائر بنحو 490 مليار دولار، بحسب تقرير 2021 الصادر عن مجموعة "بوسطن" للاستشارات، ورابطة صناعة أشباه الموصلات.

وفي حال تعطل إنتاج الرقائق التايوانية بشكل دائم، فإن "بناء طاقة إنتاجية في مكان آخر لتعويضها سيستغرق 3 سنوات، على الأقل، وسيتكلف 350 مليار دولار "، وفقاً للتقرير.   

وفي مقابلة غير مؤرخة بثتها شبكة "سي إن إن"، نهاية يوليو، قال مارك ليو، رئيس مجلس إدارة شركة "تايوان لصناعة أشباه الموصلات"، إن استخدام القوة العسكرية، أو غزو تايوان سيجعل مصانع الشركة غير قابلة للتشغيل. 

وأضاف أن "المنشآت التصنيعية للشركة تعتمد على الاتصال في الوقت الفعلي بالعالم الخارجي، في أوروبا، واليابان، والولايات المتحدة". 

ولم تستجب شركة "تايوان لصناعة أشباه الموصلات" لطلب "وول ستريت جورنال" للحصول على مزيد من التعليقات.

بدائل تايوان

وأكدت "وول ستريت جورنال" أن القوى الغربية "حاولت بالفعل التحوط من اعتمادها على أشباه الموصلات التايوانية"، وذلك بعد أن سلّط النقص العالمي في الرقائق واضطراب سلسلة التوريد في فترة تفشي الوباء الضوء على "هيمنة الجزيرة على هذه الصناعة".

وفي هذا الإطار، تعهدت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي بتوفير عشرات المليارات من الدولارات لزيادة تصنيع الرقائق على المستوى المحلي ورفع قدرتهما التنافسية مع آسيا.

وفي الوقت الحالي، تقوم شركة "تايوان لتصنيع أشباه الموصلات"، مستفيدة من التمويل الذي يقدمه مشروع قانون صناعة الرقائق الأميركي الذي وقعه الرئيس جو بايدن، الأسبوع الماضي، ببناء مصنع بتكلفة 12 مليار دولار في ولاية أريزونا. كما تبني حالياً أيضاً مصنعاً بتكلفة 7 مليارات دولار في اليابان. 

صناعات كبرى تتأثر 

وقال سورين سكو، الرئيس التنفيذي لشركة الشحن الدنماركية العملاقة "إيه. بي. مولر ميرسك إيه إس" لـ "وول ستريت جورنال" إن إغلاق مضيق تايوان، أحد أكثر الطرق ازدحاماً في العالم، سيخلف تداعيات كبيرة على طاقة الشحن في العالم. 

وقال محللون، في وقت سابق من الشهر الجاري، أنه "سيتعين على الجميع تحويل مسار رحلاتهم حول تايوان، ما سيؤدي إلى زيادة طولها".

ونقلت "وول ستريت جورنال" عن محللين قولهم إن شركات الشحن قد تنفق المزيد من الأموال على الوقود وطاقم العمل بسبب زيادة فترات العبور، وهي تكاليف ستنتقل على الأرجح إلى الشركات والمستهلكين.

وبيّنت شركات التأمين مؤخراً أنها مترددة في بيع التأمينات لتغطية احتمالات الخسارة الناجمة عن نشوب صراع حول تايوان حتى تهدأ التوترات بالمنطقة. 

وارتفعت الأسعار قصيرة الأجل لإرسال الشحنات على الطرق البحرية بين تايوان والبر الرئيسي الصيني بنسبة 11% في أوائل أغسطس مقارنة بيوليو في أعقاب رحلة بيلوسي إلى تايبيه بسبب تفاقم مخاطر الشحن في المنطقة، وفقاً لما نقلته "وول ستريت جورنال" عن بيتر ساند، كبير المحللين في Xeneta التي تحلل أسعار الشحن البحري والجوي.

سيناريو الحصار

والحصار، الذي يُعد أحد أعمال الحرب بموجب القانون الدولي، يمكن أن يتراوح بين جهد كامل لمنع جميع الأشخاص والمواد من دخول أو مغادرة تايوان، وعمليات أقل طموحاً تحاول منع أنواع معينة من حركة المرور أو البضائع. 

ووفقاً لما نقلته الصحيفة عن محللين، يستطيع الجيش الصيني توظيف الدوريات الجوية والبحرية، أو زرع ألغام بحرية، أو حتى تدمير المطارات والمرافئ. وقد يدفع إعلان الحصار بشركات الطيران والشحن إلى إعادة توجيه حركة المرور بدافع الحذر. 

وفي تقريرها الصادر في 2021، قالت وزارة الدفاع التايوانية إن الجيش الصيني كان قادراً على قطع "خطوط الاتصال الجوية والبحرية (الخاصة بالجزيرة)، والتأثير على تدفق إمداداتنا العسكرية ومواردنا اللوجيستية".

ويمكن أن تعاني تايوان من نقص مستلزماتها الأساسية، بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال، الذي تستورده الجزيرة لتوليد معظم احتياجاتها من الطاقة.

وقال درو ثومبسون، كبير الباحثين الزائرين في كلية "لي كوان يو" للسياسة العامة، في سنغافورة، إنه "حتى برغم ذلك، فمن غير الواضح ما إذا كان لدى الجيش الصيني متطلبات استمرار الحصار"، خاصة وأن أي محاولة لعزل تايوان ستدفع على الأرجح بالولايات المتحدة واليابان ودول أخرى للتدخل.

ماذا يردع بكين؟

بالإضافة إلى التكلفة العسكرية والجيوسياسية الفادحة لمحاولة فرض حصار على تايوان، قال المحللون إن هناك رادع رئيسي تواجهه بكين، وهو أن الصين نفسها تعتمد على تايوان في التجارة وخلق فرص العمل.

وتعتمد الصين على شركة "تايوان لصناعة أشباه الموصلات" للحصول على ما يلزمها من الرقائق التي تدخل في صناعات الحوسبة المتطورة والتطبيقات الصناعية. 

وتمثل الشركات التايوانية، مثل مجموعة "فوكسكون تكنولوجي جروب" أكبر مُجمِع لهواتف أيفون، المزود الرئيسي لوظائف القطاع الخاص في البر الرئيسي الصيني. كما تعد تايوان بمثابة بوابة شحن استراتيجية إلى المحيط الهادئ بالنسبة للصين.

وقال جوي لين يانج، مدير الاستشارات في معهد أبحاث التكنولوجيا الصناعية في تايوان، وهو منظمة أبحاث حكومية، لـ "وول ستريت جورنال" إنه "في حالة نشوب صراع عسكري، فإن هذا سيؤدي إلى تعطيل سلسلة التوريد بالكامل، وسيعرقل استراتيجيات الصين الطموحة". 

وبعبارة أخرى، لا تستطيع بكين تعطيل الاقتصاد التايواني دون الإضرار باقتصادها.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات