مع تباطؤ الغزو الروسي لأوكرانيا، تدرس دول سوفيتية سابقة أخرى الخروج من فلك موسكو، رغم خشيتها من أخطار نزاع حدودي محتمل، كما أفاد تقرير لـ"بلومبرغ".
وأشار التقرير إلى أن الحرب في أوكرانيا أحدثت هزات تشمل قوساً من عدم استقرار، يمتدّ من مولدوفا المجاورة، لأوكرانيا إلى كازاخستان في آسيا الوسطى عبر القوقاز.
وأضاف أن نيات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، باتت مسألة أمن قومي ملحّة بالنسبة إلى دول لديها ما يُسمّى بـ"صراعات مُجمدة"، أو أخرى لديها أقليات ضخمة مؤيّدة لموسكو.
وقال ألكسندر بونوف، وهو باحث في "معهد كارنيجي" بموسكو، إن روسيا "قد تفتح جبهات أخرى، إذا احتاج بوتين إخفاء فشلها في أوكرانيا، ضمن أزمة أكبر". واستدرك: "في الوقت ذاته، تدرك القيادة الروسية أن الموارد ليست غير محدودة، وأنها غير كافية بالفعل في أوكرانيا".
وتتطلّع تركيا إلى تعزيز نفوذها، بعدما ساعدت حليفتها أذربيجان على هزيمة أرمينيا في حرب 2020، فيما تريد الصين توسيع حضورها على الطرق التجارية إلى أوروبا، وتسعى إيران إلى تعزيز موقعها في منطقة بحر قزوين.
الشعور بهذه التداعيات امتد إلى منطقة البلقان، إذ ثمة انقسامات في كرواتيا بشأن الحرب في أوكرانيا، كما تواجه صربيا ضغوطاً أوروبية لتقليص علاقاتها بروسيا.
"منظمة معاهدة الأمن الجماعي"
وفي ظلّ مقاومة أوكرانية شرسة، لم يتضح بعد ما إذا كانت روسيا ستتمكّن من تحقيق أهدافها هناك، وما إذا كانت لديها الرغبة في توسيع نطاق صراع كبّدها خسائر عسكرية ضخمة وعزلة دولية، من أجل تحقيق مكاسب محدودة، بحسب "بلومبرغ".
وأضافت أن الخطر يكمن في أن يصعّد بوتين ما يُسمّيه المسؤولون الروس "مواجهة بالوكالة مع الغرب"، لمحاولة السيطرة على مزيد من الأجزاء في الامبراطورية السوفيتية السابقة.
ويستضيف بوتين الاثنين، قمة لـ"منظمة معاهدة الأمن الجماعي"، وتضمّ 6 دول سوفيتية سابقة، هي روسيا وبيلاروس وأرمينيا وكازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان.
كازاخستان
وأظهر بوتين هيمنته على الفناء الخلفي لروسيا أخيراً، إذ أرسل قواته إلى كازاخستان في يناير الماضي، لمساعدة الرئيس، قاسم جومارت توكاييف، على سحق انتفاضة عنيفة في دولة تعادل مساحتها مساحة أوروبا الغربية.
لكن توكاييف لم يدعم بوتين في المقابل، وأشار إلى "حاجة ملحّة لضمان أمن دولتنا، وسيادتها وسلامة أراضيها"، علماً أن الروس يشكّلون خمس سكان كازاخستان، البالغ عددهم 19 مليون نسمة، ويقيم معظمهم على الحدود المشتركة بين البلدين.
وقال نائب رئيس الأركان في كازاخستان، تيمور سليمانوف، في 29 مارس الماضي: "أرادت روسيا أن نكون في صفّها أكثر، لكن كازاخستان تحترم وحدة أراضي أوكرانيا".
أذربيجان وأرمينيا
وتحدّت أذربيجان قوات حفظ السلام الروسية، التي تفصل بين جيشها والقوات الأرمينية، بموجب هدنة توسّط فيها بوتين شخصياً لوقف الحرب على إقليم ناجورنو قره باغ المتنازع عليه.
ويرى إلكسان شاهين أوغلو، رئيس مركز "أطلس" للأبحاث في باكو، أن الصعوبات التي يواجهها الكرملين في أوكرانيا قد "تحرّر يديّ أذربيجان". وأضاف: "روسيا قد تعارض مواصلة الجيش الأذربيجاني تقدّمه في قره باغ، لكنها ليست في وضع يمكّنها من كبحه".
ووقّعت أذربيجان معاهدة دفاعية مع تركيا العام الماضي، فيما تستضيف أرمينيا القاعدة العسكرية الدائمة الوحيدة لروسيا في القوقاز.
وفي 10 مايو، وقّع توكاييف مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان على "شراكة استراتيجية مُعززة" تتضمّن تعزيز العلاقات الدفاعية، خلال أول زيارة له إلى تركيا منذ توليه منصبه في عام 2019. كذلك وقّع الجانبان اتفاقاً لإنتاج طائرات استطلاع ومسيّرات هجومية تركية، في كازاخستان.
مولدوفا
ويثير إعلان الكرملين أنه "يحمي" الناطقين بالروسية في أوكرانيا، مخاوف في مولدوفا، التي دعت رئيستها، مايا ساندو، إلى تعزيز الجيش بعدما هزّت انفجارات الشهر الماضي إقليم ترانسنيستريا الانفصالي، الموالي لروسيا والمتاخم لأوكرانيا، والذي يستضيف 1500 جندي روسي. وتعهد رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشال، بتقديم معدات عسكرية، خلال زيارته مولدوفا في 4 مايو، علماً أنها تسعى إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.
ورجّحت مديرة أجهزة الاستخبارات الوطنية في الولايات المتحدة، أفريل هاينز، أن يستهدف بوتين الاستيلاء على أراضٍ واقعة في شرق أوكرانيا وجنوبها، عبر ترانسنيستريا، في إطار حرب طويلة.
جورجيا
احتلت القوات الروسية إقليمين في جورجيا، منذ حرب 2008، بما في ذلك أوسيتيا الجنوبية الذي قال رئيسه المنتهية ولايته، أناتولي بيبيلوف، الجمعة الماضي، إنه سينظّم استفتاءً في 17 يوليو المقبل بشأن الانضمام إلى روسيا. لم يلتزم الرئيس المنتخب للإقليم، ألان جاجلويف، بهذا الموعد، مشيراً إلى أن أحداً لم يتفق معه بشأنه، ومستدركاً أنه يؤيّد أن تصبح أوسيتيا الجنوبية جزءاً من روسيا، بحسب وكالة "تاس" الروسية للأنباء.
علّقت السلطات الجورجية بحذر على الدفع في اتجاه تنظيم استفتاء في الإقليم الانفصالي، وحرصت على عدم استعداء موسكو بشأن الحرب في أوكرانيا، فيما كانت تسعى إلى تحقيق الأهداف ذاتها لكييف، وهي عضوية الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، بحسب "بلومبرغ".
"الاتحاد الاقتصادي الأوراسي"
لدى روسيا حافز لإلزام الدول الأعضاء في "الاتحاد الاقتصادي الأوراسي"، الذي تقوده موسكو، مثل كازاخستان وأرمينيا، بتعاون أوثق معها، في وقت تسعى فيه إلى إيجاد سبل لتأمين واردات موازية، من أجل إضعاف العقوبات الدولية المفروضة عليها.
كذلك تعمل دول، من آسيا الوسطى إلى تركيا، لتعزيز التبادل التجاري على طريق عبر قزوين يتجاوز روسيا، من خلال كازاخستان وأذربيجان وجورجيا، علماً أن خطوط أنابيب تنقل الطاقة من القوقاز إلى أوروبا، متجاوزةً روسيا.
تتزايد شكوك في كازاخستان بشأن مزيد من الاندماج في "الاتحاد الاقتصادي الأوراسي"، نتيجة العقوبات المفروضة على روسيا. وكان قرار الرئيس الأوكراني السابق، فيكتور يانوكوفيتش، بتجاهل اتفاق مُبرم للشراكة مع الاتحاد الأوروبي، والسعي إلى توثيق العلاقات مع الكتلة السوفيتية السابقة، أثار الأزمة في أوكرانيا، ممّا أدى إلى الإطاحة به، خلال انتفاضة مؤيّدة للغرب، في عام 2014، أعقبها ضم موسكو لشبه جزيرة القرم.
وقال دوسيم ساتباييف، مدير "مجموعة تقييم الأخطار" (مقرّها ألما آتا): "روسيا ستعتبر أيّ محاولة للخروج من الاتحاد الأوراسي، (خطوة) معادية" لها.
بيلاروس
في بيلاروس، حليفة روسيا، سمح الرئيس ألكسندر لوكاشينكو لبوتين باستخدام بلاده كنقطة انطلاق لغزو أوكرانيا، رغم أنه لم يرسل قوات بيلاروسية، ويعتمد بشكل متزايد على الكرملين، منذ سحق الاحتجاجات التي شهدتها بلاده في عام 2020، بحجة تزوير انتخابات الرئاسة، بحسب "بلومبرغ".
وقالت زعيمة المعارضة البيلاروسية، سفيتلانا تيخانوفسكايا، المقيمة في المنفى: "طالما أن القوات الروسية في بيلاروس ولوكاشينكو في منصبه، فإن بيلاروس ليست حرة".
واعتبر يورج فوربريج، مدير قسم أوروبا الوسطى والشرقية في "صندوق مارشال الألماني"، وهو مركز أبحاث يتخذ واشنطن مقراً، أن بيلاروس "قد تحتفظ ببعض سمات الاستقلال، لكنها في الأساس خاضعة لسيطرة الكرملين".
اقرأ أيضاً: