تدرس إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، طرقاً جديدة لتخفيف الضغط المالي الذي يخنق النظام الإيراني، إثر العقوبات المفروضة عليه، لكن دون رفع العقوبات الاقتصادية الكبيرة، بما فيها تلك المرتبطة بمبيعات النفط، كخطوة نحو إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، الذي تخلى عنه الرئيس السابق دونالد ترمب.
وبحسب مصادر مطلعة، تشمل بعض الخيارات التي يناقشها المسؤولون الأميركيون، الموافقة على قيام صندوق النقد الدولي بتقديم الدعم لطهران لتتمكن من مواجهة تداعيات فيروس كورونا، إضافة إلى تخفيف العقوبات التي حالت دون وصول المساعدات الدولية إليها، حسبما أفادت وكالة بلومبرغ.
وأشارت المصادر إلى أنه "يمكن للرئيس بايدن أيضاً، التوقيع على أمر تنفيذي يعاكس قرار ترمب بالانسحاب من الاتفاق"، لكنها لفتت إلى أن "إصدار إعفاءات من العقوبات تتيح لإيران بيع النفط في السوق الدولية، ليس قيد الدراسة الجادة حالياً".
وفي السياق، قالت إيلي جيرانمايه، عضو المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إنه "على مدى الأشهر الأخيرة، كان هناك الكثير من النقاشات في أوروبا والعديد من الدول، بشأن عدد من الإجراءات الفورية التي يمكن للولايات المتحدة اتخاذها". ووصفت الأفكار قيد الدراسة بأنها إجراءات "يمكن أن تمنح إيران مساعدة ملموسة".
وبرز إحياء الاتفاق النووي الإيراني كواحد من أبرز تحديات السياسة الخارجية لإدارة بايدن، وكجزء من مجموعة إجراءات تهدف إلى وقف الخطوات التي تبناها فريق الأمن القومي لترمب أو التراجع عنها. ويشمل ذلك تجميد الانسحاب المخطط للقوات في ألمانيا.
وعقد مجلس الأمن القومي في إدارة بايدن اجتماعاً، الجمعة، تم خلاله بحث قضايا الشرق الأوسط من بينها ملف إيران.
تجدر الإشارة إلى أن بايدن لطالما انتقد قرار سلفه الانسحاب من الاتفاق النووي. إلا أن إدارة الرئيس الأميركي تصر على أن تعود إيران إلى الامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة قبل أن تمضي الولايات المتحدة إلى أبعد من ذلك. وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن، إن أي عودة كاملة لا تزال "بعيدة المنال".
في المقابل، تقول طهران، إن واشنطن بحاجة إلى اتخاذ الخطوة الأولى. وتتخذ حكومة الرئيس حسن روحاني سلسلة من الخطوات تهدف إلى زيادة الضغط على الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق سريع.
ورفض روبرت مالي المبعوث الأميركي الجديد للتفاوض مع إيران، التعليق على ما أوردته بلومبرغ، فيما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس، إن الولايات المتحدة تريد التشاور مع الحلفاء الأوروبيين الذين كانوا جزءاً من الصفقة قبل السماح بمساعدة إيران على مواجهة فيروس كورونا أو تقديم أي مساعدة أخرى لها.
يشار إلى أن صادرات النفط الإيرانية ارتفعت بشكل مطرد في الأشهر الأخيرة، على الرغم من أنها لا تزال أقل بكثير من المستويات التاريخية.
ويخشى المراقبون من أن يؤدي تخفيف العقوبات النفطية الأميركية من حرمان الولايات المتحدة وسيلة رئيسة للضغط، ويجعل احتمالات عودة إيران إلى الصفقة أخف. ويتوقع محللون في مجموعة "رابيدان إنرجي" عودة 500 ألف برميل نفط إيراني إضافي إلى السوق في الأشهر المقبلة، ربما بموافقة الولايات المتحدة.
تحدي العقوبات
بالإضافة إلى ما تقدم، تشكل العقوبات التي فرضها ترمب على طهران، تحدياً رئيسياً أمام تسهيل العودة إلى التفاوض، خاصة أنها تشمل البنك المركزي الإيراني، الذي يشرف فعلياً على جميع الأنشطة المالية للبلاد.
وقال كينيث كاتزمان، كبير المحللين في قضايا الشرق الأوسط في خدمة أبحاث الكونغرس، إنه "ما لم يُسمح للبنك المركزي الإيراني بالعمل بحرية في النظام المصرفي الدولي، لن تقبل إيران العودة إلى الامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة"، مؤكداً أن "البنك المركزي هو محور النشاط المصرفي الدولي لإيران".
وذكرت وكالة أنباء "يونهاب" الكورية الجنوبية، أن سيول "في المراحل الأخيرة من المحادثات مع واشنطن بشأن فك تجميد بعض مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية المحاصرة في الدولة الآسيوية بسبب العقوبات". جاء ذلك بعدما أفرجت إيران عن طاقم سفينة كورية جنوبية تم الاستيلاء عليها في الخليج العربي في 4 يناير الماضي.
وقالت بلومبرغ، إنه يمكن لوزارة الخزانة الأميركية أيضاً إصدار تراخيص تسمح بالتجارة المحدودة مع إيران، أو "تقديم ضمانات بأن التجارة عبر قناة إنسانية أنشأتها الدول الأوروبية المعروفة باسم Instex لن تتأثر".
وعلى الرغم من أن إدارة ترمب أصرت على السماح بالتجارة الإنسانية مع إيران، شعر العديد من المسؤولين الإيرانيين أنهم لم يحصلوا على الضمانات التي يحتاجونها للمضي قدماً، وفقاً لبلومبرغ التي أشارت إلى أنه بقدر ما يرغب فريق بايدن في التحرك بحذر وبتقارب مع أوروبا، تتجه إيران والولايات المتحدة نحو أزمة في نهاية فبراير الجاري، من المحتمل أن تجعل إحياء الصفقة أكثر صعوبة. وهددت إيران بالتوقف في 21 فبراير عن الالتزام بما يُعرف بالبروتوكول الإضافي، وهي سلسلة من الإجراءات الطوعية التي تسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش السريع عن الأسلحة النووية.
ظريف يدعو لعدم المماطلة
وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لشبكة "سي إن إن" مؤخراً، إنه "يجب على الولايات المتحدة العودة إلى المفاوضات"، مؤكداً أن إيران مستعدة للرد على الفور".
وأشار ظريف في تصريح لصحيفة "همشهري"، السبت، إلى أن بايدن "تسلم من ترمب حطاماً". ورأى أنه "كلما ماطلت إدارة بايدن في حسم الملف النووي أكثر، أصابها المزيد من الضرر وتلقت سياستها الخارجية المزيد من الضربات"، وقال إن "مماطلة بايدن ستعني أنه لا يريد التخلص من إرث ترمب، ولا أعتقد أن هذا ما يسعى إليه".
وأكد وزير الخارجية الإيراني أن "مواصلة الحرب الاقتصادية على إيران ستشوه صورة الإدارة الأميركية الجديدة وتجعلها غير بعيدة عن سياسة الإدارة السابقة".
واعتبر ظريف أن "الاتفاق النووي نجح في إنهاء الإجماع الأمني في العالم ضد إيران، وأنهى عقوبات مجلس الأمن، وحقق اعترافاً دولياً بالحقوق النووية الإيرانية"، معتبراً أن "عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي ليست بحاجة إلى مفاوضات إيرانية أميركية".
وأشار ظريف إلى أن "بإمكان مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، تنسيق خطوات عودة أميركا إلى الاتفاق". وتابع قائلاً: "بعد تنسيق الخطوات يمكن لأميركا أن تصبح مجدداً عضواً في الاتفاق النووي ويمكن الجلوس معها على طاولة الـ 5+1، ما يتيح لطهران العودة إلى التفاوض معها".
وجدد وزير الخارجية الإيراني قوله إن "أميركا أمام امتحان الاتفاق النووي"، مؤكداً أن "سلوكها يتحدد نتيجة ذلك". وقال: "على بايدن (الرئيس الأميركي) البحث عن فرصة أسرع للعودة إلى الاتفاق النووي لإنقاذ بلاده من أزمة دولية"، مؤكداً أن "طهران ستقف ضد محاولة اللجوء إلى آلية فض النزاع المتعلقة بالاتفاق".
محادثات أوروبية بريطانية أميركية
وكان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، أعلن، الجمعة، أنه أجرى محادثات مستفيضة مع نظرائه الأميركي والبريطاني والألماني، بشأن إيران وكيفية التعامل مع التحديات النووية التي تتسبب فيها إيران بالإضافة إلى تحديات الأمن الإقليمي.
وكتب لو دريان، في حسابه على تويتر، "أجرينا محادثات مستفيضة ومهمة بشأن إيران مع الوزير الأميركي أنتوني بلينكن، والألماني هايكو ماس، والبريطاني دومينيك راب، للتعامل معاً مع التحديات النووية وفي مجال الأمن الإقليمي"، مضيفاً أنهم تناولوا كذلك قضايا ملحة أخرى.
بدوره، ذكر وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، أن وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، أكدوا خلال الاجتماع، مركزية الشراكة عبر الأطلسي للتعامل مع التحديات المشتركة التي يواجهها العالم بما فيها الأمنية والصحية والمناخية.
وأضاف راب في تغريدة على تويتر أن "الوزراء الأوروبيين الثلاثة ونظيرهم الأميركي ناقشوا كيفية معالجة المخاوف المشتركة تجاه إيران عبر منهج واحد".
وفي السياق ذاته، قال الرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون، الخميس، إنّه يعتزم "بذل كل ما بوسعه لدعم أي مبادرة أميركية"، لإرساء الحوار مع طهران حول الملف النووي الإيراني.
وأضاف ماكرون في كلمة أمام "المجلس الأطلسي" للأبحاث، أوردتها وكالة "فرانس برس": "سأبذل ما بوسعي لدعم أي مبادرة أميركية لإطلاق حوار جديد.. سأحاول أن أكون ميسّراً لهذا الحوار".
ونقلت وكالة رويترز عن ماكرون قوله أيضاً أن "هناك حاجة لإيجاد سبيل لمشاركة المملكة العربية السعودية في هذا الحوار"، بالإضافة إلى "إسرائيل".
وفي وقت سابق الجمعة، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، إن أعضاء مجلس الأمن القومي الأميركي سيجتمعون لمناقشة قضايا الشرق الأوسط ومن ضمنها الملف النووي الإيراني، لكنها أشارت إلى أن الاجتماع لن يشهد اتخاذ قرارات سياسية.
وأوضحت ساكي خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض، أن الرئيس الأميركي جو بايدن، لن يحضر الاجتماع، مشيرة إلى أن الهيئات والوزارات وكبار المسؤولين، سيصبون تركيزهم على الشرق الأوسط بشكل عام، والذي يحظى بأولوية لدى بايدن وحلفاء الولايات المتحدة وشركائها.
وتابعت: "أنا متأكدة من أن إيران ستكون جزءاً من المناقشة، إلا أنها ليست جلسة اتخاذ قرارات".
اقرأ أيضاً: