كيف تؤثر العقوبات ضد موسكو على الأسواق المالية العالمية؟

time reading iconدقائق القراءة - 9
بورصة داكس في فرانكفورت، ألمانيا - REUTERS
بورصة داكس في فرانكفورت، ألمانيا - REUTERS
دبي-الشرق

مع مرور أكثر من شهر على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، لا تزال الأسواق المالية العالمية تتعامل مع تداعيات الحرب والعقوبات الغربية واسعة النطاق ضد موسكو.

أعادت بورصة موسكو فتح أبوابها جزئياً الخميس الماضي، مع فرض قيود على المستثمرين الأجانب والبيع على المكشوف بهدف دعم السوق وهو ما وصفته الولايات المتحدة بأنه "مشهد تمثيلي" وفق ما ذكرته مجلة "بوليتيكو" الأميركية. 

ونقلت المجلة عن نائب مستشار الأمن القومي الأميركي للاقتصاد الدولي داليب سينج قوله "هذه ليست سوقاً حقيقية وليست نموذجاً مستداماً، وهو ما يؤكد فقط عزلة روسيا عن النظام المالي العالمي".

وأشارت المجلة إلى أن الأسواق المالية العالمية خارج روسيا ظلت متماسكة، بغض النظر عن عمليات البيع للأسهم والشركات الروسية والتي لها صلات قوية بروسيا، مؤكدة أن "تلك العدوى" لم تنتشر عبر الأسواق والبورصات العالمية.

وقال داني هيوسون، المحلل المالي في منصة "ايه جي بيل" للاستثمار إنه على الرغم من ارتفاع أسعار السلع الأساسية والتقلبات فإن المستثمرين قد يتنفسون الصعداء "بمقارنة الأسواق اليوم بما كانت عليه قبل الغزو".

ولفتت "بوليتيكو" إلى أن ذلك لا يعني عدم ظهور "الإجهاد" على النظام المالي العالمي وأن الأسواق "تتصرف بشكل غير عادي بسبب الحرب"، موضحة أن المثال على ذلك الجدل المتزايد بشأن استخدام العملات المشفرة للتهرب من القيود المفروضة، وجهود الدول الغربية، مثل إستونيا، لتضييق الخناق على ذلك الاستخدام.

وأضاف التقرير أن التهديد الذي يواجهه النظام المالي الآن يأتي في صورة "آثار الجولة الثانية"، مثل أسعار الطاقة المرتفعة للغاية والتداعيات الاقتصادية للحرب. وقد يؤدي ارتفاع التضخم إلى تغيير سريع في الميول تجاه بعض الأسواق التي استفادت من بحث المستثمرين عن العائدات لأكثر من عشر سنوات.

وحذّر المجلس الأوروبي للمخاطر النظامية من أن تأثير الحرب على الاتحاد الأوروبي قد يكون أكبر بكثير من المتوقع حالياً، بسبب الاختلالات في سلاسل الإمدادات وارتفاع الأسعار أمام الأسر والشركات. 

ورصدت "بوليتيكو" تأثيرات الأزمة الحالية على القطاعات الرئيسية في الأسواق الدولية.

البنوك

تعرضت أسهم البنوك في الاتحاد الأوروبي لضربات في بداية الحرب، وخاصة جهات الإقراض التي تمتلك عمليات أو محافظ إقراض كبيرة في روسيا. ولكن البنوك والجهات المشرفة عليها وصفت هذه المخاطر مراراً بأنها قابلة للإدارة، حتى في حالات الشطب الكامل. 

وقال سام ثيودور، كبير الاستشاريين في مجموعة "سكوب" للتصنيفات الائتمانية: "من الناحية العملية، إخراج روسيا من القطاع المصرفي الأوروبي سيكون أسهل من إخراجها من قطاع الطاقة الأوروبي".

وذكرت الهيئة المصرفية الأوروبية، في تقرير قدمته للعواصم الأوروبية في وقت سابق من الشهر الجاري، أن مخاطر القروض المُوجهة إلى روسيا وأوكرانيا تصل قيمتها إلى 90 مليار يورو، أي 0.3% من حافظة القروض المصرفية.

ومن المرجح أن تتأثر البنوك بتدهور التوقعات الاقتصادية وارتفاع معدل التضخم، ما يؤثر على قدرة الجهات المقترضة على سداد القروض.

ولا تزال أعمال البنوك مستمرة، حتى وهي تفحص دفاترها لتجميد أي حسابات أو أصول مرتبطة بالأفراد أو الشركات الخاضعة للعقوبات.

شركات التأمين

تُظهر بيانات الهيئة الأوروبية للتأمين والمعاشات المهنية أن إجمالي مخاطر تعويضات التأمين الأوروبي لروسيا يمثل أقل من 0.1% من إجمالي أصوله.

وقالت الهيئة إن الآثار المباشرة للحرب في أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية على سلامة شركات التأمين في المنطقة الاقتصادية الأوروبية "لا تبدو كبيرة". ولكن "الدورة الثانية" من التأمين لاتزال تعد مخاطرة.

وبشكل عام، قد تتأثر شركات التأمين من اتجاهين، إما من خلال محافظها الاستثمارية الكبيرة أو من خلال تعهداتها. وفي الحالة الثانية، قد تواجه الشركات خسائر غير مباشرة أيضاً.

وأشارت لويدز لندن، أكبر شركات التأمين في العالم، إلى هذا الخطر الخميس الماضي، عندما قالت إنها تتوقع أن الصراع في أوكرانيا سيشكل سبباً رئيسياً لطلب التعويضات هذا العام، على الرغم من أن تعهدات الشركة في روسيا وأوكرانيا لا تمثل سوى 1% من تعهداتها العالمية.

صناديق التمويل

ووفقاً لـ"بوليتيكو"، يواجه مديرو الصناديق الذين لديهم استثمارات في روسيا إشكاليات بسبب "الأصول العالقة". وفي كثير من الحالات، قامت صناديق التقاعد وصناديق التحوط (المحفظة الوقائية) وغير ذلك من مديري الأصول بتمييز الأصول الروسية، بدءاً من الأسهم إلى العقارات.

ونظراً لعدم الوضوح القانوني بشأن التعامل مع هذه الأصول، فإنهم في معظم الحالات يمتنعون عن محاولة البيع. وأدّت هذه الخطوة إلى إغلاق بعض الصناديق أمام سحوبات المستثمرين، مع انسحاب ما لا يقل عن 57 صندوقاً من صناديق الاتحاد الأوروبي بحلول الأسبوع الأول من مارس، وفقاً لهيئة تنظيم الأوراق المالية في الاتحاد الأوروبي.

وفي عرض تقديمي لعواصم الاتحاد الأوروبي في منتصف مارس، قالت هيئة الأوراق المالية والأسواق الأوروبية إن معظم عمليات الإغلاق هذه ترجع إلى الصعوبات في تقييم الأصول، بدلاً من مطالب المستثمرين باسترداد أموالهم.

وكانت أحد الاقتراحات، التي طرحها المنظمون في المملكة المتحدة، هو أن الصناديق يمكن أن تستخدم ما يسمى بـ"الجيوب الجانبية" لفصل الأصول المتأثرة والحفاظ على عمل بقية الصندوق كالمعتاد.

كما تم إسقاط السندات والأسهم الروسية من بعض مؤشرات المستثمرين، مثل "إف تي إس إي راسل" و"إم إس سي آي"، بسبب كون السوق "غير قابل للاستثمار". بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يتعرض المستثمرون لأي تخلف عن السداد من قبل الدولة الروسية نفسها أو شركاتها الكبرى.

"غرف المقاصة"

كان هناك المزيد من الاضطرابات في ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الأساسية. وهذا الارتفاع له تأثير غير مباشر في أسواق المشتقات، لأن البنوك تضطر إلى جمع المزيد من النقد لطلبات الهامش إذا تحرك السعر، وقد خلق هذا في الماضي اندفاع للنقد في الأسواق الأخرى.

وبحسب المجلة الأميركية تعني طلبات الهامش عندما يطلب الوسطاء من المستثمرين إيداع المزيد من الأموال أو الأوراق المالية في حساباتهم، في إشارة إلى تقلبات السوق.

وفي عرضها التقديمي، وصفت هيئة الأوراق المالية والأسواق الأوروبية مشتقات السلع بأنها "تستعد للتأثير"، بما في ذلك من خلال المراكز القصيرة وطلبات الهامش.

كما اضطرت بورصة لندن للمعادن إلى تعليق التداول في النيكل، وإلغاء الصفقات وتأخير مدفوعات الهامش بسبب الضغط القصير. وعادت اضطرابات الأسعار الخميس الماضي، ويتردد أن بورصة لندن للمعادن تخطط لمضاعفة حجم صندوقها الافتراضي بدءاً من أبريل.

لكن هذا ليس سبباً للذعر على نطاق أوسع، وفقاً لبنك إنجلترا الذي قال إنه على الرغم من أن طلبات الهامش وصلت لمستويات قياسية، إلّا أن المشاركين في السوق تمكنوا من تلبية الطلب على الأموال الإضافية، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى الأرباح الوفيرة التي يحققونها من التقلبات الشديدة وارتفاع الأسعار. وقال البنك إن المنظمين يواصلون مراقبة التداول عن كثب.

وذكر التقرير أن "الغزو (الروسي) أدّى إلى ضغوط كبيرة في مجموعة من أسواق السلع. ويتمثل أحد أوجه عدم اليقين الرئيسية فيما إذا كانت الروابط المتبادلة داخل النظام المالي، بين الطاقة وأسواق السلع الأساسية الأخرى، والأسواق المالية الأوسع نطاقاً والاقتصاد الحقيقي. على سبيل المثال، قد تخلق حلقات من ردود فعل وآليات التضخيم عبر النظام المالي على نطاق أوسع".

الإيداعات المركزية للأوراق المالية

وأشارت "بوليتيكو"  إلى أن جزءاً رئيسياً من ترميم النظام المالي هو الودائع المركزية للأوراق المالية، والتي تلعب دوراً حيوياً في ضمان تسوية صفقات الأوراق المالية، مما يعني أن أحد الجانبين يسلم السندات أو الأسهم والآخر يدفع النقد.

لذلك، عندما بدأت القيود الروسية، كان اللاعبان الرئيسيان في الاتحاد الأوروبي (يوروكلير) و(كليرستريم)، مركزيين في قطع الصفقات بالروبل.

ونتيجة للعقوبات، من المرجح أن تشهد شركات إيداع الأوراق المالية المركزية تضخم ميزانياتها العمومية، وفقاً لما ذكرته وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية، واصفة التداعيات بأنها يمكن السيطرة عليها.

وستبدأ مدفوعات القسائم المحظورة والاسترداد في التراكم بالحسابات المحلية، وذلك في "يوروكلير" و"كليرستريم" أو في حساباتها المجمدة في هيئة الإيداع الوطنية للتسوية (إن إس دي)، اعتماداً على "استعداد أو قدرة المصدرين الروس" على ائتمان حاملي الأسهم الأجانب.

وقالت هيئة الإيداع الروسية، الجمعة، إن "كليرستريم" حظرت حسابها الأسبوع الماضي، في حين أن يوروكلير لا تتعامل مع أي مدفوعات واردة في حساب الهيئة الروسية، حتى يكون هناك المزيد من الوضوح من المنظمين. وقد يمثل ذلك عقبة أخرى أمام روسيا لسداد ديونها الدولية وتجنب التخلف عن السداد، إذ تطالب موسكو بدفع ثمن وارداتها من الغاز الطبيعي بالروبل.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات