أثار قرار رئيس الحكومة اللبنانية السابق ورئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري تعليق مشاركته ومشاركة تياره في الحياة السياسية اللبنانية وفي الانتخابات النيابية المقبلة، جملة من التساؤلات حول الانعكاسات والارتدادات التي قد يتركها على الواقع اللبناني الغارق في أزماته.
وكان الحريري أعلن الاثنين، تعليق عمله في الحياة السياسية، وعدم الترشح للانتخابات النيابية المقبلة، داعياً "تيار المستقبل" الذي يرأسه، إلى فعل الشيء ذاته، مشيراً إلى أنه اتخذ الخطوات لقناعته بأنه "لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني، والانقسام الوطني، واستعار الطائفية واهتراء الدولة".
"الشرق" تواصلت مع عدد من المقربين من الحريري والعاملين في الشأن السياسي اللبناني، الذي قدموا قراءتهم لخطوته.
"فشل الدولة"
في سياق تعليقه على انسحاب الحريري من الحياة السياسية اللبنانية، قال نائب رئيس "تيار المستقبل" مصطفى علوش لـ"الشرق" أن تيار المستقبل وسعد الحريري قررا "الاستسلام"، والقول إنهما "لا يستطيعان فعل شيء بعد اليوم، أو أن يغيّرا في الواقع اللبناني".
وأضاف: "لم نقدم أي إنجاز للناس غير الراضين عنا، لذلك سنخرج من الواقع السياسي القائم لنعطي رسالة للجميع تنبه إلى ضرورة التفكير بشأن ما إذا كانت الأمور ستتحسّن أم لا في هذه المرحلة، وهل البلد ذاهب نحو الانهيار أم لا".
وبسؤاله عن انعكاس قرار الحريري على الواقع اللبناني، أجاب علوش: "البلد ذاهب نحو الانهيار التام، وليس الموقف المتخذ هو سبب الانهيار، بل هو نتيجة"، مشيراً إلى أن موقف الحريري "قد يشكل رسالة مفادها بأن هناك مخرجاً".
ورأى علوش أن "البعض سيعتبرون أن غياب الحريري بمثابة فرصة، فهم يحلمون بزعامة معيّنة لكنهم ليسوا موجودين على الأرض ولا زالوا يبعثون برسائل ليؤكدوا وجودهم". وقال: "التطرّف أيضاً موجود، فحزب الله سيجد مكاناً له، هناك أصدقاء يتطلعّون إلى إيجاد موقع لهم، وفي النهاية ليجرّبوا".
ولفت علوش إلى أن "المشكلة ليست في من سيملأ الفراغ مكان تيار المستقبل على الساحة الوطنية والساحة السنية، بل كيف يمكن أن نخلّص البلد من مصيره المحتوم".
"فصل جديد"
رئيس المجلس الوطني لـ"رفع الاحتلال الإيراني عن لبنان" النائب السابق أحمد فتفت، اعتبر أن "ما حصل يشكل مفصلاً تاريخياً في الحياة السياسية اللبنانية".
وقال فتفت لـ"الشرق"، إن "الحريري وضع يده على الجرح بالقول إن المشكلة هي النفوذ الإيراني، فنحن نتعرّض لاحتلال حقيقي عبر ميليشيا حزب الله اللبناني".
ولفت إلى أنه "عندما نتكلم عن احتلال لا نتحدث عنه بالمعنى الصوري، فهناك احتلال بالمعنى القانوني، وهذا يعود لقرارات في الأمم المتحدة والمحكمة الدولية والصليب الأحمر الدولي"، موضحاً أن "ما يحصل في لبنان له مفهوم قانوني وسياسي في ممارسات حزب الله وتعطيله للدولة، وله مفهوم أمني في موضوع الاغتيالات وموضوع 7 أيار والقمصان السود"، في إشارة إلى انتشار عناصر "حزب الله" والأحزاب المتحالفة معه بأسلحتها في شوارع بيروت عام 2008، اعتراضاً على قرارات الحكومة آنذاك، بإزالة شبكة الاتصالات غير الشرعية التابعة للحزب.
ورأى أن البلاد "أمام مرحلة جديدة كليًا"، لافتًا إلى أن "الحريري حاول من خلال التسويات والتنازلات السماح لهذا البلد بأن ينطلق ويعيش بشكل أفضل، لكن لم نصل إلى نتيجة مع هذا الطرف السياسي المصر على الهيمنة والعمل في المحور الإيراني الفارسي"، واصفاً تحركات "حزب الله" بأنها "محاولة لسلخ لبنان عن محيطه العربي".
وعن انعكاسات قرار الحريري على الوضع اللبناني، رأى فتفت أنها "ستتجلى بوضع حزب الله يده أكثر على البلد".
"حدث كبير"
عضو تكتل "لبنان القوي" النائب آلان عون، وصف قرار تعليق الحريري عمله السياسي بـ"الحدث الكبير الذي لا يستهان به"، وقال لـ"الشرق" إن القرار أحدث "خللاً في الساحة اللبنانية، إذ أدى عزوفه إلى فرط مكون أساسي في التركيبة السياسية".
من جهته، وصف النائب عن كتلة "التنمية والتحرير" (التي يرأسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري) قاسم هاشم قرار الحريري بـ"السابقة في لبنان"، لافتاً إلى أن خطوته "تحمل الكثير من التساؤلات"، متوقعاً بأن "تترك تداعياتها على الواقع السياسي".
وقال هاشم لـ"الشرق" إن خروج الحريري من الحياة السياسية "سيترك فراغاً، والسؤال من سيملأ هذا الفراغ في ظل تركيبة قائمة على توازنات معيّنة".
ورداً على سؤال عمن سيملأ الفراغ الذي سينتج عن تعليق "تيار المستقبل" عمله السياسي، رأى هاشم أن "التخوف من ربط هذا التعليق ببروز التطرف في لبنان، هو في إطار التحليل، ولكن علينا أن ننتظر كيف ستسير الأمور ليبنى على الشيء مقتضاه، وتتحدد المسارات التي سيأخذها هذا الواقع".
مخاوف كبرى
من جهته، حذّر رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط من غياب الحريري عن المشهد السياسي. وقال: "تيتم الوطن اليوم والمختارة (معقل جنبلاط) حزينة وحيدة".
واعتبر أمين السر العام في الحزب "التقدمي الاشتراكي" ظافر ناصر، أنه "في ضوء تعليق الحريري عمله السياسي هناك تساؤلات تطال تمثيل الشريحة الأساسية التي يمثلها (تيار المستقبل) وهي المكون السني، فكيف سيتم تمثيل هذه الشريحة في المرحلة المقبلة؟".
وقال ناصر لـ"الشرق" إنه "إذا حصل أي خلل نتيجة هذا الانكفاء في عملية تمثيل المكوّن السني، فإنه سينعكس على المعادلة الوطنية ككل، وبطريقة سلبية، إذ سيؤدي إلى خلل في التوازن بالمعادلة الوطنية طالما لا زلنا في هذا النظام الطائفي".
من سيملأ الفراغ مكان "تيار المستقبل"؟ أجاب ناصر: "من المبكر الإجابة عن هذا السؤال، ومعرفة عما إذا كانت القاعدة الشعبية في لبنان ستفرز قوّة بديلة عن (تيار المستقبل) أم سيحصل انكفاء للناس تعبيرًا عن التزامهم بالحريري وبتيار المستقبل".
من جهته، رأى نائب رئيس حزب "الكتائب اللبنانية" سليم الصايغ أن "إقدام الحريري على خطوته وقراره عدم المشاركة في الانتخابات المقبلة جاء في سياق ما جرى بعد ثورة أكتوبر 2019 واستقالة حكومته وعدم قدرة المنظومة السياسية على الاستمرار".
وأوضح أن "الحريري لعب أدواراً وطنية كبيرة، رغم اعتراضنا على مشاركته في التسوية الرئاسية التي أوصلت ميشال عون إلى الرئاسة الأولى"، معرباً عن خشيته من "توجه نادي رؤساء الحكومات السابقين والجهات السنية الأخرى، إلى الدعوة لعدم المشاركة كما يجب في الاستحقاق الانتخابي المقبل".