تقليص الفقر وإنعاش الاقتصاد.. أبرز تحديات الحكومة المغربية الجديدة

time reading iconدقائق القراءة - 11
جانب من مظاهرة تطالب بالتنمية بمدينة جرادة جنوب شرقي المغرب، 26 ديسمبر 2017  - AFP
جانب من مظاهرة تطالب بالتنمية بمدينة جرادة جنوب شرقي المغرب، 26 ديسمبر 2017 - AFP
الرباط-أنس عياش

تواجه الحكومة المغربية الجديدة تحديات اقتصادية واجتماعية ملحة خلال السنوات الخمس المقبلة، وذلك بحسب خبراء ومحللين تحدثوا لـ"الشرق"، أكدوا أن التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومة المقبلة هو تقليص الفوارق الاجتماعية في المملكة، والتي عمقتها تداعيات جائحة فيروس كورونا.

وشرع رئيس الحكومة المكلف عزيز أخنوش، الاثنين، في مشاورات مع الأحزاب السياسية التي تصدرت نتائج الانتخابات البرلمانية، لتشكيل أغلبية حكومية جديدة، قال إنه يريدها "أغلبية منسجمة ومتماسكة، ببرامج متقاربة".

والتقى أخنوش زعيم حزب "الأصالة والمعاصرة" الذي حل ثانياً، عبد اللطيف وهبي، والأمين العام لـ"حزب الاستقلال" نزار بركة، والكاتب العام لحزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" ادريس لشكَر.

وتصدر حزب "التجمع الوطني للأحرار" الانتخابات البرلمانية ليحصد 102 من المقاعد، بينما حل حزب "الأصالة والمعاصرة" في المركز الثاني بـ86 مقعداً، و"الاستقلال" ثالثاً بـ81 مقعداً، ثم "الاتحاد الاشتراكي" رابعاً بـ35 مقعداً.

الحرب على الفقر والبطالة

تعاني المملكة التي يقارب عدد سكانها 36 مليوناً، من استمرار فوارق اجتماعية عمقتها التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا، فضلاً عن ارتفاع البطالة في أوساط الشباب على الخصوص، تصل إلى 25 بالمئة في صفوف خريجي الجامعات، بحسب تقارير رسمية.

وتسببت الجائحة في انكماش الاقتصاد المغربي بمعدل 7.1 بالمئة عام 2020، وارتفاع معدل الفقر من 1.7 بالمئة إلى 11.1 بالمئة خلال الأشهر الثلاثة التي فرض فيها إغلاق صحي صارم عند ظهور الجائحة، وذلك بحسب مندوبية التخطيط (هيئة الإحصاءات الرسمية).

وقال المحلل السياسي مصطفى المريني، إن أهم التحديات التي تواجه الحكومة المقبلة هي "تجاوز تداعيات جائحة فيروس كورونا، التي ألقت بظلالها على القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، وذلك عبر إنعاش اقتصادي شامل".

وأضاف المريني في حديث لـ"الشرق"، أن الحكومة المقبلة "مطالبة ببذل جهد مضاعف للحفاظ على الاستثمارات، وجلب مزيد من الاستثمارات الأجنبية وتشجيع المقاولات، لإحداث فرص عمل جديدة".

بدوره قال أستاذ الاقتصاد في "جامعة محمد الخامس" في الرباط إدريس الفينا، إنه "ينتظر من الحكومة الجديدة رفع تحدي خلق الثروة، من خلال الرفع من الاستثمارات"، مشيراً إلى أن الناتج الداخلي الخام في المغرب "لا يعكس مستوى طموح البلاد".

وأدت الجائحة لرفع نسبة البطالة إلى 12.8% خلال الربع الثاني من العام الجاري، مع فقدان سوق العمل نحو 589 ألف فرصة عمل خلال 2020، ليصل إجمالي العاطلين عن العمل إلى مليون و605 آلاف.

ويعد البرنامج الانتخابي لحزب "التجمع الوطني للأحرار"، متصدر النتائج، بخلق مليون فرصة عمل جديدة، وإطلاق برامج تشغيل عمومية لمصلحة العاطلين عن العمل، فضلاً عن تخصيص دخل شهري بألف درهم (نحو 111 دولاراً) وتأمين صحي مجاني للفقراء البالغين 65 عاماً.

وخرجت عدة مظاهرات في السنوات الماضية في مناطق متفرقة في المغرب ترفع مطالب اقتصادية واجتماعية، كان أبرزها في منطقة الريف (شمال شرق) وفي جرادة (جنوب شرق)، تسببت في توترات واعتقل إثرها المئات.

الصحة والتعليم

يعاني قطاعا الصحة والتعليم في المغرب من أزمات عميقة، إذ تعد من أبرز مظاهر التفاوتات الاجتماعية في المملكة، إذ يجد الفقراء أنفسهم أمام خدمات صحية محدودة في القطاع العام، في مقابل تكاليف باهظة في القطاع الخاص، فيما يطمح المغرب إلى تعميم التغطية الصحية على نحو 22 مليون شخص بحلول عام 2025.

كما سجلت عدة تقارير "أداءً متدنياً" للمدرسة المغربية، في ظل ارتفاع معدلات الهدر (التسرب) المدرسي، ولجوء قطاعات واسعة من الطبقة المتوسطة لتعليم أبنائها في المدارس الخصوصية، ما يشكل عبئاً ينهك القدرة الشرائية للمواطنين.

ويقول المحلل السياسي مصطفى المريني، إن ملفي الصحة والتعليم "على رأس الأولويات التي ينبغي للحكومة المقبلة أن تنكب عليها، لا سيما بعد أن كشفت جائحة كورونا عن نقص كبير في هذين القطاعين المهمين"، مشيراً إلى أن "حزب التجمع الوطني للأحرار" متصدر الانتخابات "أطلق وعوداً ورفع شعارات اجتماعية واقتصادية مهمة، وبالتالي تقع على عاتقه مسؤولية الوفاء بهذه الوعود، بما يعيد ثقة المغاربة في الحياة السياسية".

 ويعد حزب "التجمع الوطني للأحرار" بمضاعفة ميزانية الصحة العمومية على مدى السنوات الخمس المقبلة، ورفع رواتب الكوادر الصحية، وإحداث 4 مراكز استشفائية جامعية جديدة، كما قدم وعوداً في برنامجه الانتخابي برفع رواتب المعلمين في بداية مشوارهم إلى 7500 درهم (نحو 863 دولاراً) بزيادة أكثر من 200 دولار، وتجويد التكوين الأساسي للأساتذة، فضلاً عن تقديم إعانات عائلية بـ300 درهم شهرياً عن كل طفل لتشجيع التعليم.

وكان الملك محمد السادس أعلن في يوليو 2020 عن خطة طموحة للإنعاش الاقتصادي بنحو 12 مليار دولار، فضلاً عن مشروع لتعميم التغطية الطبية على مدى خمسة أعوام.

وقال مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات، رشيد أوراز في تصريح لـ"الشرق"، إنه فضلاً عن ملفي الصحة والتعليم، "تبرز مشكلة التشغيل وخلق فرص العمل، كأولوية بالنسبة للحكومة المقبلة، فالمغرب يعاني من مشاكل على مستوى خلق وظائف، إذ يعجز قطاعه الخاص عن مواكبة عدد الخريجين الجدد، ما يشكل هاجساً لفئة كبيرة من المغاربة".

نموذج تنموي جديد

وينتظر أن تتبنى الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي المقبل "ميثاقاً وطنياً للتنمية" مستوحى من "النموذج التنموي الجديد" الذي أعدته لجنة ملكية وأعلن عنه في مايو الماضي، وذلك ما أكده الكاتب الأول لحزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" ادريس لشكَر، عقب لقائه رئيس الحكومة المكلف عزيز أخنوش، إذ صرح بأن حزبه "مستعد لبذل مزيد من الجهود والعطاء من أجل إنجاح مشروع النموذج التنموي الجديد".

ويهدف النموذج التنموي إلى تقليص الهوة بين الفقراء والأغنياء في المغرب، وتغيير مناخ "اتسم بأزمة ثقة خيم على البلاد"، بسبب "تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي وتفاقم الفوارق"، وفق تقرير اللجنة التي أعدته.

ويشير التقرير الذي يستند إلى أرقام رسمية إلى أن "10 بالمئة من المغاربة الأكثر ثراء يركزون ثروة تساوي 11 مرة ما يملكه 10 بالمئة من السكان الأكثر فقراً".

وكان حزب "التجمع الوطني للأحرار" ذو التوجه الليبرالي قدم نفسه خلال الحملة الانتخابية باعتباره "البديل الأفضل"، لتنفيذ النموذج التنموي الجديد، باعتباره حزباً يضم عدداً كبيراً من رجال الأعمال والكوادر العليا في الدولة.

وقال المحلل الاقتصادي المهدي فقير في تصريحات لـ"الشرق"، إن الأحزاب التي تصدرت الانتخابات "اعتمدت بشكل كبير على التصور العام للنموذج التنموي الجديد في صياغة برامجها الانتخابية"، مشيراً إلى أن هذه البرامج "لم تخرج عن طابعها النمطي، أي توجيهها نحو الاستجابة للحاجيات الأساسية للمواطنين، من قبيل التعليم والصحة والتغطية الاجتماعية".

ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن مجمل الأحزاب التي تبرز اليوم في المشهد السياسي، ما عدا حزب "الأصالة والمعاصرة"، هي أحزاب "خربت دواليب الدولة ومارست السلطة، إذ كان حزب التجمع الوطني للأحرار المسؤول عن وزارة الاقتصاد والمالية منذ عام 2013، بالتالي فهو يعلم جيداً الإشكالات العميقة المرتبطة بهذا المجال".

لكن الخبير الاقتصادي رشيد أوراز، نبه إلى أن محاربة الفساد وتحسين الحوكمة "تعد من التحديات المطروحة بقوة أيضاً على الحكومة المقبلة"، مشيراً إلى أن عدداً كبيراً من المغاربة" يشتكون من استشراء الفساد والرشوة، مما يعوق التنمية، ويحول دون استفادتهم من الخدمات خاصة في الإدارة العمومية".

بدائل جديدة

وقبل الجائحة، وعد الملك المغربي محمد السادس في خطاب بمناسبة مرور عشرين عاماً على توليه الحكم بـ"تجديد النموذج التنموي"، من أجل "مغرب لا مكان فيه للتفاوتات الصارخة"، مشيراً إلى أن الإنجازات التي تحققت على مستوى البنية التحتية خصوصاً "لم تشمل بما يكفي مع الأسف، جميع فئات المجتمع".

ويراهن النموذج الجديد على تحقيق "نسبة نمو سنوية تفوق 6 بالمئة" بحلول 2035، مشدداً على ضرورة إدماج الأنشطة غير المنظمة في القطاع المنظم، وبث روح المقاولة وتشجيع الشركات المغربية على التصدير بعلامة "صنع في المغرب".

لكن تمويل النموذج المنشود يظل رهناً بزيادة حصة الرساميل الخاصة في الاستثمار، وإصلاح جبائي يعزز مداخيل الخزينة العامة، فضلاً عن اللجوء إلى سوق الرساميل الدولية والشركاء والمانحين الدوليين.

وأكد المهدي فقير أن بلورة هذه السياسات ستحتاج لـ"جهد كبير وبدائل وأفكار جديدة، قد يسمح بها الانسجام الحكومي، خاصة في ظل شعور عام بغياب الانسجام في الأغلبية الحكومية السابقة، كان يضر بالتوازن المطلوب في العمل الحكومي".

وتوقع الخبير الاقتصادي أن تكون للحكومة المقبلة القدرة على تقديم بدائل جديدة "بحكم الإشارات التي ستبعث بها للفاعلين الاقتصاديين، وبحكم توفرها على مرجع أساسي هو النموذج التنموي الجديد، الذي يحتاج إلى انسجام وفاعلية في السياسيات الحكومية من أجل تنفيذه على أرض الواقع".

وتتوقع وزارة الاقتصاد والمالية أن يسجل المغرب نمواً بين 5.5% و5.8% بنهاية العام الجاري، بعد انكماش بلغت نسبته 6.3% العام الماضي، لكن استمرار الجائحة قد يكبح طموح الحكومة ويحول دون بلوغ هذه الأهداف.

اقرأ أيضاً: