يراجع مسؤولون أميركيون خياراتهم، بعد أشهر على تعليق محادثات فيينا لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، وسط تسارع جهود طهران نحو تعزيز قدراتها النووية لاكتساب القدرة على صنع أسلحة ذرية، في حين تجد طهران وسائل للتعامل مع العقوبات الأميركية، الأمر الذي يرجح أن العودة للاتفاق المبرم في 2015، "ربما لم تعد ممكنة"، وفقاً لما نقلته وكالة "بلومبرغ"، الاثنين.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال تدعو إلى عودة سريعة إلى الاتفاق، وهو ما تعتبره مساراً نحو صفقة "أبعد مدى وأكثر قوة"، إلا أنها مستعدة لمناقشة بدائل، بما في ذلك خطوة مؤقتة لتخفيف محدود للعقوبات، مقابل تجميد إيران عملياتها النووية الأكثر استفزازاً، حسبما أكدت "بلومبرغ".
ويعد هذا الاحتمال، بحسب الوكالة، "رداً جزئياً على توترات متزايدة" مع انتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران وتنصيبه الأسبوع الماضي، وعمليات استفزازية بما في ذلك إطلاق "حزب الله" اللبناني المدعوم من طهران صواريخ على إسرائيل، والهجوم على ناقلة النفط "ميرسر ستريت" قبالة سواحل عُمان، ما أسفر عن مقتل روماني وبريطاني، علماً أن إيران نفت مسؤوليتها عن الحادث.
"إهدار فرصة ذهبية"
ونقلت "بلومبرغ" عن علي واعظ، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية (مقرّها بروكسل)، والتي اقترحت إبرام اتفاق مؤقت، قوله: "لم يكن ذلك سهلاً أبداً، لكن الأمل كان أن الجانبين سيحسبان أن استعادة الاتفاق ستبقى الخيار الأقل تكلفة، ولكن الطرفين مسؤولان عن إهدار هذه الفرصة الذهبية".
واعتبرت الوكالة أن "الفشل في إحياء الاتفاق الأصلي سيشكل انتكاسة كبرى لبايدن الذي أدرج ذلك في إطار أولوياته في السياسة الخارجية، ورأى فيه مفتاحاً لخططه في الشرق الأوسط، رغم احتجاج دول حليفة للولايات المتحدة".
ومنذ تنصيب بايدن، لم تحقق 6 جولات من محادثات فيينا تقدّماً يُذكر، كما لم يُحدّد موعد لجولة سابعة.
ونقلت الوكالة عن مصادر تأكيدها أن هدف الولايات المتحدة "لا يزال الالتزام الكامل ببنود الاتفاق"، رغم إقرار تلك المصادر أنه لا يوجد دليل على أن الحكومة الإيرانية مستعدة لذلك.
وأضافت المصادر لـ"بلومبرغ" أن التحدي الذي يواجهه المفاوضون الأميركيون يتمثل في أن إدارة بايدن لم تكن قادرة على استغلال العقوبات التي تفرضها واشنطن لمنع إيران من انتهاك بنود في الاتفاق، "والتي تتقدّم برئيس جديد متشدد وبرنامج نووي يتطوّر سريعاً، في مؤشر على أنها ليست مستعدة للرضوخ، رغم المعاناة الاقتصادية المستمرة التي تسببها العقوبات الأميركية".
ويشعر مسؤولون أميركيون وأوروبيون بقلق من اقتراب موعد تحقيق طهران تقدّماً في المعرفة النووية، بحيث تكون أي عودة إلى الاتفاق بلا معنى، ويجب التوصل إلى اتفاق جديد. وأُبرم الاتفاق كي تحتاج إيران إلى عام لإنتاج سلاح نووي، ولكن برنامجها يتطوّر بسرعة كبيرة، بحيث ستكون قادرة قريباً على صنع قنبلة ذرية بوتيرة أسرع، علماً أن طهران تؤكد أنها لا تسعى إلى ذلك.
واشنطن تجهل نيات طهران
وأشارت "بلومبرغ" إلى أن "إدارة بايدن تجهل إلى حد كبير نية إيران"، مضيفة أن مسؤولين يعتقدون أنها "لم تقرّر بعد المسار الذي تريد أن تسلكه".
ونقلت الوكالة عن دبلوماسي غربي بارز أن الوتيرة البطيئة لمحادثات فيينا "تعكس افتراضات بشأن ما سيحدث لاحقاً". ويشمل ذلك آمالاً ضئيلة باتفاق أوسع يتضمن مخاوف بشأن البرنامج الصاروخي لطهران، ودعمها جماعات تعتبرها واشنطن وحلفاؤها إرهابية.
وثمة عوامل تفيد الولايات المتحدة مثل العقوبات الصارمة التي أعاد ترمب فرضها، وتمارس ضغوطاً تُعتبر سابقة على قادة إيران، إذ تشلّ اقتصادها، حيث تراجعت صادرات طهران من النفط الخام والمكثفات من أعلى مستوى لها بأكثر من 3 ملايين برميل يومياً في أكتوبر 2016 إلى 150 ألف برميل يومياً الآن، وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ".
وإذ يطلق المرشد الإيراني علي خامنئي تصريحات مناهضة لواشنطن، نقلت "بلومبرغ" عن هنري روما، وهو محلل بارز في مجموعة أوراسيا، قوله بشأن القادة الإيرانيين: "هذا ليس بديلاً عن تخفيف جديّ للعقوبات، وسيخطئون في تقديرهم بشكل كبير، إذا اعتقدوا أن الأمور على ما يرام. لست في مرحلة ذعر، يقترب آخرون منها. والهدف لا يزال تحقيق امتثال كامل للاتفاق النووي من جانب إيران، مقابل امتثال كامل من الولايات المتحدة.
عقوبات أميركية معقدة
وذكرت "بلومبرغ" أن مجموعات أيدت قرار ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي، بما في ذلك مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، والسيناتوران الجمهوريان تيد كروز وتوم كوتون، وأوضحت أنها ستضغط على رئيس جمهوري مستقبلاً لإعادة فرض أي عقوبات وافق بايدن على رفعها.
وتلك كانت استراتيجية إدارة ترمب التي سعت مجدداً إلى تعقيد إحياء الاتفاق، جزئياً من خلال فرض عقوبات أُدرجت في إطار ردّ على انتهاكات لحقوق الإنسان وتمويل إرهابيين، وسيكون من الصعب رفعها سياسياً، كما أن فرضها مجدداً يحظى بشعبية.
وتطالب إيران الآن بتخفيف كل العقوبات، وبوعد من الولايات المتحدة لا يستطيع بايدن التزامه، بأن خليفته لن يعيد فرضها مجدداً. ولكن رغم التوتر المتزايد والتصريحات العنيفة، تعتبر السفيرة البريطانية لدى الأمم المتحدة، باربرا وودوارد، أن "باب الدبلوماسية والحوار لا يزال مفتوحاً".
اقرأ أيضاً: